مايو 7, 2024

كنان النجاري: كلنا شركاء
عندما نتحدث عن تركيا فأننا نتحدث عن الأمم القوية الفتية التي تبدع في مخططاتها لاجل مصالح بلادها وحدود اوطانها.حكومة في مرحلة النمو والابداع مهتمة برسم مستقبل لبلادها لتضع نفسها في مقدمة الأمم الحاكمة للعالم.
توفير الطاقة والثروات الطبيعية وتثبيت الموقع الجغرافي للبلاد كمنطقة عبور هي من اولويات الحكومة التركية. والتي يرتبط نجاحها بتوفير السلم الأهلي والامان للبلاد, وعزل الجمهورية عن صراعات الشرق الأوسط المجنونة, وبقاء التفوق والتنافس الاقتصادي مع القارة الأوربية. بالاضافة الى القطاع السياحي والخدمي والتجاري والذي يستجر المالي النقدي سنوياً للبلاد وبذلك تستمر في تميزها بين الدول الحاكمة.
هذا التوازي جعل تركيا مركزاً مهماً للاميركان والروس وبات هناك تسابق ليس للسيطرة على البلاد بقدر ما هو تسابق لمد جسور الصداقة معها وهو ما كان ملحوظاً في قمة العشرين الأخيرة. ف تركيا اعلنت نفسها دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على اراضيها وليست ميلشيا او حزب حاكم او ورقة مقاتلة كما هي اغلب انظمة المنطقة العربية.
الانقلاب الأخير والذي تبين بالنهاية أنه عبث طفولي لإحدى إجهزة المخابرات العالمية كانت تظن أن تركيا اصبحت جزء من صراعات الشرق الأوسط  لتتفاجئ بهجوم من المعارضة التركية قبل نظامها على هكذا عبث, ولترسخ الحكومة الحالية مفهوم الدولة القوية الديمقراطية والتي اكدت ان سقف ديمقراطيتها هي مصلحة بلادها لا اشخاصها ولا جماعاتها.
وبالنظر الى المنطقة العربية وحادثة الانقلاب الفاشل الاخير تبين للحكومة الحالية صدق التاريخ فيما يسمى بالثورة العربية الكبرى وانهيار امبراطوريتهم العثمانية, وتأكد للحكومة الحالية حديث المعارضة بأن ليس لتركيا إلا شعبها ومصلحة شعبها. وان الشعوب الاخرى لن تكون إلا ناقلة لعدوى الأمراض الشرق اوسطية.
فمهما بلغت لغة الدم الطائفي في المنطقة العربية فأن هذا لن يضع الأتراك امام الانحياز لأي طرف في الصراع السني الشيعي ولو عدنا إلى تصريحات الحكومة الحالية والتي يراها البعض العربي انها حكومة إسلامية إخوانية. هذه الحكومة لم يصدر عنها إي تصريح مدافع عن أهل السنة او معادي لتصرفات ايران. بل ان كل ما صدر عن الحكومة من توجيهات وتصرفات كان ناجماً عن مصالح بلادهم وقوة اقتصادهم وليس لهم من هذا الصراع الجنوني إلا قراءة الطريق بما يحمي مصالح الحكومة ومصالح شعبها.
وهنا تكون الاجابة عن سبب نجاح تلك الحكومة بالاغلبية الساحقة لمدة اربعة عشر عاماً في بلاد مازالت اسس العلمانية تدرس في مدارسهم وعن موقف احزاب المعارضة العلمانية واليمينية اتجاه الانقلاب الأخير.
وبالعودة الى الشرق الأوسط وعلاقته بالحكومة التركية فهي تنقسم الى ثلاثة محاور :
المحور الأول : علاقة تركيا بدول الجوار وهي سوريا والعراق البلاد التي تعيش حرب اهلية منذ سنين وخصوصاً سوريا والتي تملك اطول حدود جغرافيا مع تركيا.وهذا الصراع قد افاد في انتعاش الجنوب التركي نتيجة هجرة رؤوس الاموال وتنشيط موانئ الجنوب المطلة على البحر المتوسط نتيجة انعدام الامان في تلك البلاد.وبالمقابل فأن هذا المحور يعتبر مهماً جدً للحكومة الحالية خصوصاً ان التداخل الاجتماعي والديمغرافي مشابه جداً لتركيا.وبذلك ما يهم الاتراك هو عدم تطور الملف الكردي نحو تأسيس دولة مستقلة لهم تكون تجربة سابقة لأي محاولة في بلادهم من قبل الاكراد في تركيا.بالاضافة الى ملف جديد وهو التطرف الديني والارهاب والقتل باسم الدين.والذي اربك الاتراك لأكثر من مرة الى ان استقر مفاهيم دعم القوة العربية المعتدلة. هذا المحور قابل للتغير في اي وقت وان يتخذ به اكثر القرارات غرابة ان ادعى الأمر. وهذا ما عبر عنه مسؤولي اتراك في تصريحات متضاربة حول الوضع في سوريا والعراق. ويظهر تصريحات بعض اطراف الحكومة التركية بانهاء الازمة في سوريا حتى لو على حساب اعادة فتح العلاقات مع الاسد وبالطرف الاخر اصوات من داخل الحكومة التركية ترفض اعادة فتح تلك العلاقات باعتبار ان الوقت قد فات وان الاسد اصبح ك والده حليفاً للاكراد وحتى الاكراد عادوا كما اوجلان رفاق درب مع المخابرات السورية. وعليه فأن عامل الامن والاستقرار لتركيا مرتبط بالمحور الأول هنا وهو محور حيوي ومهم جداً للاتراك واي دولة تريد مد علاقة ود مع الحكومة التركية الحالية فأن الطرق لهذا الود لا بد ان يمر من العراق وسوريا لما يخدم مصالح تركيا وفقط تركيا.
المحور الثاني: العلاقة مع الخليج العربي وهي قبل الازمة في سوريا كانت قائمة على مصالح اقتصادية تطورت فترة حزب العدالة ولم يكن يظهر على الساحة اي صراع فكري ديني بين الطرفين. حتى بداية الازمة السورية تفاقم الازمة بين الحكومة التركية وبعض رواد الفكر الجهادي في الخليج العربي مما جعل التنافس قوياً داخل سوريا بين الطرفين خصوصاً مع اعلان منطقة الخليج العربي العداء لجماعة الاخوان المسلمين والمقربة من الحكومة التركية الحالية.وتذهب هذه العلاقة التركية الخليجية بين مد وجزر بحسب الحرارة والبرودة في العلاقات التركية الأميركية. ومخطئ من يعتقد ان تجعل تركيا ميزان العلاقة بالخليج العربي معتمداً على حسن التعامل مع جماعة الاخوان المسلمين. بل ان الطرفين مستعدين لانهاء اي خلاف واخر ما يفكرون به هو ظلم او نصرة جماعة الاخوان.
والعلاقة مع الخليج العربي مرتبطة جداً بالمصالح الاقتصادية والاستثمارات العقارية ومن ثم النفطية وبالمقابل فأن المتابع للسياسة السعودية سيلاحظ اصرار المملكة العربية السعودية على ابقاء تركيا الدولة الاسلامية الأقوى والتي تسبق ايران في ابحاثها خدماتها واقتصادها.وهو ما حدث اخيراً بتوافق الطرفين على محاربة الارهاب داخل الاراضي السورية سبقه دعم تركيا للعمليات العسكرية السعودية في اليمن.وتدرك تماماً السعودية ان تركيا لن تنجر الى اي صراع سني شيعي في علاقتها مع احد, بل على مصالح اقتصادية تعود بالنفع والدعم للصندوق التركي..
المحور الثالث : هي مصر وقطاع غزة وبعد القطيعة بين مصر وتركيا بحثت تركيا عن منفذ جديد لغزة فكانت الكيان الاسرائيلي وهو الحل الامثل للاتراك مصالحة مع العنصر المدلل اميركياً والتخلص من الحاجة الى مصر لدعم غزة وايجاد توازن يرضي غزة واسرائيل. وقد يتسائل البعض لماذا غزة وهذا الاهمية ل غزة ؟؟ والسبب لأن الحكومة التركية تقرأ بشكل صحيح جداً عواطف شعبها فمهما بلغ قتل السوريين والعراقيين والبوسنة وغيرهم من المسلمين فأن جميع الاحصائيات تعطي نتيجة مهمة جداً بأن الاتراك وبنسبة كبيرة جداً تتعاطف مع غزة وفلسطين وتعتبر القضية رقم واحد في قلوب الاتراك ولكل حكومة النصيب الكثير من الاصوات ان تعاملت تلك الحكومة بانسانية راقية جدا مع ملف غزة تحديداً.
اما مصر فالاتراك مقتنعون تماماً انها ماحدث في مصر مؤقت جداً وتركيا ليست على استعداد للسير نحو الاسوء مع المصريين حتى لو بادرت مصر بذلك.
اذا ماذا تريد تركيا من الشرق الاوسط المجنون حالياً. هل تبحث عن حرب ام عن سلم وهل من مصلحتها اضطراب المنطقة بشكل اكبر.وهل من مصلحة الاتراك البدء ب سايكس بيكو وتقسيم جديد للبلدان المجاورة.وكيف لها ان تتعامل مع ملف النازحين الى اراضيها.والاهم من كل ذلك هل لتركيا القدرة بالتاثير على القرار الدولي لمنع اي بلاء يعم الشرق.
السؤال الاخير : ماذالو نجح الانقلاب ؟؟ كيف كان سيتعامل الانقلابيون مع هذا الكم الهائل من التداخلات الحاصلة في السياسة التركية الخارجية. كيف كان سيصبح وضع تركيا وهي مطلة على بلاد تعاني الحروب الاهلية؟؟
كانت صدمة الحكومة التركية في الانقلاب هي فكرة الموت المفاجئ فقط. كيف سيتعامل الوراثون لو حدث هذا الموت المفاجئ ليس بالضرورة ان يحدث انقلاب فهي بلاد ديمقراطية وقد تتغير حكومتهم.اذا بعد الانقلاب لا بد من العودة الى مصلحة تركيا فوق اي اعتبار وهذا ما حدث وسيحدث .
*- اغلاق ملف التجنيس واسكات المعارضة عن احاديث العبث بالتوزان الديمغرافي للبلاد.
*- وضع خطة زمنية لانهاء الحرب الاهلية او على الاقل اخراج المجتمع التركي من اجواء القتل والحرب والبداية كانت بالتدخل العسكري للوصول الى المنطقة عازلة تكون مهمة الاتراك فيها لاحقاً انسانية بحتة.
*- الاتفاق مع الروس حاملي فكرة سوريا المفيدة والتي تعني سلخ الشمال السوري عن سوريا المفيدة وبقاء الشمال مستنقع للدماء. الاتفاق الجديد مع الروس يضع السيناريو الاخير وهو التقسيم بان تبقى سوريا المفيدة ويقابها في الشمال سوريا التركية كما حدث في شمال قبرص والتي اصبحت قبرص التركية.
هنا ترتسم المعالم الجديدة لمنطقة جديدة تخدم مصالح الدولة التركية ويكون ميناء اسكندرون هو الميناء الجديد لشمال سوريا ونفطها الكردي.
ويبقى السؤال المحير ماذا سيفعل السوريين وهل سوريا اصبحت مفيدة لهم ام لغيرهم ؟؟!!
اقرأ:
كنان النجاري: الجنسية التركية بين الحقيقة والاحلام


المصدر: كنان النجاري: تركيا والشرق الاوسط المجنون

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك