مايو 6, 2024

كلنا شركاء: Sueddeutsche Zeitung- ترجمة هافينغتون بوست عربي

كتب سوري يقيم بألمانيا مقالةً حول عزوف اللاجئين العرب عن قراءة الكتب وانشغالهم بالتواصل مع مقربيهم بواسطة التليفونات الذكية.

ويقول الكاتب Yahya Alaous في مقالة نشرتها صحيفة Sueddeutsche Zeitung، إن العرب يدركون تماماً أهمية القراءة، لكنهم لا يقوم بذلك في الحقيقة.

نص المقال

بشوارع برلين، فوجئت في العديد من المرات بهذه الأكشاك الصغيرة، وهي عبارة عن رفوف أو صناديق لهواتف عمومية قديمة قد تحولت إلى مكتبات صغيرة مليئة بالكتب. في البداية، لم أفهم كيف أتعامل مع هذه المسألة، وتساءلت عما إذا كان بمقدوري أن أشتري كتباً باللغتين الإنكليزية والعربية. ثم فجأةً شاهدت فتاة جاءت إلى نقطة القراءة تلك، ووضعت كتابين بداخل الخزانة وعادت لتركب سيارتها وتواصل طريقها.

في تلك اللحظة، أدركت أن هذا الكشك هو في الواقع عبارة عن مكتبة صغيرة، يقوم من خلالها الأشخاص بإقراض الكتب بعضهم لبعض دون مقابل، أي إنه ببساطة، مكان يستطيع فيه الأشخاص تسليم الكتب التي أنهوا قراءتها، بهدف منح الآخرين فرصة الاستمتاع بها أيضاً.

طوال حياتي، كنت دائماً أسمع شعارات مثل “القراءة للجميع”، ولكن فقط ومن خلال هذه المكتبات العمومية الموجودة في الشوارع، اقتنعت بأن هذا الشعار يمكن تطبيقه عملياً على أرض الواقع.

وفي يوم من الأيام، حين وقفت أشاهد الناس يدخلون إلى هذه المكتبة الصغيرة ويخرجون منها، تذكرت فجأةً الحنفيات العمومية الموجودة في الأحياء القديمة بدمشق. ففي أيام الحر الشديد، كنا نأتي إليها لشرب الماء، ويقوم كل شخص بعد الانتهاء من ذلك، بتعليق الكأس حتى يأتي شخص آخر ليروي عطشه.

في الحقيقة، مثّل مشهد هذه المكتبات فرصة جميلة لأتذكر وطني الأم، واسترجاع ذكرى تلك الحنفيات التي تعكس صورة جميلة وسط الدمار والحزن الذي يخيم على دمشق.

في الواقع، تربطنا -نحن العرب- علاقة خاصة بالقراءة شبيهة تماماً بعلاقة الأوروبيين برياضة التزلج على الجليد، وأعتقد أن هذا ليس سراً؛ إذ إننا ندرك تماماً أهمية القراءة، ولكننا لا نمارسها في الحقيقة. فهل تتذكر كم مرةً شاهدت فيها لاجئاً من دولة عربية يحمل كتاباً بين يديه؟ في القطارات والحافلات التي دائماً ما أستعملها، عادة ما أشاهد فقط الألمان والأوروبيين يغرقون في التهام الكتب.

في المقابل، ينشغل اللاجئون أغلب الأحيان بهواتفهم الذكية، حيث يستغرقون في المحادثات الشخصية والألعاب وتطبيقات الموسيقى. بالطبع، أنا لست بصدد توجيه النقد لهم. في الوقت ذاته، أنا لا أفهم موقف بعض الأوربيين، الذين لا يزالون يستعملون هواتف قديمة، والذين عادة ما يستغربون امتلاك هؤلاء اللاجئين، الذين خسروا كل شيء وتعرضت بلادهم للتدمير، وسائل تواصل حديثة.

في حقيقة الأمر، تعتبر هذه الهواتف الذكية أفضل وسيلة بالنسبة لهؤلاء اللاجئين حتى يتواصلوا مع عائلاتهم، وهي أداة مهمة لتبادل الرسائل وحفظ المعلومات بذاكرة التخزين. ولكنني، في الوقت ذاته، أريد أن أنتقد أبناء وبنات بلدي من اللاجئين السوريين؛ لأنهم لا يولون القراءة أي أهمية، وأتمنى أن تصلهم رسالتي. حاوِلوا استعمال هواتفكم الذكية، ليس فقط للمحادثات واللهو؛ بل أيضاً لقراءة الكتب الإلكترونية.

من جهة أخرى، من السهل فهْم سبب إقبال الألمان على القراءة، وخاصة في وسائل النقل العمومي، حيث يرغب الكثيرون منهم في استغلال كل ثانية يستغرقونها في الطريق نحو العمل، في تصفح بعض الجرائد أو الكتب. على العموم، لا يقدر كثيرون من أصدقائي الألمان على تخيل حقائبهم من دون أن تحتوي على شيء يصلح للقراءة، تماماً كما هو الحال بالنسبة لبعض اللاجئين الذين لا يمكنهم تخيل حياتهم دون سجائر.

غالباً، يتلهى الألمان بقراءة الكتب حال دخولهم إلى قطار الأنفاق حتى لو كانت المسافة محطتين أو ثلاثاً فقط، في حين أن العديد من اللاجئين، يمضون ساعات في النقل العمومي ولا يفعلون شيئاً باستثناء الحديث مع أصدقائهم عن طريق تطبيقات الهواتف الذكية.

الإحساس بالرضا الذي يرافق نشاط القراءة
في البداية، عندما ذهبت لحصص تعلًّم اللغة والإدماج، كنت أرى بشكل يومي فتاة ألمانية منهمكة تماماً في قراءة كتابها، حتى إنني شعرت بأنها في عالم آخر. ونظراً لأنني كنت طالباً محباً للاطلاع، وشغوفاً بتعلم كلمات جديدة، ألقيت نظرة على غلاف كتاب، وكان عنوانه “انتصار الأقزام”. وقد شدني هذا العنوان فأردت أن أعرف موضوع الكتاب، فشعرت بشكل ما كما لو أنني أقرأ الكتاب معها.

وقبل أيام قليلة من انتهاء دروس اللغة التي كنت أحضرها، علمت من خلال متابعتي لها أنها وصلت لآخر صفحات هذا الكتاب، ثم بعد إنهائه جلست أمامي وأخرجت كتاباً آخر من جيبها بينما أصابتني حالة من الدهشة التامة، وكم تمنيت أن أعرف كيف لها أن تمر لقراءة كتاب آخر بهذه السلاسة! ثم فكرت بيني وبين نفسي في الشعور الرائع بالرضا والإشباع الذي قد يترافق مع إنهاء كتاب. في الحقيقة، قد ينبع هذا الشعور الجميل من محتوى الكتاب نفسه، ومن حالة الشغف والتطلع إلى الكتاب القادم، الذي سيتوجب على الشخص اختياره وقراءته.

وبالعودة إلى المكتبات العمومية، أشعر بالحماسة الشديدة تجاه هذه الفكرة، وأحلم بنقل هذا النموذج الرائع إلى شوارع دمشق؛ إذ إنه وبجانب كل حنفية عمومية يجب أن تتاح للناس الفرصة لأخذ كتاب جديد أيضاً.

وإلى أن يحين موعد تحقيق هذا الحلم، يجب عليّ أن أحتفظ جيداً بكتبي العربية الثلاثين؛ لأنها مهمة جداً بالنسبة لي؛ إذ إنني أحضرتها معي من دمشق إلى بيروت، ولكنني اضطررت إلى تركها هناك عند المغادرة. ولكن، أحضرت صديقتي العزيزة جوليا هذه الكتب الثقيلة جداً معها في رحلتها إلى برلين. وعند الانتهاء من قراءتها، سوف أقوم بوضعها في واحد من هذه الأكشاك العمومية بشوارع برلين، وأنا منذ الآن أتطلع شوقاً للقيام بذلك، مهما كانت هذه الكتب غالية بالنسبة لي.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك