مايو 1, 2024

ولاء عساف: كلنا شركاء
في يوم مشمس كنت أنا وعائلتي نتناول طعام الفطور عندما وجدنا رجال الأمن فوق رؤوسنا، وبدأوا يضربونني بالأسلحة، ويقولون: “أيها الإرهابي الوقح”. حملوني مغمى علي لأستيقظ وأجد نفسي في غرفة مظلمة. رائحة الموت فيها طاغية. لا صوت ولا حركة، وكأنني في مكان ما تحت الأرض، وما هي إلا دقائق حتى أخذوني إلى غرفة التحقيق.
غرفة الموت، دماء تملأ الجدران والأرض، وأشخاص تنازع هنا وهناك، علقت من يدي في حبال معلقة بالسقف، وبدأ الضرب من كل جهة، يوجعني كل جسدي… دقائق ولم أعد أحس بالألم، ـغمي عليّ من جديد لأستيقظ وأنا لا أعرف ليلي من نهاري.
نقلونا إلى معتقل صيدنايا، وهناك ترى الموت بعينيك ولا يطالك، رحنا نتسابق على المشانق، جوع وضرب وإهانات… صعق كهربائي وتقطيع أعضاء، أشخاص تنزف حتى الموت، وأشخاص تعدم بالرصاص، ومنهم من يعدم على المشانق.
في أحد المرات وبعد منتصف الليل كالعادة، دخلوا ليأخذوا عدداً منا للإعدام، كان يدعو كل شخص أن يكون هو المطلوب كي يتخلص من العذاب، أغلقوا أبواب الزنزانة، نحن لا ننام نسمع صرخات التعذيب قبل الإعدام، وبعد حوالي الساعة عادوا ليرموا أحد الشباب الذين أخذوهم، وقد قطعت يديه وشوه وجهه والدماء تجري من كل أعضاء جسده، كان قد خالف الأوامر ولم يصبه الرصاص، فلم يقتلوه فوراً، بل تركوه ينزف حتى الموت.
قال لي: أنا فلان ابن فلان، إن خرجت أرجوك فلتخبر أهلي أنني مت، كي لا يتعذبون بالبحث عني.
أعوام مرت كعمر كامل من الوجع والقرف، قرفت الحياة، كرهت حتى نفسي الذي يدخل ويخرج من جسدي، لم نكن نعرف الليل من النهار، أساساً لم نكن نهتم، وبعد 3 سنوات من ذلك اليوم المشؤوم، أطلق سراحي.
بقيت 4 أيام لا أستطيع السير في الشمس ولا خلال النهار، كان رأسي وعيناي يؤلمانني بشدة، وبعد أن تمكنت من تمالك نفسي رحت إلى قريتي لأرى عائلتي، لكن صدمني ما رأيت، منازل مهدمة وقرية مهجورة لا بشر ولا منازل، حاولت أن أجد أحداً أعرفه لأسأله عن أهلي وعائلتي، ولكن وجوه غريبة وقلوب غريبة، لم أجد من أعرفه.
تابعت سيري ورحت أبحث عنهم من مخيم إلى مخيم، وأنا بحالة سيئة فجروحي لم تلتئم، حتى وصلت إلى أحد الخيام وإذ به جارنا، سألته عن حاله وراح يساعدني في معالجة جروح في وجهي وقدمي وظهري، وبقيت عنده حوالي الأسبوع وبعدها قررت المسير من جديد، ساعدني قليلاً وقال لي إنه جاء أخي وأخذهم، تسللت الطمأنينة إلى قلبي قليلا، ولكن شوقي لهم كبير.
وبعد عدة أيام وجدتهم في أحد المخيمات، فقد وجدتهم مع بعض أهل الحي، وأخي وأختي وعائلاتهم، قبلتهم بشوق ودموعي تحرق عيناي، منذ زمن لم أبكي، نسيت طعم البكاء فرحا، ولكن بعد أن تفقدتهم شخصاً شخصا، ابني أحمد… لم يكن بينهم… أين أحمد؟؟
قالت لي زوجتي: لقد استشهد بعد أن تم اعتقالك بعدة شهور، فقد ذهب يقاتل ولم يعود إلا وهو شهيد دماؤه تغمره، ووجدت ابني الثاني يعمل إعلامياً ويخرج في المعارك ليصور الأحداث الميدانية، وزوجتي مريضة قلب، لم يعد أي شيء كما كان، هذا ما فعله النظام بي وبعائلتي.
سجنت ظلماً واستشهد ولدي والآخر على حافة الموت، وأنا وزوجتي ننتظر الموت الذي يبتعد عنا ليرينا المزيد من العذاب على هذه الأرض.


المصدر: ولاء عساف: صيدنايا… قصة رجلٍ في المسلخ الجسدي والمعتقل الفكري

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك