مايو 18, 2024

كلنا شركاء: تسايت- ترجمة نون بوست

يبدو أنه كلما أصبحت الأوضاع السياسية في العالم أكثر تعقيدا، إلا وصدّ الكبار أبناءهم عن الخوض في المشاكل السياسية. ولذلك علينا أن نتساءل حول مدى صحة مثل هذه المواقف؛ التي تقمع حق الطفل في فهم القضايا السياسية؟

كيف يمكن أن نصف تصرف الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية، باراك أوباما، حينما استجاب لرسالة الطفل أليكس، الذي أرسل له رسالة يطلب فيها منه التدخل لإنقاذ الطفل السوري عمران؟ هل يمكن أن نعتبر هذا التصرف من رئيس مثل أوباما دليلا على تواضعه؟ أم هو دليل على عجز الرئيس الأمريكي عن إيجاد حل للحرب السورية؟

حينما انتشرت صورة الطفل الحلبي الصغير، عمران، في كافة أنحاء العالم، وهو جالس مغبرّ الوجه على مقعد بسيارة الإسعاف، بعد أن دمر القصف بيته في شهر آب/أغسطس الماضي، لم تؤثر هذه الصورة في الكهول فحسب، بل تأثر بها العديد من الأطفال الذين شاهدوها، من بينهم الطفل أليكس، البالغ من العمر ست سنوات، والمنحدر من مدينة نيويوك. ولم يكتف أليكس بمشاهدة الصور فقط، بل وجّه رسالة في 12 صفحة إلى الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما.

وفي رسالته، طلب أليكس من أوباما ترحيل الصبي عمران إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وبكل براءة، أعرب الطفل الصغير عن استعداد عائلته لاستقبال هذا الصغير المنكوب والاعتناء به. وعبّر أليكس في رسالته عن استعداده، إلى جانب أخته الصغيرة لتقاسم ألعابهما مع عمران.

يعتقد الكثيرون أن هذه الرسالة البريئة أثّرت في أوباما، نظرا لأن هذا الطفل أراد أن يعبر من خلالها عن تعاطفه مع مأساة إنسانية، واستعداده لنصرة هذه القضية بكل براءة. وكانت ردة فعل أوباما على هذه الرسالة جيدة، حيث قرأ الرسالة خلال القمة العالمية للاجئين في مدينة نيويورك أمام الحاضرين، وأعلمهم بأن هذهالرسالة تحمل في طياتها العديد من الدروس التي يجب تعلمها.

في حقيقة الأمر، تبدو هذه الرسالة مؤثرة، ولكنها في الوقت نفسه مزعجة. فقد تكون دليلا على عجز رئيس الدولة الأكثر نفوذا في العالم عن التدخل لإيقاف الحرب السورية، أو على الأقل إيجاد حلول عاجلة لآلاف اللاجئين، وإنقاد الأطفال السوريين الذين يعانون من ويلات الحرب، على غرار الطفل عمران. وفي هذه الحالة، علينا أن نطرح السؤال التالي: من الشخص القادر على التدخل في الصراعات المعقدة في ظل فشل الحلول الدبلوماسية وعجز الكهول عن تقديم النصائح؟

من الممكن أن يكون الحل بين أيدي الأطفال القادرين على التحدث ببراءتهم المعهودة عن مواقفهم من القضايا البسيطة، رغم عقولهم الصغيرة. ولكنهم غير قادرين على حل المشاكل التي تعترض البالغين، ربما لأن مشاكل البالغين تتجاوز فهمهم البسيط.

في هذا الصدد، فإنه عندما يتعرض الأطفال للاستغلال لخدمة أغراض سياسية، حتى وإن كانت إيجابية، فإن ذلك لا يصبّ عادة لصالحهم. وبدلا من الاهتمام بمأساة أطفال حلب، توجه فريق من مصوري البيت الأبيض إلى بيت أليكس، لتصوير فيلم قصير حول الرسالة التي وجهها هذا الطفل الصغير لأوباما، ليجعلوا من الطفل الأمريكي نجما. و لذلك تحولت هذه الرسالة إلى موضوع شغل الرأي العام. ولسائل أن يسأل عن الدرس الذي تعلمه أوباما من هذه الرسالة؟

في الحقيقة، يُعد نشر صور أطفال حلب على شبكة الإنترنت أمرا أسهل من الانتفاض ضد الظلم في العالم. وفي هذا السياق، حققت الطفلة بانا ذات السبع سنوات شهرة عبر صورها التي انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي وثقتها والدتها، من بينها مشاهد أظهرت الفتاة السورية عالقة تحت الأنقاض.

إن المتأمل في هذه الصور، يعتقد أن الفتاة سعيدة بفقدانها أسنانها اللبنية، دون النظر إلى اللافتات التي تحملها للمطالبة برفع الحصار عن مدينتها. وقد لقيت هذه الصور في وقت قصير إعجاب الملايين، كما حظيت صفحة الفتاة على موقع “تويتر” بمتابعة حوالي 300 ألف شخص، من بينهم مؤلفة سلسلة “هاري بوتر”، جوان رولينغ.

عموما، يمكن استخلاص حجم معاناة المدنيين في حلب من خلال هذه الصور، إذ تقدم صرخات الفتاة الصغيرة التي تطلب النجدة، دليلا حقيقيا على الحياة المريرة التي يعيشها أهالي هذه المدينة المنكوبة. وبعد أيام من انتشار هذه الصور، نشرت إحدى منظمات الإغاثة تغريدة على موقع “تويتر”، تؤكد فيها إجلاء الفتاة من تحت الأنقاض.

هل الأمر مجرّد حب اطلاع؟

خلال الفترة التي ازدهر فيها موقعا “يوتيوب” و”تويتر”، كان من السهل على الأطفال التواصل والتبليغ عن مواقفهم بكل تلقائية. وقد تمكنت الطفلة بانا من إيصال صوتها، رغم أنها لا تتقن اللغة الإنجليزية، حيث بلّغت رسالتها موظفة كلمات بسيطة تعلمتها منذ الصغر، بالإضافة إلى العبارات التي يبدو أنها من تأليف والدتها، نظرا لأنه من الصعب أن يكتب طفل في سن السابعة عبارة، مثل “سرقت الحرب طفولتي”.

من جهة أخرى، من الممكن أن تكون مشاهد الطفلين أليكس وبانا على شكل رواية تختزل حكاية طفل شجاع اعتلى الحطام ليعبّر عما يجول في خاطره. وفي الحقيقة، لم يكن أليكس يبحث عن النجومية، بل تصرف بشكل تلقائي، وطلب المساعدة من شخص راشد.

أما بانا، فقد شعرت بالسعادة حين أرسلت لها رولينغ نسخا إلكترونية من رواية “هاري بوتر”، كي تتمكن من قراءة بعض الكتب رغم الظروف التي تعيشها، إذ لم بإمكانها أن تبقى في حلب، دون أن تشعر بالخوف من سقوط قنبلة على رأسها في أي لحظة.

وفي هذا الصدد، ينبغي علينا أن نطرح التساؤلات التالية: هل يمكن أن يقرأ الكبار تغريدات بانا بحرص شديد، للوقوف على بقية التفاصيل البشعة بدافع حب الاطلاع؟ ولماذا تابع العديد من الأشخاص حساب بانا باهتمام؟ ثم لماذا تحول فيديو أليكس إلى مادة إخبارية؟

ربما لقيت أصوات هذين الطفلين رواجا لأنهما أرادا أن يبلغا رسالة، مفادها أنهما في حاجة للمساعدة. في الحقيقة، إن من يقرأ أخبار بانا التي تعيش تحت الحصار في مدينة حلب، لا يمكنه التغافل عن الواقع المرير الذي يعيشه أهالي هذه المدينة المنكوبة. فهذه الطفلة الصغيرة ضحية بريئة من ضحايا الحرب، لذلك تعاطف معها كل الأشخاص الذي وصلت إليهم رسالتها.

في الحقيقة، إن من يتابع هذه الفتاة السورية، لا يتابعها بدافع الشفقة، بل يتابعها بدافع إشباع رغباته وأهدافه الشخصية. ولكي يكون الهدف نبيلا، يجب ألا يكتفي هؤلاء الأشخاص بمتابعة الأخبار فقط، أو التعبير عن تعاطفهم، بل ينبغي عليهم أن يتحركوا من أجل إنقاذ هذه الطفلة.

إضافة إلى ذلك، تتبادر إلى الذهن تساؤلات أخرى مهمة؛ كيف سيفهم الطفل أليكس أن ردود الفعل حول رسالته لم تتجاوز الفيلم القصير الذي لقي رواجا في كافة أنحاء العالم، دون أن تتحقق رغبته في ترحيل هذا الطفل من سوريا؟ وما هو مصير الطفل عمران؟ ولماذا لم يتدخل الرئيس أوباما لإنقاذ الطفل السوري؟

في منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، استقبل أوباما الطفل أليكس، وأشاد بتصرفه البريء وعبّر له عن افتخاره بما فعله. ورغم أن أوباما لم يتجاهل رسالة هذا الطفل الأمريكي، إلا أن تصرفه كان دون المطلوب، إذ لم يحقق رغبة الطفل في ترحيل عمران من جحيم الحرب السورية. أما بالنسبة للطفلة بانا، فهي تعيش في وضع آمن. لكن هل ستغير الشهرة التي حظيت بها على شبكة الإنترنت شيئا من واقعها الأليم، حين يتابعها الكثيرون بينما يسعى القليلون لإنقاذها؟

بطبيعة الحال، قد يكون التعاطف شكلا من أشكال التعبير المناهضة لانتهاكات حقوق الإنسان في مدينة حلب. فمن ينشر قصة بانا، قد يساعدها على لفت انتباه الآخرين بشكل يتماشى مع رغبات والدتها، التي كانت تبحث عن كسب تعاطف الآخرين معها من خلال صور ابنتها.

في الحقيقة، من الممكن أن تساعد هذه الصور على تغيير الواقع الأليم الذي تعيشه هذه الفتاة. ولكن، هل يمكن أن يستغل شخص ما هذه الصور لتحقيق مآرب شخصية؟ يبدو أنه لا يمكن الحسم حول هذه النقطة، فقد يساهم كل شخص ينشر صور بانا في تعريض حياتها للخطر دون قصد. وفي نفس السياق، ذكرت والدة بانا أفادت أن قوات النظام تتابع منشورات ابنتها، ولذلك عبّرت الأم عن مخاوفها من تعرض ابنتها للقتل بسبب تلك الصور التي لاقت رواجا في كافة أنحاء العالم.

من جهة أخرى، لفتت فتاة باكستانية تبلغ من العمر 11 سنة، أنظار العالم خلال السنوات الأخيرة. لقد تحدثت ملالا يوسفزاي من خلال تدويناتها عن الواقع الباكستاني المرير في ظل نظام حركة طالبان، مما عرض حياتها للخطر. وقد أثارت منشورات ملالا جدلا واسعا، حيث اعتقد البعض أن هذه المنشورات ليست من تأليفها الشخصي، بل من تأليف والدها. ولم تسلم الفتاة الباكستانية من غضب تنظيم طالبان بسبب تدويناتها، التي اعتبرها شكلا من أشكال التهديد، ما دفعه إلى محاولة اغتيالها.

في الواقع، حصلت هذه الفتاة على جائزة “نوبل” للسلام تقديرا لتضحياتها وجرأتها، ثم لجأت إلى بريطانيا لتواصل الدفاع عن حقوق الأطفال في كافة أنحاء العالم. وقد تثير مثل هذه المواقف الإعجاب، لكن يجب علينا دائما التحرك من أجل نصرة حقوق الأطفال المضطهدين في العالم.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع