مايو 6, 2024

كلنا شركاء: salon- ترجمة ركانة المنير- السوري الجديد

في الأسبوع الماضي أعلنت مجموعة من علماء الآثار بعد جولة لتقديرهم الضرر الذي أحدثته داعش عندما احتلت مدينة الموصل العراقية عن اكتشاف مذهل، ففي عام 2014 أعلنت مجموعة إرهابية بابتهاج واضح تدميرها لمرقد النبي يونس _وهو المكان الذي يعتقد أنه قبر النبي يونس_ وجزء من الآثار القديمة لمدينة نينوى.

في شباط دحر الجيش العراقي قوات داعش من الموصل معطياً علماء الآثار أول فرصة لتفقد الدمار، لقد تم توثيق طريقة تمويل داعش لأنشطتها وذلك من خلال بيع الآثار المنهوبة. تجمع داعش كل ما تعثر عليه أثناء حرث المواقع الأثرية ليباع في الخارج، بينما يقوم المتشددون بتدمير كل ما يمكن تدميره على طول الطريق وتوثيق الأضرار من أجل إغضاب أعدائهم الأيديولوجيين.

في البداية لم يكن هناك اهتمام بنينوى والآثار التي من الممكن أن تستخرج منها، فقد تم حفرها بعناية من قبل الكثير من علماء الآثار منذ عام 1842 على أقل تقدير. إن الفرصة الوحيدة لإيجاد الكنوز الدفينة هي في البحث حيث لم يبحث أحد من قبل، إن المكان الوحيد الذي لم يبحث به أحد هو حيث لن يحاول علماء الآثار البحث فيه، وذلك لأن الوصول إليه لن يكون إلا بتفجير أو هدم الأجزاء المكشوفة من المدينة الأثرية.

عثر علماء الآثار أثناء تفحصهم للمدينة المستعادة على أدلة تثبت أن داعش بتفجيرها لمرقد النبي يونس، قد أزاحت الستار عن اكتشاف عظيم ألا وهو قصرٌ قد غُيب لآلاف السنين تحت مرقد النبي يونس وهذا ما أدهشهم.

يعتبر هذا اكتشافاً عظيماً من حيث الاكتشافات التاريخية. ولكن داعش قد وصلت هناك أولاً، وكما قالت عالمة الآثار ليلى صالح “لا يمكنني أن أتصور سوى تعمق داعش بالاكتشاف قبل وصولنا إلى هنا”. من ناحية أخرى أُعيد بث التفاؤل عندما وجدت العالمة وفريقها بعض القطع القيمة التي لم تُسلب بعد. على سبيل المثال هناك قطعة من الرخام نُقشت بالكتابة المسمارية تضم العديد من العبارات المستخدمة في مكان محدد لوصف ملك بذاته، أسرحدون الذي كان يحكم آشور في 672 قبل الميلاد.

وهذا يشير إلى أن القصر المكتشف حديثاً الذي يعود إلى القرن السابع قبل الميلاد قد عُرف سابقاً لدى المؤرخين، لكنهم اعتقدوا أنه فُقد منذ فترة طويلة، حيث بدأ الملك سنحاريب بإنشائه وأكمله ابنه أسرحدون. تضرر هذا القصر كثيراً عام 612 قبل الميلاد أثناء نهب مدينة نينوى وسط خسارة على يد الجيش المتحالف الذي أنهى الإمبراطورية الآشورية الحديثة، ولم يتم احتلالها بعد ذلك. وعندما أُعيد بناء المدينة استخدمت أجزاؤها لتشييد هياكل أخرى (مبانٍ كقبر يونس).

لم تنتهِ القصة عند هذا الحد، إنها في الواقع عنصر مرتبط بشكل شاعري في سلسلة من الآثار المفقودة والملوك القدماء حيث يعود تاريخها إلى إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، العنصر الوحيد الذي شكك المؤرخون بوجوده أصلاً.

لايزال بإمكانك زيارة الهرم الأكبر في الجيزة اليوم، ولكن معظم عجائب الدنيا السبع قد تم تدميرها_ باستثناء حدائق بابل المعلقة. إن وجود بعض العجائب وفقدان الأخرى _ضريح موسولوس، منارة الاسكندرية، هيكل آرتميس في أفسوس، عملاق رودس، تمثال زوس_  قد تم توثيقه في وثائق أثرية وتاريخية.

يفترض أن تكون الحدائق سلسلة من الطبقات كنوع من الزقورة المتدرجة كالهرم (الزقورة عبارة عن معابد مدرجة كانت تبنى في سوريا والعراق)، تُزرع من كل أصناف الخضرة في كل طبقة ولكنها تقوم على أعمدة ضخمة. بسبب عدم ذكر النصوص البابلية المعروفة للحدائق (وهو أمر غريب باعتبار الروعة والإبداع التي كانت عليه) فقد ظن البعض أنها قد تكون مجرد أسطورة.

أشاع كتّاب السفر اليونانيون والرومانيون القدماء فكرة رؤية عجائب الدنيا السبع، ولكنهم وصفوا العجائب القديمة التي كانت تسبقهم بقرون و كتبوا عنها ما بين عام 100 قبل الميلاد وعام 100 ميلادي. وهكذا فإن معرفتهم الخاصة قد بنيت على الإشاعات بدلاً من الفحص المباشر.

جُمعت قصة الحدائق المعلقة من خلال روايات نكدة لعدة مؤرخين قدماء وكانت كالآتي: بنى ملك يُعتقد أنه نبوخذ نصر الثاني (الذي حكم البلاد منذ عام 605 قبل الميلاد إلى عام 562 قبل الميلاد) لزوجته الملكة أميديا التي افتقدت المناظر الطبيعية الخضراء في بلاد ماداي (شمال إيران) موطنها الأصلي. في حين وصْفُ الكتابِّ الكلاسيكيين للحدائق يظهر لنا أنه من غير المحتمل أن يكون أحدهم قد شاهد ذلك على الواقع.

الوصف الأكثر تحديداً كان لديودوروس من صقلية (نشط منذ عام 60 ق.م إلى عام 30 ق.م) كتب أن الحديقة كانت تمتد إلى 400 قدم من كل جانب “وتنحدر كالتلال، وترتفع عدة أجزاء من الهيكل من بعضها البعض طبقة تلو طبقة فيبدو المظهر العام كالمسرح”. تصل الطبقة العليا إلى ارتفاع 20 متراً، “متساوية مع جدار سور المدينة الدائري”. كانت سماكة الجدران 22 قدماً مع ممرات بعرض 10 أقدام. كما وصف ديودوروس بنية الحدائق على أنها مصنوعة من الطوب المدعّم بالإسمنت، وتتوج بالقار (شكل قديم من الاسفلت)، مع طبقة من الرصاص “حتى لا تخترقها رطوبة التربة”، ثم تتكدس بالتراب وتُزرع بكثافة بكل أنواع الأشجار، فيتمتع الناظر بحجمها الكبير وسحرها الخاص”.

تصف التفاصيل المقدمة مكاناً حقيقياً على الرغم من أن ديودوروس كتب أن ملكاً سورياً قد أنشأها وليس بابلياً_ وهذا أمر محير. وصف كاتب روماني يدعى كوينتوس كيرتيوس روفوس في القرن الأول الميلادي بنية مماثلة مما زاد من مصداقية وجودها في وقت سابق.

لكن الباحثين الجدد كستيفاني داليه يشيرون إلى أن أمر هذه الحديقة في بابل قد اختلط بحديقة موجودة بالفعل حيث توفرت فيها أدلة أثرية: فهي حديقة مشهورة لم تبنَ في بابل بل بناها الملك الآشوري سنحاريب مدمر بابل لعاصمته نينوى. هذا صحيح وهو نفس الملك الذي بدأ ببناء القصر الذي تم اكتشافه للتو بفضل همجية داعش.

يبدو أن بعض المصادر القديمة قد طبقت هذه النظرية من خلال الإقصاء بدلاً من التضمين، فعلى سبيل المثال لم يأت هيرودوت على ذكر الحدائق المعلقة عندما وصف بابل، وهذا يشير إلى أن هذه الأعجوبة لم تكن لتبدأ في تلك المدينة.

وفي الوقت نفسه وجد علماء الآثار في نينوى شبكة بطول 50 ميلاً من الممرات المائية (من قنوات وسواقٍ وسدود) والتي تنقل المياه إلى المدينة الصحراوية، حيث تقوم البراغي برفع المياه لري الحدائق. في حال أن الحدائق المعلقة الشهيرة لم تكن في بابل بل كانت في نينوى، فهي لا تصنف أنها مفقودة حيث أنه باستطاعتنا زيارة آثارها في يومنا هذا. وفي حال وُجدت مثل هذه الحدائق في بابل يوماً فقد تعرضت للتلف أو التدمير أو إعادة استخدام موادها على مدى آلاف السنين من قبل الغزاة الذين مروا على هذه المدينة العريقة (بما في ذلك الفترة الآشورية، عندما استلهم المهندسون أفكارهم لبناء حدائق نينوى).

تتضح الصورة بشكل مثير للاهتمام، على أنه كان هنالك ملك يدعى سنحاريب أمر ببناء حدائق نينوى وحكم آشور بين 705 ق.م إلى 681 ق.م، وأمر بتدمير جميع الجدران الدفاعية والقصور والمعابد في بابل، كرادع للانتفاضة المنظمة من قبل السكان ضد الفاتحين الآشوريين. في حال أنها وُجدت يوماً فقد واجهت الحدائق المعلقة مصيرها عام 689 ق.م ، ربما ليعاد بناؤها في نينوى من خلال تفكيك عناصرها ونقلها إلى العاصمة الآشورية. ولكن يبقى هنالك احتمال أنها لم توجد أبداً في بابل وأنه بدلا من ذلك كان ينبغي أن تسمى حدائق نينوى المعلقة التي بنيت من قبل الملك الذي دمر بابل وأنشأ قصراً هناك تم اكتشافه للتو، وذلك بفضل أيادي داعش الهمجية.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك