أبريل 29, 2024

ولاء عساف: كلنا شركاء

هناك سجون في سورية سجلت تاريخاً حافلاً بالمجازر وسفك الدماء، ولكن لم يكن من بينها سجن دير شميل. ودير شميل قرية صغيرة في ريف حماة الغربي، يوجد فيها معتقل جديد، وهو عبارة عن سد للمياه، معتقل أبشع وأفظع من معتقلات الأسد الأب، استحدث في عهد الأسد الابن منذ اندلاع ثورة 2011 في سوريا.

كنا 116 شاباً تم اعتقالنا من مناطق متعددة بتهم مختلفة، وجمعنا في هذا السجن الظالم بعد التنقل بين عدة أفرع أمن، والتحقيق معنا لنعترف تحت التعذيب بما ارتكبناه وما لم نرتكبه، كنا نجلس 116 شاباً في غرفة واحدة، وكل 10 أيام يفارقنا شخص، كان التعذيب والضغط كبيرا، فمن لم يمت إعداما، مات بعد أن نزف كل ما في جسده، ومنهم من كان يقطع قطعاً متعددة، فقد كان يسهر الشبيحة الأوغاد ويشربون حتى السكر تماما، ليأتوا بالمساجين ويتفننوا في قطع أطرافهم وتعذيبهم ليتركوهم بعدها ينزفون حتى الموت.

كانت هذه الأحداث تجري في منتصف عام 2013، حيث بدأنا نفقد واحداً تلو الآخر، لم نكن نعرف الكثير عن بعضنا، لكن يكفي أننا تشاركنا الوجع والعذاب معا.

كان السجانون يخلطون الطعام مع الشاي لنقوم بلحسها من الأرض، لم نكن مضطرين لفعل ذلك… لكنه الجوع، الجوع الذي كان يجبرنا على فعل أكثر من ذلك. مسلخ بشري، حمام دماء.

كان المكان تملؤه رائحة الدم والرطوبة، رائحة أموات وأحياء لا يشبهون الأحياء. فيما بعد تم الإفراج عنا ولا ندري كيف ولماذا خرجنا، كل ما نعرفه أننا نجونا من الموت بأعجوبة، ولكن الأعجوبة الأكبر أننا خرجنا 16 شاباً من أصل 116.

بعد أن خرجت بقيت 10 أيام فقط في سوريا، وبعدها سافرت إلى لبنان، وهناك حاولت أن أستعيد حياتي الطبيعية التي نسيتها في سنة كانت أشبه بكابوس، وكأنني بقبر وأنا على قيد الحياة.

وبعد فترة تواصلت مع أخ أحد الشباب الـ 15 الذين شاركوني الكابوس، وعلمت منه أن الشباب وأحدهم أخوه الذين خرجوا من السجن معي، قبض على بعضهم وقتل البعض الآخر، ولم يبقى منهم أي أحد، كنت الشاب الوحيد الذي نجى من 116 الذين عاشوا في المسلخ البشري.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك