أبريل 26, 2024

التربة التي أنتجت اللجنة :

كان خطاب القسم في تموز عام 2000 – الذي رافق انتقال السلطة من الأسد الأب الى الأسد الابن – بمثابة حجر في مستنقع السياسة السورية, فقد راهن الكثيرون على أن العهد الجديد يحمل مشروعا تغييريا , والسلطة الجديدة لا تحمل وزر سابقتها , ولقد رأى هؤلاء أن ربيعا سياسيا يلوح في الأفق , تيمنا بربيع براغ, تلك الأجواء أدّت الى انتشار المنتديات في كل إنحاء سوريا, حمل لواءها معتقلون سابقون ومثقفون, وقد برز صوتان جديدان واضحان بينهم يقولان : 

الديمقراطية معطى انساني لكل الطبقات وليس للطبقات الشعبية فقط .

 ان الاستبداد اخطر على شعبنا من الأمبريالية .

 كان منتدى الحوار الثقافي في اللاذقية أحد تجليات ذلك الحوار والذي مارس نشاطه على قاعدة  احترام الرأي والرأي الآخر , لكن نقطة ضعفه كمنت في كون غالبية المشاركين فيه كانوا من خلفية سياسية يسارية ومن طائفة واحدة, إضافة الى غياب المرأة وأبناء المدينة الأصلية عنه . رغم كل ذلك  جّسد المنتدى بحق تطلعات حقيقية باتجاه تجاوز سوريا لنظامها الاستبدادي والانتقال الى فضاء الديمقراطية.

ترافق ذلك مع نشاط سياسي غطى الساحة السورية وقد ظهر في تلك الفترة بيان ال99 وبيان الألف, لكن هذا الحلم وُئٍد في عامه الأول بسبب قرار السلطة اغلاق المنتديات وزج بعض نشطائها في السجون وملاحقة ومضايقة البعض الآخر والتضييق عليهم وعلى عائلاتهم .

أغلق النظام جميع المنتديات بالقوة , ولكن تلك الفترة أزهرت زهرة يانعة هي اعلان دمشق, فقد ظهر في عام  2005 كنتاج حوارات بين أطراف سياسية ومستقلة ليقدم رؤيته لسوريا المستقبل وقد برز فيه اتجاهان

الأول يُصر على أن مشروع التغيير يجب أن يرتكز على محاربة الأمبريالية والصهيونية .

الثاني : يحمل مشروعه التغييري طابعا لبراليا يجعل الأولوية للتخلص من الاستبداد اولا , وعلى أرضية اصلاحية يتم فيها الانتقال السلمي والهادئ والمتدرج الى دولة الحق والقانون ولايستثني احد ممن يرغب بذلك حتى لو كان من أهل النظام .

ظهر التباين بين الاتجاهين جليا في المجلس الوطني الأول للإعلان أواخر عام 2007 والذي انتهى بخروج الاتجاه الأول منه, تلا ذلك الخروج حملة شعواء من النظام انتهت بسجن قادته ومحاكمتهم بتهمة وهن نفسية الامة, والتضييق على أفراد الإعلان ومناصريه بكافة الأشكال بما فيها تجويع عائلاتهم .

 كان طبيعيا أن تتشكل لجنة اعلان دمشق في اللاذقية من أنصار التيار الثاني بعد ان انسحب من الاعلان أنصار التيار الأول وهم الأكثر عددا وعدة في اللاذقية . طيلة تلك الفترة التي سبقت الثورة السورية كانت اللجنة منسجمة مع الاعلان وقيادته , وكانت تحاول جاهدة نشر خطه في اللاذقية رغم مضايقات الأمن لها.

 الاعلان واللجنة والثورة:

وقف الاعلان منذ لحظة الثورة الأولى الى جانب مطالبها الاصلاحية في الحرية والكرامة, في حين شكّل قسم آخر من المعارضة ما يسمى هيئة التنسيق التي عقدت مؤتمرها في الحلبوني وانبثق عنها اللاءات الثلاثة التي تتناغم مع خطاب النظام , وعندما استفحل قمع النظام للمتظاهرين وما رافق ذلك من انشقاقات في الجيش تطّورت مطالب الثوار الى اسقاط النظام بكافة إشكاله ورموزه .

لم يكن أمام الاعلان خيار آخر وهو تبني شعارات الثورة باسقاط النظام بكل رموزه وأدواته  وخاصة عندما برزت معطيات جديدة بتأكيد دولي واقليمي رافق ضعف النظام وقبضته العسكرية والأمنية , لكن هذا النهج لم يتعزز بالدعوة الى كونفرنس جديد او أي خطوة مشابهة بعد اندلاع الثورة . ولم يترافق مع التخلي عن المركزية القديمة  التي شهدها الاعلان بعد اعتقال غالبية أعضاء أمانته العامة ولم تعط لجان الاعلان لا في المحافظات ولا في الخارج فسحة من الاستقلالية عن المركز لكي تتحرك بحرية في خدمتها للثوررة الوليدة .

 لم تكن لجنتنا خارج أجواء اعلان دمشق وكانت الغالبية فيها متحمسة لخطه وشعاره الجديد – اسقاط النظام بكل رموزه وأدواته – في حين ظّل صوت الأقلية المّصر على أطروحات الاعلان الأولى حول الاصلاح مكتوما . تعايش النهجان كالعادة واتفقا على ان يستفيدا من أجواء الحراك بعد أن أصبحت الأجهزة الأمنية مشغولة بما هو أهم , وفعلا بدأت اللجنة بإقامة ندوات بنفس طريقة ندوات المنتدى مع جديد عنه  بنقطتين .الأولى تتمثل في ان للندوات غرض هو مساعدة الثورة لتصل الى هدفها المنشود وليس التعرف على الآراء واحترام الرأي الآخر فقط كما كان سائدا في ندوات الاعلان. والثانية اعتبار اللجنة موجهة للندوات وهو ما حمّلها عبء ادارتها عن طريق تقديم  ورقة للندوة تطلب الاستعداد للحوار حولها كتابة او مشافهة . وبعد عقد الندوة كانت اللجنة تقوم  بتبويب ونشر آراء المشاركين في موقع الاعلان أنذاك – النداء – ولكن تلك الندوات كالعادة غاب عنها المرأة وأبناء المدينة وبقيت مقصورة على معتقلين سياسيي سابقين يتنازعهم الولاء لاعلان دمشق وهيئة التنسيق , وظّل الأمر كذلك حتى أعلنت اللجنة عن ندوة جديدة  – عسكرة الثورة الأسباب والنتائج – برز خلاف على الورقة التي ستقدمها اللجنة للمدعوين, فالأغلبية كانت تريد التقيد بخط الاعلان – اسقاط النظام بكل رموزه وأدواته – والأقلية رأت أن الأفضل التركيز على التغيير الاجتماعي وليس على اسقاط النظام . صيغت ورقة الندوة استجابة لرأي الأغلبية .تحّرك الأمن بسرعة واعتقل اثنان من أعضاء اللجنة قبل ساعات من موعد انعقادها وهدّد من يحضر تلك الندوة . قال الأمن للعضوين أثناء التحقيق : كنا نتابع ندواتكم على مضض , ولكن رفع شعار اسقاط النظام كان خطا احمر تطّلب منا التحرك بسرعة بعد تجاوزه من قبلكم . 

استوعبت اللجنة الدرس وعادت الى عملها كالسابق بعد اطلاق سراح عضويها, لكن أزمة جديدة ظهرت في وجهها هذه المرة مع الأمانة العامة . لم تكن الأمانة مرتاحة لمطالبة اللجنة الدائمة بعقد مؤتمر جديد للاعلان, على عكس سائر لجان الاعلان في المحافظات كما تدّعي, بل كانت القيادة وما زالت تدافع عن وجهة نظرها بكون الظروف القائمة بالبلد لاتسمح بذلك . القشة التي قصمت ظهر البعير كانت حول مؤتمر جنيف الثاني,  فالأكثرية فيها كانت مع المشاركة في مؤتمر جنيف وتحويله الى منبر للتعريف بالقضية السورية, على الضد من رأي الأمانة التي كانت تطالب بمقاطعة المؤتمر, وقد فشلت جهود اللجنة في اقناع الأمانة بان مخالفة لجنة ما أو عضو للاعلان لموقف سياسي معّين صادر عن القيادة هو قوة للاعلان وليس إضعافا له .

 استمرت اللجنة في عملها بعد ذلك وقدّمت اكثر من دراسة كانت ترسل النسخة الأولى منها الى المركز نذكر منها

  • لماذا تعثرت الثورة السورية .
  •  هل نحن مقبلين على  سايكس بيكو جديد في المنطقة .
  • من اجل اعلام متجدد ومتحرر للثورة السورية .
  • التوظيف السياسي للعلويين وأي مستقبل ينتظرهم ؟
  •  رؤية لجنة اعلان دمشق في اللاذقية لسوريا الجديدة .
  • قوبلت كل تلك الدراسات بالتجاهل التام . وهو ما أدى بالنهاية الى القطيعة التامة تقريبا بين اللجنة والأمانة العامة .

واقع اللجنة الحالي : 

ما تزال اللجنة بنفس الجدية التي بدأتها منذ نشأتها رغم كل الظروف المأساوية التي تحيط بها في مدينة أصبحت وكرا للشبيحة والمعفشين وأثرياء الحرب الجدد وداعميهم المحليين والعالميين .ان أهم ما يميز اجتماعات اللجنة الدائمة والمنتظمة هو احترام آراء أعضائها لبعضهم رغم التباين الشديد في الآراء السياسية أحيانا , وبالإمكان التمييز داخلها بين أغلبية وأقلية حول الموقف من النظام .

أغلبية ترى أن خط الاعلان صائب ودقيق في تمحوره حول شعار اسقاط النظام بكل رموزه وأدواته وهو الطريق الوحيد لفتح صيرورة  تنهي الوضع الشاذ القائم على تغول قمع الأجهزة الأمنية وما يتبعه من خوف في نفوس المواطنين وبالتالي ابتعادهم عن العمل السياسي . 

وأقلية ترى أن هذا الطرح هو من بقايا تفكيرنا السياسي القديم كلجنة منحدرة كلها من أصول يسارية , واليسار بشكل عام ينطلق من المبادئ ولا يفهم في توازن القوى على الأرض ولا ينطلق منها من أجل دفع عربة التقدم الاجتماعي الى الأمام وهي تتمسك بشعار التغيير والاصلاح وتعتقد انه يخدم الاعلان والثورة أيضا.

لكن الأغلبية والأقلية يتفقان على  استحالة اسقاط النظام بقوى ذاتية سورية , والحل أصبح خارج الارادة السورية , وسيكون حلا دوليا على قاعدة النفوذ والمصالح الكبرى .

من جهة اخرى ان التعدد والتنوع والغنى في اللجنة جعلها بكامل قوامها غير راضية عن شكل العلاقة مع الأمانة , وتطالب بتطوير العلاقة والتنسيق والتشاور في اتخاذ القرارات السياسية – لأن الأشكال السابقة لم تعد تتسق مع منطق العصر –  ريثما تتيح الظروف لعقد مؤتمر وطني جديد . 

الخلاصة :

هناك أكثر من ميزة لهذه التجربة المتواضعة في مدينة ساحلية مشهورة بتاريخها نذكر منها .

  •  في ظل عولمة العالم هناك مجال لمشاركة الجميع .
  • مع بروز دعاة حضارة الاستهلاك والشعبيون الجدد على حساب الانسانية وقيمها وحضارتها بزعامة بوتين وترامب تّم اجهاض حلم الشعوب مؤقتا في التقدم والديمقراطية , لكن هذا برأينا مخالف لمنطق التاريخ وروح العصر ولا يمكن له الاستمرار .
  •  ان النهج الذي تسير عليه الأمانة العامة في العلاقة مع اللجنة لايليق بنا وبهم , ونعتقد ان قيادة الاعلان كان عليها الاهتمام بالوثائق التي نشرتها اللجنة وادارة حوارات حولها معنا ومع الآخرين من اللجان والفروع في الداخل والخارج وتشجيع منطق المبادرات وتلاقح الأفكار, لو فعلوا ذلك لكان في ذلك الفعل خدمة للاعلان وخطه ومشروعه في التغيير الديمقراطي ويصب في النهاية في خدمة الثورة السورية أيضا

……………………………………………………………….

*- تعّودت لجنتنا أن تُقّدِم قراءة لمسار الثورة كل عام  في ذكرى انطلاقتها تتضمن رؤيتها وملاحظاتها على قاعدة من لايعمل لايخطئ  . لكنها ارتأت هذا العام أن تراجع سيرتها بالذات على هذه القاعدة , وهي تعتقد ان تلك المراجعة في هذه اللحظة يخدم الخط العام الذي عممته الهيئة العليا للمفاوضات والقائم على العمل للانتقال بسوريا الى دولة مدنية ديمقراطية تقوم على المواطنة ولا تتثني احدا من مكونات الشعب السوري .

نعتذر عن التأخير في القراءة لأسباب خارجة عن ارادتنا.

أواخر ايار  2017-    لجنة اعلان دمشق في اللاذقية

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك