أبريل 29, 2024

ماسه الموصلي: كلنا شركاء
ما للهوية : يولد الإنسان محملاً بهوية ثابتة لم يخترها بنفسه بل هي بضعة تفاصيل اقترنت به. هذه التفاصيل هي بطاقة تعريف له تتكون من اسمه ومكان ولادته وتاريخ الولادة واسم الأب وأسم الأم ولا خيار له بها، وهي تبقى ملازمة له مدى العمر أينما ارتحل وسكن حتى آخر منزل له في ” القبر ” فيكتب على شاهدته هنا يرقد فلان ابن فلان والدته فلانة ومولوداً سنة كذا.
ولا يمكن لأي إنسان أن يحصل على بطاقة هوية أخرى غير التي ولد عليها لأي مكان آخر يختار أن ينتمي له إلا على أساس تلك المعلومات الواردة في هويته الجذر الثابت والتي لم يقم باختيارها . وعليه فالثابت في هوية الفرد لا يمكن له خلال حياته أن يُغير أي تفصيل به ولكن يمكن خلال مشواره أن يضيف على هذا الثابت تفاصيلاً أخرى كثيرة هي متحركة تتبع حركة جسده.
هذه الحركة التي يقوم بها بإرادته المطلقة وبقراره الشخصي، وهي أيضاً تتأثر بالظرف البيئي المحيط به . تلك التفاصيل المختارة هي هويات متعددة ومخصصة بآن كالهوية المهنية العلمية للطبيب أو الصحفي أو المهندس أو المحامي أو العاطل عن العمل .. إلخ . وكالهوية السياسية التي منها الحزبية النخبوية كالقومي والشيوعي وغيرها من الهويات الأيديولوجية وهذه الهوية توصف بالنخبوية لأنها خاصة وتولد ضمن واقع سياسي اجتماعي معين لدى نخب في المجتمع فلا تمثل حالة عامة وهي قابلة للتغير . ومنها الهوية التي يصح أن نسميها العامة والتي يفرضها ويمليها واقع سياسي واجتماعي وثقافي واقتصادي ومثالها الهويات الاثنية والطائفية والمذهبية.
ونقول عنها عامة لأنها تمثل قوة في المجتمعات المتعددة وحصراً في المجتمعات التي لا تتبع الدولة فيها النهج الديموقراطي حيث تنمو مثل هذه الهويات لإثبات وجودها وتبقى قلقة وتحدث شغباً وقلاقل ضمن نسيج الدولة السياسي حتى تحصل على الاعتراف بكينونتها. بينما في الدول التي تتبع نهجاً ديموقراطياً نجد أن هذه كل هذه الهويات العامة يمكن تماماً أن تنتظم ضمن الهوية الأعلى هوية الدولة. فمثلاً الهند دولة قوية وهي جمهورية فيدرالية برلمانية فإذا تواجدنا مع أي إنسان هندي وسألناه عن هويته نجد أن جوابه الحاضر فوراً أنا هندي دون أن يضع في الاعتبار الأول لا الإقليم الجغرافي الذي خلق به ولا الاثنية التي ينتمي لها ولا الديانة ولا اللغة الأصل اللذين ولد عليهما .
مثال آخر آتٍ من الدول المتكونة حديثاً والتي نطلق عليها مسمى العالم الجديد كالولايات المتحدة الأمريكية وهي التي تعتبر الدولة الأقوى في عالمنا اليوم ، جمهورية دستورية رئاسية فيدرالية يعيش بها إضافة لسكانها الأصليين مهاجرين من كل دول العالم ينتمون لأجناس وأعراق وأصول و إثنيات ومذاهب ولغات مختلفة وهم ضمن الولايات التي يقطنوا فيها يحافظون على هويتهم الوجدانية ضمن عادات وتقاليد يقومون بممارستها بشكل طبيعي ولكن في حال تواجدنا مع أي إنسان أت من الولايات المتحدة الأمريكية وسألناه عن هويته لوضع في الاعتبار الأول عند الرد قائلاً : أنا أمريكي .
في المقابل لو توجهنا إلى ما سمي بالقرن العشرين بالوطن العربي على اعتبارات أساسها القومية واللغة وتأملنا في فسيفسائه نجد أنه لم ينصهر وينضم فعلياً في هذا المكون الوهمي الكبير المحدد جغرافياً وبقي كل مكون ضمنه يبحث عن إثبات كينونته وينتهز الفرصة لإبرازها . وعليه فإن الدولة القوية المبينة على دستور ديموقراطي هي قادرة على امتصاص الهوية الإنسانية الوجدانية ضمن نطاقها القانوني بينما الدول التي لا تعتمد النهج الديموقراطي في سياستها الداخلية لا يمكنها أبداً أن تسيطر على الهوية الوجدانية العاطفية وستبقى مهما طال الزمن بها قائمة على بركان يمكن أن ينفجر في أي لحظة يجد له خلالها منفذاً .



المصدر: ماسه الموصلي: ما الهوية؟

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك