مايو 4, 2024

كلنا شركاء: نيويورك تايمز- ترجمة ريما قداد- السوري الجديد

على امتداد الطريق في الشمال السوري، سقط صاروخ من السماء مصدراً صوتاً مخيفاً ليزيل معالم إحدى السيارات، ما أسفر عن مقتل أحد المسلحين الإسلاميين وخلّف حطاماً من المعدن الملتوي في بستان للزيتون.

وبعد مدة وجيزة، وصل إلى الموقع شخص نحيل أصلع وملتحٍ، وهو أمريكي من أصل إفريقي اعتنق الإسلام وكان يعمل في السابق فناناً كوميدياً.

وقد عرض “بلال عبد الكريم”، الذي جاء يحمل كاميرا فيديو وفي داخله غضب غير مباشر، شظايا لصاروخ قال أنه يعود لغارة أمريكية بطائرة دون طيار، مضيفاً أنها تسببت في نقل أطفال كانوا يلعبون في الجوار إلى المستشفى.

وقال: “إن البعض يعتقد أن هذه ليس فكرة جيدة”، متسائلاً ” هل كان السوريون سيواجهون  “حرباً مفتوحة”  طالما أن دولاً كالولايات المتحدة تستطيع أن تشرك رجالها فيها؟”.

وقد كان ذلك التقرير، من شهر يناير/ كانون الثاني، واحد من بين مئات التقارير التي قدمها السيد عبد الكريم من الداخل السوري في الأعوام الأخيرة، ما أسهم في شهرته ليكون صوتاً فريداً يغطي أخبار الحرب من المناطق التي يسيطر عليها الثوار، والتي كان صحفيون غربيون آخرون قد هربوا منها خوفاً من الاختطاف أو جز الاعناق من قبل الجهاديين.

وخلال عمله، أجرى عبد الكريم مقابلات مع مقاتلين أجانب من بريطانيا والمملكة العربية السعودية وأماكن أخرى. كما نجا من الحصار الذي فرضته القوات الحكومية على حلب الشرقية العام الماضي.

وعلى الرغم من انتقاده الشديد للجهاديين التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية، إلا أنه أجرى مقابلات مكثّفة مع أعضاء من الفصيل لسوري التابع لتنظيم القاعدة. وفي إحدى تلك المقابلات، يشرح رجل دين جهادي بارز من المملكة العربية السعودية لمَ يُعَدُّ انضمامه للجهاد في سوريا واجباً دينياً ويقول أن المقاتلين في سوريا هم “خط الدفاع الأول” ضد الشيعة.

وقد دفع هذا النوع من المقابلات النقادَ إلى وصف السيد عبد الكريم بالمروّج للجهاد.

وتقول الحكومة السورية، إلى جانب حلفائها الروس، أنه يمرح مع الإرهابيين. وعلى الرغم من عدم اتخاذ الولايات المتحدة موقفاً علنياً تجاه طبيعة عمله، يقول المحللون في شؤون الإرهاب أنه يقدم منصة ناطقة باللغة الإنكليزية، غير نقدية للجهاديين.

وقال “ألبيرتو إم فرنانديز”، مسؤول مكافحة إرهاب سابق ورفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية والذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس معهد الشرق الأوسط للأبحاث الإعلامية: “إنه النهج اللين، النهج المخادع والجذاب”.

وقد ساعد هذا في تعزيز استراتيجية الجبهة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، أي جبهة النصرة، تلك الاستراتيجية القائمة على الاندماج في حركة ثورية أوسع نطاقاً من خلال تغيير اسمها وإعلانها الانفصال عن تنظيم القاعدة والاندماج مع فصائل أخرى. وأضاف السيد فرنانديز أن هذه الخطوات لم تقنع الولايات المتحدة بأن تلك المجموعة قد تغيرت.

وقال، مضيفاً أن السيد عبد الكريم كان جزءاً من ذلك المسعى: “لكن بالنسبة للعالم الأوسع، وداخل سوريا على وسائل التواصل الاجتماعي، هناك محاولة لإعادة تصويرهم على أنهم جهاديين ودودين ولطفاء”.

لكن السيد عبد الكريم يختلف معه في ذلك.

وعندما تواصلت معه لأستفسر عن عمله، اقترح علي مازحاً أن أمر به لتناول العشاء في المكان الذي يعيش فيه شمال سوريا.

وفي سلسلة من المقابلات، قام بمناقشة طبيعة عمله وشرح لنا كيف تطوّر من طفل يرتاد الكنيسة في “ماونت فيرنون” إلى مراسل غير متوقع في حرب شرق أوسطية.

كما أصرّ على أنه صحفي مستقل لا ينتمي إلى أي جماعة مسلحة ويعارض العنف ضد المدنيين كما أنه لم يحمل أي سلاح قط.

وقد سألني وهو يضحك: “هل تعتقد أن الحرب بحاجة إلى شاب أسود بلا شعر على رأسه ليحمل سلاح كلاشينكوف؟”.

لكنه اعترف بأنه يتحدث إلى أعضاء من الفصائل الإسلامية السورية، ومن بينهم تنظيم القاعدة، ليقدّم للجمهور الغربي نافذة يتعرفون من خلالها إلى وجهات نظر أولئك.

وقال أن الغرب في كثير من الأحيان يرفض المقاتلين الإسلاميين ويصفونهم “بالإرهابيين”، دون حتى أن يعوا ما يحفزهم، وكذلك يفعل الإسلاميون الذين لا يفهمون سياسة الولايات المتحدة. وقال أن هذا بدوره يحبس الجانبين في معركة “خاسرة” غير منتهية، والتي يعتقد أنها لن تُحل سوى بالحوار.

وكان أيضاً قد أقر بأن مبادرة كهذه بعيدة المنال، لا سيما مع وجود الرئيس ترامب في البيت الأبيض؛ إذ دعا الرئيس ترامب إلى تصعيد الحرب ضد ما يسميه “الإرهاب الإسلامي المتطرف”، لذا يبدو أن الحوار مع الإسلاميين ليس بوارد.

وأضاف: “أستطيع أن أجري هذه المحادثات مع أعضاء من تنظيم القاعدة، وفي بعض الأحيان بإمكانك اقناعهم وفي أحيان أخرى لن تنجح في ذلك. إلا أنني أتساءل مدى الترحيب الذي سألقاه إذا تمشّيت في شوارع واشنطن وقلت: مرحباً أيها الرفاق، أودّ أن أتحدث معكم عن تنظيم القاعدة! أتساءل ما إذا كان سيُقدم لي كأس من الشاي مع السكر كالذي أحظى به هنا؟”.

وُلد السيد عبد الكريم في “داريل لامونت فيلبس” وربته والدته في “ماونت فيرنون”. ويظهر في إحدى صور الكتاب السنوي لمدرسته الثانوية لعام 1988، شاباً يرتدي بذلة رسمية بربطة عنق.

ويتحدث السيد عبد الكريم عن نفسه، فيقول أنه انتقل إلى نيويورك حيث انخرط في الموسيقا والمسرح والكوميديا قبل أن يهتدي إلى الإسلام، بعد أن انجذب إلى مفهومه عن الله وتأكيده على العيش النظيف.

قرر أن يدرس العربية، ليتمكن بذلك من قراءة الكتب الإسلامية بنفسه. ومن ثم سافر إلى السودان قبل أن يستقر في مصر، ليحصل هناك على وظيفة تقديم برنامج ديني باللغة الإنكليزية في إحدى المحطات الممولة سعودياً. غير أن خلافاً وقع بينه وبين إدارة القناة حول مدى اهتمامه في الشؤون الراهنة، ليستقيل بعده. وفي وقت لاحق، قام بإعداد الأفلام الوثائقية في ليبيا وراوندا وأماكن أخرى لصالح قناة إسلامية في بريطانيا.

وفي عام 2012، ذهب إلى سوريا ليوثق عمل المقاتلين الإسلاميين الذين يسيطرون على الأراضي، ومنذ ذلك الحين أصبحت سوريا بؤرة تركيزه. وفي وقت مبكر، تعاون مع وسائل إعلام غربية لإصدار تقارير عن المقاتلين الأجانب، إلا أنه شعر بأنهم لم يكونوا يريدون سوى “قصصاً عن أشخاص سيئين” تضفي طابعاً من الإثارة على عمل المقاتلين.

لذلك، قام إلى جانب بعض الأصدقاء بتأسيس شبكة “On The Ground News” لإنتاج مقاطع فيديو أصلية ومقالات عن سوريا ليقوم بتوزيعها عبر الفيسبوك وتويتر واليوتيوب. وأضاف أنه كان قد تلقّى بعض التمويل من أفراد متعاطفين امتنع عن ذكر أسمائهم.

وعبد الكريم، البالغ من العمر حالياً (46 عاماً)، متزوج ولديه 5 أطفال يعيشون مع والدتهم خارج سوريا. وقد رفض أن يذكر المكان خشية أن تتسبب علاقتهم به بمواجهتهم المتاعب مع السلطات.

وقال أنه، إلى جانب افتقاده لعائلته ولقدرته على التواصل مع الناس بالإنكليزية، قال أنه يفتقد “البيتزا الإيطالية من نيويورك”.

وكان عبد الكريم قد غطى جوانب مختلفة من الحرب، بما في ذلك المدنيين المصابين بجروح جراء الغارات الجوية، بالإضافة إلى تغطيته للدمار الذي أحدثته الهجمات الصاروخية وعرضه لآراء المقاتلين بالقرب من الخطوط الأمامية في كثير من الأحيان.

وما دفعه إلى عمله هو رأيه بأن المعركة ضد حكومة بشار الأسد هي قضية إسلامية عادلة ضد ظالم غاشم، وأنها غضب عارم لم يقدم العالم الكثير للمساعدة في وقفه.

وقال في ذلك: “إنها حرب طائفية، ولا يجب أن تسمح لأحد بأن يقول أنها ليست كذلك. وفي حال قال أحدهم العكس، فإما أنه لا يعرف أو أنه يكذب”.

وقد برزت شخصية عبد الكريم على نحو كبير العام الماضي عندما علق في الحصار الذي فرضته القوات الحكومية على حلب الشرقية، ليقوم برفع البرقيات بصورة شبه يومية حول الوضع الإنساني المتدهور.

وفي أحد التقارير، يظهر واقفاً في حي مدَّمر مشيراً إلى القنابل التي تتساقط من الأعلى تحت مظلات بيضاء. بينما يصور نفسه في تقرير آخر وهو ينظف أسنانه ليرينا كيف تسيطر أصوات الحرب على الحياة اليومية.

ويعلق على ذلك بقوله: تنهض لتنظف أسنانك، فيندلع القتال. هذا أمر عادي”.

ومع اشتداد الحصار وتقدّم القوات الحكومية، نشر مقطع فيديو قال بأنه قد يكون الأخير، هاجم فيه قادة المسلمين الذين أخفقوا في مساعدة الثوار.

قال فيه: “أنتم من فجّر الصراع، وقد كانت لديكم فرصة ذهبية”.

لكنه نجا، وصوّر مقطع فيديو يظهر مقاتلاً ملثماً يرتدي حزاماً ناسفاً قبل ان يختبئ خلف شاحنة تعود لعائلة سورية تتهيأ لمغادرة المدينة.

ويقول في أحد مقاطع الفيديو، بينما يحتفل وزملاؤه وهم يأكلون الفواكه والخضراوات الطازجة لأول مرة منذ شهور: “لقد وصلنا، لقد خرجنا، خرجنا!”.

ويعبّر عن سعادته في تناوله الفاكهة بقوله: “يا للروعة، إنه التفاح”.

وما يزال عبد الكريم، منذ ذلك الحين، في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة الثوار في الشمال السوري، التي يأمل أن يشجّع عمله فيها على إجراء حوار بين المتشددين الإسلاميين والولايات المتحدة.

وقال في ذلك: “إذا قرر الجانبان أن السبيل الوحيد للمضي قدماً هي شن الغارات على بعضهما البعض، سيكون ذلك قرارهما. ولكن كأساً لذيذاً من الشاي وبعض الحوار لن يضر أحداً”.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك