أبريل 25, 2024

آرون لوند – مركز كارنيغي للسلام الدولي
يتحول المشهد بشكل سريع في شمال سوريا، حيث كشف التدخل عسكري التركي القائم تغيير الرئيس رجب طيب أردوغان لأولويات ونتائج اللعبة نتيجة للتغيرات الدبلوماسية الإقليمية السريعة. في صباح يوم 24 آب/ أغسطس، عبرت دبابات تركية الحدود لدعم هجوم شنه مئات من الثوار السوريين ضد تنظيم الدولة (داعش). وأطلع مسؤولون في واشنطن الصحافة أنه تم دعم قوات الثوار السوريين والقوات التركية أيضًا من مستشارين أمريكيين وطائرات استطلاع وغارات جوية أمريكية.
كان هدف التدخل هو السيطرة على جرابلس، وهي بلدة حدودية في شمال سوريا يسيطر عليها تنظيم الدولة بهدف التهريب والتجارة. لفترة طويلة، كان إغلاق فجوة جرابلس على رأس أولويات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش، ولكن كانت المنطقة أيضًا في مرمى مطامع الجماعات الكردية السورية المعادية لأنقرة؛ كجزء من مشروعهم في بناء وطن في شمال سوريا، التي يشيرون لها على أنها كردستان سوريا.
أطلع مصدر عسكري تركي رويترز على أن “الهدف من العملية هو ضمان أمن الحدود ووحدة تراب سوريا، ودعم قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش”. ولكن نظرًا للأولوية الموضوعة من قبل المسؤولين الأتراك حول القضية الكردية، في الواقع قد تكون الكلمات الرئيسية هنا السلامة الإقليمية – ويبدو الضغط من أجل جرابلس مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالتحرك السريع لتركيا ولكن من خلال الدبلوماسية الإقليمية السرية.
مشكلة سوريا بالنسبة لتركيا
لاعب أساسي في تحالف الدول والثوار الذين يسعون للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، تلعب تركيا منذ فترة طويلة بفكرة التدخل في سوريا. حيث صادق البرلمان في أنقرة على غارات عبر الحدود منذ عام 2012. في العام الماضي، سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لكسب دعم الولايات المتحدة لـ “منطقة آمنة” في المناطق الواقعة شمالي حلب، بما في ذلك جرابلس؛ لمنع تجاوزات أعدائه الكرد. ولكن بدا الاتفاق المبدئي يتعثر حول خلافات وقضايا مختلفة. كما عقد الأمور التدخل الروسي في سوريا في أيلول/ سبتمبر 2015.
في ربيع هذا العام، بدأ أردوغان بتعديل السياسة الخارجية التركية هربًا من تزايد العزلة الدولية. ومنذ ذلك الحين تم إصلاح العلاقات مع إسرائيل وروسيا، ويبدو أن منظور تركيا قد تحول قليلا بشأن سوريا أيضًا، مركّزًا أكثر على قضايا النفوذ الكردي، وتسلل الجهاديين، وأمن الحدود.
تبدو القضية الكردية الآن في صدارة قائمة أولويات أردوغان في سوريا. على مدى السنوات القليلة الماضية، سيطرت الفصائل الكردية السورية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني (PKK) – التي تخوض حربًا لعقود طويلة ضد الحكومة في تركيا – على أجزاء واسعة من شمال سوريا. وقد استفاد الأكراد من اتفاق عدم اعتداء حذر (ومتعثر حاليًا) مع حكومة الأسد، فضلًا عن تاريخ من العلاقات القوية مع روسيا وإيران. ولكن السبب الأهم في قوته هو دعم الولايات المتحدة القوي الممنوح للميليشيات الكردية، التي تعمل تحت غطاء تحالف معروف باسم القوى الديمقراطية السورية. إن دخول الولايات المتحدة الحرب السورية باعتبارها القوة الجوية للجيش الكردي قد يضفي معنىً استراتيجيًا جيدًا في حرب واشنطن ضد داعش، ولكن احتمال وجود دويلة حزب العمال الكردستاني الممول بالنفط والمدعوم من الولايات المتحدة على الحدودها الجنوبية لأنقرة هو كابوس لها، فقد وصف نائب لرئيس الوزراء نعمان كورتولموش سياسة أنقرة في سوريا بأنها: “مصدرٌ للكثير من المعاناة لتركيا اليوم.”
في كل الأحوال، من الصعب قراءة التصريحات التركية بشان سوريا، ويبدو أنها تختلف نوعًا ما في الحدة من مسؤول إلى آخر. بينما قال وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو أنه لا يمكن لبشار الأسد أن يلعب دورًا في أي عملية انتقالية سورية، أفاد رئيس الوزراء بن علي يلدريم بتصريحات تشير إلى وجود موقف أكثر مرونة، وقال مؤخرًا إنه يمكن للرئيس السوري أن يشارك في “محادثات من أجل الانتقال”، على الرغم من أنه يجب أن يترك السلطة “على المدى الطويل”. وبالإشارة إلى الأهمية التي توليها تركيا للمسألة الكردية، قال يلدريم أيضًا إن تركيا ستلعب “دورًا أكثر فاعلية” في الأشهر الستة المقبلة لمنع سوريا من أن تكون “مقسمة على أسس عرقية”. وفي 18 آب/ أغسطس، أكد يلدريم أن شرط “العودة لتسهيل الإبحار في سوريا هو الحفاظ على السلامة الإقليمية لسوريا”، وألمح إلى أنه “يمكن أن يتم اختبار تطور جدير بالذكر في هذا السياق في الأشهر المقبلة”. ربما هذا هو ما نراه الآن يحدث في جرابلس؟
التأثيرات الداخلية والخارجية على سياسة أنقرة في سوريا
في نواح كثيرة، يبدو سعي تركيا لنفوذ وشراكات جديدة في سوريا هو نتاج لتغييرات داخلية وإعادة تقييم واقعية من جانب أردوغان. قال هارون شتاين، وهو زميل كبير في الأتلانتك كاونسيل مؤخرًا في “سوريا في أزمة”: “إنه مؤشر لاتجاه أوسع في صنع القرار التركي منذ أن أُجبِرَ وزير الخارجية السابق في تركيا ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو على ترك السلطة في شهر أيار/ مايو هذا العام. لقد بدأ التواصل مع جيران تركيا للهروب من العزلة الدولية قبل ذلك، ولكن استقالة داود أوغلو منحت الفضاء السياسي المحلي اللازم لوضع اللمسات الأخيرة لتغيرات في طور التكوين.”
تسعى أيضًا جهات خارجية للتأثير على تفكير أنقرة في سوريا. فقد سعت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة لتحسين التعاون التركي ضد داعش، لكنها سعت لإبعاد معارضة أنقرة للأكراد في سوريا. كما وترت محاولة الانقلاب ضد أردوغان في 15 تموز/ يوليو هذا العام العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا. بعد استئناف علاقاتها الخاصة مع أنقرة، سعت الحكومة الروسية لاستغلال هذه التوترات لسحب تركيا بعيدًا عن المعسكر المناهض للأسد. ولدى آخرين أيضًا جدول الأعمال نفسه، فقد سعت كل من الجزائر وإيران للتوسط بين أردوغان والأسد. كما رحب الأتراك بالمشاركة الروسية-الإيرانية، سواء لكسب النفوذ على حساب واشنطن أو لتحقيق مصالح مشتركة حتى في ظل عدم وجود اتفاق حول مستقبل بشار الأسد.
وقال وزير الخارجية تشاووش أوغلو الأسبوع الماضي: قلنا مرارًا وتكرارًا، ونواصل الإصرار على هذا: حتى في فترة الأزمة في علاقاتنا، إنه سيكون من المستحيل تحقيق حل دائم في سوريا من دون مشاركة روسيا. ويمكن أن يقال نفس الشيء عن إيران، التي نتفاوض معها في الوقت الراهن، وكذلك نهدف إلى تعزيز التعاون في هذا المجال.”
في الواقع، بعد اجتماع في أنقرة مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، قال مولود تشاووش أوغلو: اتفقت الدولتان على “الحفاظ على اتصال أوثق” بشأن مسألة “وحدة الأراضي السورية”. وحرصًا على تحقيق الاستفادة القصوى من هذه التفاهمات وتشجيع تركيا للابتعاد عن المعارضة السورية، تحدث علي أكبر ولايتي – مستشار مؤثر للزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي – عن تعاون إيراني-روسي-تركي في محاربة “الإرهاب” في سوريا. وقالت مصادر تركية للصحافة السعودية إن إيران ساعدت في إعادة تشكيل اتصال بين دمشق وأنقرة، الأمر الذي يكرر مزاعم غير مؤكدة في صحيفة لبنانية صديقة للأسد بأن مسؤولين رفيعي المستوى في المخابرات التركية زاروا دمشق مؤخرًا.
ومن المثير للفضول، أن هذه الدبلوماسية سريعة الخطى قد لعبت على خلفية اشتباكات نادرة بين حكومة بشار الأسد والأكراد السوريين في مدينة الحسكة في شرق سوريا. انتهى الاقتتال عبر وقف لإطلاق النار بشروط سيئة للحكومة. في حين تستغل دمشق هذه المسألة لإرسال إشارات خفية إلى أنقرة حول حزب العمال الكردستاني كونه يشكل تهديدًا مشتركًا لكلا الطرفين، وأيضًا ألقى الأكراد اللوم على الأسد لتعاونه مع تركيا من خلال مساعي إيران الحميدة.
هل أشعلت منبج التدخل؟
تم إشعال التدخل التركي بسبب خلاف على السماح للأكراد بالمضي قدمًا في منطقة حلب.
في جهودها لاسترضاء تركيا، وافقت الولايات المتحدة العام الماضي على أنها ستمنع قوات سوريا الديمقراطية من التحرك عبر نهر الفرات في منطقة حلب، حيث تقع جرابلس. ذلك سيكون خطًا أحمرًا مضمونًا من الولايات المتحدة، في مقابل تعاون تركيا بشأن مسألة داعش.
في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، فعلت قوات سوريا الديمقراطية تمامًا ذلك، الاستيلاء على جيب صغير من الأراضي غرب سد تشرين. أطلقت أنقرة بعض التهديدات، ولكن على الأقل يبدو ظاهريًا أنها قبلت بما قالته الولايات المتحدة بأن العملية استندت إلى مكونات غير كردية من قوات سوريا الديمقراطية، وأنه من شأن وزارة الدفاع الأمريكية أن تكبح جماح الأكراد من التقدم أبعد من ذلك. ثم، في شهر مايو، توسع جيب سد تشرين فجأة نحو الغرب عندما ابتلعت قوات سوريا الديمقراطية مركز داعش الإقليمي في منبج. بعد حصار لمدة شهرين، سقطت المدينة في منتصف أغسطس/ آب. وذكر كل من الأتراك والأمريكيون بعد ذلك أن الأكراد في قوات سوريا الديمقراطية قد وعدوا بالانسحاب بعد المعركة وأنهم سيتركون المدينة تحت سيطرة الفصائل الأصغر حجما ومعظمها من العرب (ليسوا من حزب العمال الكردستاني). وقال وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو يوم 15 آب: “إننا نتوقع منهم الالتزام بوعدهم”.
بدلًا من ذلك قرر قادة أكراد سوريون الاحتفال بسقوط منبج بإطلاق بسلسلة من التصريحات الجريئة عن الاستمرار في السيطرة على المنطقة المحيطة بها، الخطوط الحمراء التركية تكون ملعونة. وفقًا لادعاءات تركية، قامت بعض الوحدات من قوات سوريا الديمقراطية أيضًا بالاندفاع شمالًا نحو جرابلس والمنطقة الحدودية، ووفقًا لمسؤولين أمريكيين، فإن هذا هو ما تسبب في التدخل التركي. وقال مسؤول كبير في الحكومة الأمريكية لواشنطن بوست: “أصبح الأتراك قلقين”. ولمنع الفصائل الكردية المنحازة لحزب العمال الكردستاني من قوات سوريا الديمقراطية من “فك شيفرة الحدود”، قررت أنقرة توجيه ضربة استباقية على جرابلس قبل إمكانية وصول أعدائها الكرد إلى هناك أو تأمين سيطرتهم على المنطقة على نطاق أوسع. في الواقع، ودفاعًا عن التدخل التركي، أشار مولود تشاووش أوغلو مباشرة للاتفاق الأمريكي-التركي-الكردي بشأن منبج، الذي اتهم الأكراد السوريين بانتهاكه الآن.
اللعبة الدبلوماسية: من هو داخلها ومن هو خارجها؟
فيما يتعلق بقضية الأكراد السوريين المتجاوزين حدودهم، اكتسبت تركيا بالفعل دعم الولايات المتحدة، سواء كان ذلك قرارًا مرتجلًا للحفاظ على النفوذ مع أنقرة أم لا. حيث تزامن التدخل مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أنقرة، مرددًا الخط التركي، سارع بايدن بالمطالبة بتراجع الجماعات الكردية “يجب أن تتراجع عبر نهر الفرات”، موضحًا أنه “لا يمكنهم– لن يمكنهم – الحصول تحت أي ظرف على الدعم الأمريكي إذا لم يحافظوا على هذا الالتزام”.
تبدو مثل هذه التصريحات العامة والقوية للولايات المتحدة مضمونة تقريبًا لجعل مخططات حزب العمال الكردستاني في المنطقة الحدودية لا يمكن الدفاع عنها، عندما يعتمد الأكراد اعتمادًا كبيرًا على الدعم الجوي الأمريكي. مرارتهم تبدو واضحة في تعهد قائد كردي سوري بارز بأن تركيا ستقع في “مستنقع”. وقال زعيم كردي آخر إن القرار سيكون وفقًا لقوات سوريا الديمقراطية، حيث الأكراد أنفسهم هم الفصيل المهيمن بأغلبية ساحقة – من الممكن أن يكون ذلك وسيلة لحفظ ماء الوجه لتشتيت المسؤولية بشأن قرار الانسحاب.
وليس أقل إثارة للاهتمام أن نلاحظ ردود فعل صامتة من موسكو وطهران. وبينما ردت حكومة الأسد في دمشق بغضب ونددت بالتدخل على أنه “انتهاك صارخ لسيادتها”، أخذت موسكو موقفًا أكثر حذرًا. وقال مصدر حكومي لوكالة أنباء تاس التابعة للدولة: “إن إجراءات مكافحة الإرهاب في سورية مهمة الآن كما لم يحدث من قبل، وكذلك في منطقة الحدود السورية التركية”. وأضاف المصدر: “التعاون مع دمشق عامل مهم من أجل الفعالية”. ثم أعلنت وزارة الخارجية الروسية في موسكو نفسها بأنها “تشعر بقلق عميق إزاء الأحداث الجارية في منطقة الحدود السورية التركية”، محذرةً من “التناقضات العرقية المتزايدة بين الأكراد والعرب”، لكنها لم تطلب انسحاب القوات التركية. وفي الوقت نفسه، حتى الآن على ما يبدو حافظت وسائل الإعلام والمسؤولون الإيرانيون على الصمت المدروس بشأن استحقاقات التحرك التركي، على الرغم من اهتمامهم بهذه القضية.
وبالنسبة للقيادة الكردية في سوريا، الأمور واضحة: لقد تم التوصل إلى اتفاق سري بين الحكومات في أنقرة ودمشق وطهران. في الواقع، تبدو تركيا على ثقة من أن تدخلها لن يكون متعارضًا بشكل حاد مع حلفاء الأسد. وعلى الرغم من أن روسيا قد أعربت عن “قلقها” من الصعب أن نتصور أن تركيا، كعضو يضم مقرًا لأحد مستودعات حلف شمال الأطلسي يحوي ترسانة نووية أمريكية، أن تأمر جيشها بالدخول إلى بلد تحرسها القوات الجوية الروسية دون وجود نوع من الاتفاق على كيفية التعامل مع الوضع وإذا كان الأمر كذلك، أما كان ينبغي إبلاغ الولايات المتحدة أيضا؟
من شبه المؤكد أن تدخل جرابلس سبقه نوعٌ من التفاهم بين تركيا وجهة أخرى، أو على الأرجح عدة جهات فاعلة أخرى في الحرب. ما الذي تبقى معرفته هو كيف سار التخطيط، وكيف حافظت العديد من الدول والفصائل على سرية التدخل، وإلى أي مدى سيقبل اللاعبون الرئيسيون الآخرون تقدم تركيا والمجموعات المدعومة من تركيا، وما إذا كان هناك بعدٌ سياسي أعمق للتدخل التركي. هل وافق أردوغان على امتيازات تجارية مع الأسد أو إيران أو روسيا، أو مع الولايات المتحدة، في مقابل الحصول على إذن لإعادة ترتيب المشهد شمال حلب؟
لعبة غريبة من الكراسي الموسيقية الآن في شمال سوريا، يبدو فيها الأكراد حاليًا دون مقعد، تلك اللعبة هي نموذجية لحالة الحرب السورية اليوم. فبينما تتنافس الفصائل من أجل النفوذ، تتلاشى الأسباب الأصلية للصراع ببطء، وتصبح الصفقات الانتهازية النظام الجديد، بين المناهضين للحكومة وأنصارها على أرض الواقع، وكذلك بين العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية في الحرب. وبينما يبدأ تنظيم داعش بالانهيار ببطء ويفقد قبضته على شمال وشرق سوريا، تستعد جميع الأطراف إلى التحرك واستثمار الثغرات الجديدة، أو على الأقل حرمان أعدائهم منها.
بدأت بشكل واضح الآن حرب التموضع في منطقة جرابلس-منبج. حيث سيخوضها السوريون والأجانب في ساحة المعركة وفي قاعات المؤتمرات – ولن تنتهي في أي وقت قريب.



المصدر: مركز كارنيغي: بعد الدبلوماسية الغامضة، تركيا تتدخل في سوريا

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك