مايو 7, 2024

 اللاذقية-كامل عباس : كلنا شركاء
ذكّرني اتفاق كيري ولافروف الأخير بحوارات منتدى اللاذقية الحادة قبيل وبعد الغزو الأمريكي للعراق. كانت وجهة نظرنا نحن “المتلبرلين الجدد” – حسب وصف يسراويي المنتدى –  ايجابية الى الغزو, كنا ننظر اليه بعين الأمل كونه أتى في ظل نظام عالمي جديد يُفترض أن يكون أرقى من النظام السابق في سلم التطور الاجتماعي, ومن الممكن أن تشكل فيه ثقافة وحضارة البشرية رافعة لإعلاء شأن الانساني على الطبقي ودافعا للدول الغنية والقوية على ان تتعاون فيما بينها لتطوير المجتمعات المتخلفة والى حماية شعوب الديكتاتوريات من بطش حكامها .
لم يشع نظام العولمة الأمل في نفوس اللبراليين السوريين فقط . بل وفي نفوس شعبها أيضا, وأتجرأ فأقول ان ذلك الأمل كان أحد الدوافع لثورة الشعب السوري على نظامه الديكتاتوري المتوحش. لقد كان لسان حاله يقول : لن يستطيع النظام تكرار مجازر حماه وحلب  في ظل وسائل الاتصال الحديثة للعولمة وتعميمها على المستويين الرسمي والشعبي . 
هضم رأس المال البنكي اندفاعة النظام العالمي الجديد الأولى, وهاهي قريتنا الكونية الحالية تدار من قبل بوتين واوباما حيث هما منحازان بشكل مكشوف للمصالح على حساب القيم الانسانية .
ربما كان أقوى توصيف للوضع الدولي والسوري معا هو بيان المثقفين السوريين حول الاتفاق والذي جاء فيه حرفيا (هذا كلّه لا يدل فقط على انعدام تام للحس الأخلاقي وحس العدالة لدى الفريقين الأميركي والروسي، وإنّما يفضح أيضاً انحطاط المهنة السياسية، وتدني مستوى سياسيي دولتين هما الأقوى في عالم اليوم(.وفيه صنفوا  أوباما وبوتين ووكلائهما وأشباههما من معدومي الإنسانية . وقد اختتم كما يلي :(إن سورية قضية عالمية و «ندعو إلى إدانة هؤلاء السياسيين، والتشهير بهم كقتلة عدميين وإرهابيين مثل خصومهم من العدميين الإسلاميين).
ان المثقفين في كل زمان ومكان هم عصارة شعوبهم, والأكثر تأثرا في العامل الانساني على حساب الطبقي بحككم ثقافتهم, وهم يقولون كلمة الحقيقة  التي لا تستطيع قولها الأحزاب لأن قولها عندها يخضع للاعتبارات السياسية  .
حقيقة يجسد الاتفاق المفارقة بين الانساني والطبقي في عالمنا الحالي : انا شخصيا لا استطيع أن أنظر للقاءات كيري ولافروف المتكررة ولساعات طويلة  من اجل حّل للوضع السوري نفس النظرة للقاءات سايكس وبيكو قبل مائة عام .ظني – وقد يكون في الظن اثم, وقد يكون من أذكى الفطن –  أن ثقافة وحضارة البشرية حاضرة في خلفية اجتماعات هذين الدبلوماسيين المخضرمين. يختلف الأمر عند معلميهما بوتين واوباما فهما ينظران الى المسألة السورية من منظار المصالح الخالية من كل القيم الانسانية , وان كانا قد وافقا على الاتفاق فهو ليس لإرضاء الوزيرين بقدر ما هو محاولة لتجنب انتقاد المجتمع الدولي للدولتين في اجتماع الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة هذا الشهر , ولتكن الهدنة حتى تنتهي تلك الاجتماعات حيث سيعاد الكر والفر بين الطيران الروسي والأمريكي على حساب الشعب السوري ريثما ترسو الأمور الى حل يرضي القيادتين .
بكل الأحوال لم يتضرر احد من قعقعة السلاح في سوريا  أكثر من الشعب السوري , في ظله نجحت القوى الاقليمية والدولية المهيمنة داخل العولمة في تشويه ثورتنا وحرفها عن مسارها لتظهر فيها كل ألوان التطرف السني والشيعي واليساري واليميني معا.
آن الأوان لكي نعيد لثورتنا ألقها السلمي الأول, ولننفض عنها غبار المتطرفين من كل لون لنخاطب العالم من جديد على قاعدة أننا أصحاب حق ولسنا هواة عنف .
أسجل هنا بكل ارتياح ما فعلته الهيئة العليا للمفاوضات مؤخرا من هجوم سياسي  بدأ في عاصمة الأمل والضباب لندن بتقديمها وثيقة جديدة على هذه الأرضية تخاطب العالم بلغة جديدة كي يساعدنا لننتقل ببلدنا من فضاء الاستبداد الى فضاء الديمقراطية , ولنعمل معه وتحت إشراف هيئاته للوصول الى دولة مدنية ديمقراطية في سوريا.
بدا لي الملخص التنفيذي للوثيقة كعروس في أبهى حلتها , تلطخ وجهها ببقعة قذرة سوداء من جراء بندها الأول وحديثه عن اللغة العربية الرسمية في الدولة السورية الجديدة, مما أثار مشكلة في صفوف الهيئة حيث اعترض عليه أعضاء المجلس الوطني الكردي والمنظمة الآشورية داخل الهيئة .
اذا استثنينا هذا البند لقلنا أن هذا الهجوم  في هذه اللحظة هو ضربة معلم. فروسيا وأمريكا لن تسمحا أن يسقط الأسد لمصلحة جبهة النصرة ومن يواليها من الاسلاميين الذين يريدن لسوريا ان تحكم بشرعهم الإلهي سوا كانوا دواعش ام أحرار شام أم جيوش اسلام , ام فصائل معتدلة تتفق معهم في المنهج , ولكنهم بنفس الوقت يعملون لكي  يكون البديل حكومة محاصصة طائفية يتقاسمان الولاء فيما بينهما . والهيئة العامة بوثيقتها تطرح حلا ثالثا هو دولة مدنية ديمقراطية قائمة على المواطنة .  ان هذا الطرح  موجع لأقطاب العولمة الحالية وانبعاثاتهم الأمبرطورية من اوباما الى القيصر الى المرشد الى السلطان . فهي ستكون لو تم الانتقال بهذا الشكل بؤرة اشعاع تهدد عروشهم في المستقبل البعيد.
لو لم يكن للثورة السورية سوى هذه الفضيلة لكفاها . لقد عرّت مؤسسات المجتمع الدولي الحالية وأظهرتها على حقيقتها مع اللصوص وقطاع الطرق والمعفشين من كل حدب وصوب أكثر مما هي مع تحرر الشعوب من جلاديها.
اقرأ:
كامل عباس: المعارضة السورية بين مطرقة النظام وسندان المجتمع الدولي


المصدر: كامل عباس: لمن ستكون الغلبة في اتفاق كيري – لافرف ؟ للطبقي أم للإنساني؟

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك