مايو 7, 2024

كلنا شركاء: رزق العبي- سوريتنا
تصادف هذه الأيام الذكرى السنوية الثالثة لسقوط مدينة الرقة بيد تنظيم الدولة، الذي أحكم سيطرته بشكل كامل على المدينة في 14 كانون الثاني عام 2014، حيث اعتبرها التنظيم منطقة هامة، حتى إنها حملت اسم العاصمة الفعلية للتنظيم، لكونها أصبحت مركزاً رئيساً يقطن فيها معظم قادته، ومن المدينة أعلن انطلاق الخلافة، ووجه نداءً لمناصريه بالسفر والعيش في الرقة، وجمعَ التنظيم، وفقاً لمراقبين محليين، المحاربين الأجانب وعائلاتهم في المدينة، ولم يسمح للسكان المحليين بمغادرة المنطقة، وبات يأخذ الجزية من المسيحيين.
تنفيذ أول حكم إعدام في الرقة
تأتي أهمية الرقة، كونها منطقة زراعية هامة، كما أن سدَّ الطبقة الموجود فيها يُغذِّي المحافظة وحلب بالكهرباء والماء، وتعتبر منطقة الرقة ملتقى طرق للعديد من المناطق الهامة، كما أن وجودها بالقرب من العراق، يسهل حركة عناصر تنظيم الدولة بين العراق وسوريا، وسعى التنظيم لجعلها مركزاً إدارياً له، فاهتمّ بالتعليم والمؤسسات القضائية وغيرها.
بدأت السطوة الأمنية بإعدام تنظيم الدولة ثلاثة شبان من أبناء الرقة وسط المدينة، في أيار 2013.
وكانت تلك أول عملية إعدام ينفذها التنظيم، والتي اعتبرها ناشطون آنذاك، رسالة واضحة للمجتمع المدني أولاً ولأهالي الرقة ثانياً.
عودة الحراك المدني السري بعد فشل المظاهرات
دعا الناشطون إلى مظاهرات سلمية ترفض العنف والقتل واللثام والاعتقال التعسفي والخطف، إلا أنها بقيت مجرد محاولات، خصوصاً بعد اعتقال معظم شباب الحراك المدني، فعاد العمل الثوري إلى السرية والأسماء المستعارة على شبكات التواصل الاجتماعي.
وُزّعت منشورات ضدَّ تنظيم الدولة، تستنهض هممَ الجيش الحر، فأعلنت كتائب وألوية الجيش الحر العاملة في المدينة، من أبناء محافظة الرقة، توحدها وشكلت الفرقة 11، وضمت ألوية (ثوار الرقة، المنتصر بالله، أمناء الرقة والناصر صلاح الدين)، وتشكل هذه القوة نحو 80 % من المعارضة المسلحة في الرقة، أما أهدافها فهي، وفق البيان العسكري الصادر عنها، تحرير الفرقة 17 ومطار الطبقة العسكري واللواء 93، ثم العمل العسكري خارج المحافظة، وحماية المواطنين، والعمل والتنسيق مع بقية الكتائب والألوية في المحافظات الأخرى، وأصدرت تعليمات تمنع منعاً باتاً تشكيل أيِّ كيان عسكريٍّ إلا تحت لواء الفرقة 11، وتنظيم الحياة المعيشية للمدنيين، وتفعيل المجلس المحلي، وتوسيع الهيئة الشرعيّة.
الكاتب والصحفي فراس هكار، أحد أبناء المدينة، والذي خرج بشقّ الأنفس، كما قال، بعد سيطرة التنظيم، تحدّث لـ سوريتنا عمّا حصل قبل دخول التنظيم: «لم تكن الفصائل المسلحة التي دخلت الرقة قريبة من الناس، وساهمت بظلمهم كثيراً، وما كانت الأحاديث والبيانات الثورية قبل اقتحام المدينة سوى فقاعات حاولوا من خلالها مغازلة الشارع وتشكيل حاضنة شعبية لهم، مع غياب الوعي والتنسيق لمرحلة ما بعد “تحرير” المدينة، والذي أربك مؤسسات المجتمع المدني التي نشأت لكنها لم تعرف من أين تبدأ وأين تنتهي، ولا كيف السبيل لإدارة شؤون المدينة وتسيير أمور المدنيين، وانعدام المرجعية التي يُجمع عليها أهل الرقة لتسيير شؤونهم وظهور النزعة والعصبية العشائرية عند بعضهم، والمجالس المحلية المتعاقبة التي تم تشكيلها سواء في الداخل أم في الخارج قبضت مئات آلاف الدولارات كميزانيات كانت تُصرف للرقة، لكن أحداً لا يعرف أين ذهبت تلك الأموال وبأي جيبٍ استقرَّت، مما أدَّى إلى فقدان الثقة».
وتابع الهكّار: «لذلك كان من الطبيعي بعد كلِّ ذلك أن يسهل على التنظيم الناشئ أن يسيطر على المدينة ويفرض سطوته، وتكون له الكلمة العليا في مدينة ظلمتها الحكومة، وخذلتها المعارضة، فسباها تنظيم الدولة».
تشير الأخبار التي تصل تباعاً من الرقة، إلى أوضاعٍ صعبة يعيشها المدنيون، وسط تضييق خانق يفرضه التنظيم عليهم، والذي يتمثّل بملاحقتهم على أبسط مقومات الحياة، حيث يعمل التنظيم على مراقبة وسائل التواصل، والإنترنت بشكل عام، ويفرض برامج تعليمية محدّدة، كما منع التنظيم استخدام أجهزة (الدش) واقتصر على بثِّ البيانات والإصدارات الخاصة به.
الأكراد يقودون معركة الرقة
بدأ المجتمع الدولي يستشعر خطر تنظيم الدولة، بعد عشرات الهجمات على عدة دول غربية، أبرزها هجمات باريس وبروكسل، وفي ظلّ تنامي قوة التنظيم، اقتنعت الدول الغربية بضرورة محاربته من منابعه، وبشكل خاص مقاتلته في معقليه الرئيسين في الرقة ضمن سوريا والموصل بالعراق.
اتخذت الدول الغربية، وعلى رأسها، الولايات المتحدة قراراً ببدء عملية عسكرية للسيطرة على مدينة الرقة، في السادس من تشرين الثاني من العام الماضي، حيث أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، بدء معركة “غضب الفرات”، التي شارك فيها العديد من القوى العسكرية المنضوية تحت سقف قوات سوريا الديمقراطية (حوالي 30 ألف مقاتل)، وهي “وحدات حماية الشعب YPG وحدات حماية المرأة YPJ ولواء صقور الرقة ولواء التحرير ولواء شهداء الرقة وكتيبة شهداء حمام التركمان، وأحرار الرقة ولواء ثوار تل أبيض والمجلس العسكري السرياني.
عمدت الولايات المتحدة إلى “طمأنة” تركيا عبر رسائل تهدئة، حيث أشارت واشنطن إلى إمكانية مشاركة تركيا في المعركة، إلا أنها ألمحت إلى أن الدور التركي قد لا يكون عسكرياً.
بالمقابل امتنع لواء ثوار الرقة، من المشاركة في العملية، بالرغم من كونها معركته الأساسية بحسب تصريحات مسؤوليه، وذلك بسبب الخلافات التي حدثت بين قيادة اللواء ومليشيا الـ YPG، حيث كان من المتفق عليه سابقاً أن ينحصر دور مليشيا وحدات حماية الشعب الكردية على الدعم اللوجستي والإمداد والتغطية النارية فقط، إلا أنّ قيادة ميليشيا الـ YPG كانت قد تراجعت في اللحظات الأخيرة للإعلان عن الاتفاق وفضلت إدارة المعركة بنفسها.
معارك تُضعف التنظيم في الرقة
تزامن الإعلان عن معركة “غضب الفرات” مع انطلاق عدّة عمليات عسكرية ضد تنظيم الدولة، والتي ستلقي نتائجها بظلالها على معركة الرقة، ومن أهمها:
درع الفرات: وهي عملية عسكرية أطلقتها تركيا لدعم فصائل المعارضة في 24 / 9 / 2016 لإبعاد خطر التنظيم عن الشريط الحدودي، وقد حققت العمليات العسكرية إنجازات عدّة، وفرض السيطرة على عدة قرى وبلدات كان يتمركز فيها التنظيم بريف حلب، ووصلت قوات “درع الفرات” إلى مشارف مدينة الباب حالياً، آخر معقل تنظيم الدولة في ريف حلب الشمالي.
“قادمون يا نينوى“: أطلقت الحكومة العراقية بتاريخ 17/ 10/ 2016 معركة تحرير الموصل، بمشاركة الجيش العراقي وقوات مكافحة الإرهاب وقوات البشمركة وقوات الحشد الشعبي، وسيطرت على القرى المحيطة بالمدينة، وتوغلت القوى العراقية داخل الموصل وسيطرت على أجزاء واسعة من المدينة.
الرقة قبل التنظيم الدولة
على الرغم من أن الحراك الثوري كان خجولاً في مدينة الرقة وريفها خلال السنة الأولى من بدء المظاهرات الاحتجاجية في سوريا، إلا أنها ساهمت في تلك الفترة باحتضان ما يُقارب مليون نسمة من المُهجرين السوريين من درعا جنوباً إلى البوكمال شرقاً، هذا الأمر زاد العبء على المحافظة التي كانت تعاني من التهميش الحكومي على مدى عقود، إلا أن الحراك بقي نشطاً في بلدات وأرياف المحافظة، وعلى مستوى أقلَّ في المدينة.
يوضح الحصافي والكاتب، فراس هكار، أن الهيئة الشرعية لمحافظة الرقة اتخذت من مدينة تل أبيض قرب الحدود التركية مقراً لها بعد سيطرة كتائب الجيش الحر، وكانت في تلك الفترة الكلمة الفصل للهيئة الشرعية على الأرض، وشكلت الهيئة المرجعية لكل الفصائل المسلحة.
في تلك الفترة أصدر رئيس المكتب الشرعي لمدينة الرقة آنذاك عضو المجلس العسكري والمحلي إسماعيل الكجوان، تُحرّم دخول مدينة الرقة من أي طرف عسكري، ولم تعجب هذه الفتوى الكثير من الفصائل، بحسب الصحافي هكار، ابن مدينة الرقة، والذين كانوا يتوقون، بحسب رأيه، للوصول إلى ثروات المدينة ونهبها بحجة تحرير المدنيين من قبضة الدفاع الوطني.
خلال أيام اغتال مجهولون اسماعيل الكجوان، على مفرق عين العروس في تل أبيض، في شهر شباط 2013، لتدخلها فصائل المعارضة بعد اغتياله بأسبوعين، وكان أبرز تلك الفصائل (جبهة النصرة – الناصر صلاح الدين – أحرار الشام – لواء ثوار الرقة – لواء أويس القرني – كتيبة الحذيفة بن اليمان – لواء المنتصر بالله –كتائب الفاروق – ولواء أمناء الرقة ـ لواء أحفاد الرسول ـ جبهة الوحدة والتحرير الإسلامية ـ جبهة الأصالة والتنمية ـ كتائب الإيمان وأحرار جبل الزاوية..). وشهدت المدينة، في تلك الفترة، حركة نزوح كبيرة.
يوضح أحد نشاط المدنية، أن الطيران في تلك الفترة، كان يُغير بشكل مكثّف، في محاولة لحماية مقرات النظام والأفرع الأمنية، التي غادرها آخر عناصرها بوساطة عشائرية، وتنفس من بقي من المدنيين الصعداء بعد أن انتهت العمليات العسكرية، وبدأ الناشطون المدنيون حملاتهم المدنية في الرسم على الجدران، ومحاولة إزالة آثار المعارك والتفجيرات، وإصلاح ما يمكن إصلاحه، إضافة إلى تغيير أسماء بعض الشوارع والمؤسسات الرسمية، وتشكلت هيئات مدنية شبابية وإعلامية وتربوية ونسائية فاق عددها الأربعين في الأيام الأولى.
زحمة مؤسسات مدنية
يعتبر فراس الهكار، أن الزحمة في انتشار المؤسسات، شكلت الخلل الأول في مسألة إدارة الرقة، «المدينة صغيرة، لا يصل عدد سكانها إلى نصف مليون نسمة، وتتشكل فيها كل هذه الهيئات غير المعروفة التبعية والتمويل».
وتابع الهكار: «نشطت تلك الهيئات بشكل ملحوظ، إلا أن ذلك النشاط لم يعجب الفصائل العسكرية، واتضح أن الغزل الذي كان يتم بين أفراد تلك الهيئات والفصائل المسلحة كان افتراضياً، وإعلامياً فقط، يتمُّ تداوله عبر صفحات الفيسبوك، بينما الواقع على الأرض كان مختلفاً حيث بدأت الفصائل على اختلافها باعتقال الناشطين والتضييق عليهم حتى إنهم شعروا في تلك الفترة أن شيئاً لم يتغير، وأن الاعتقال نفسه ولو اختلفت ظروفه».
تشكل للرقة مجلسان محليان أحدهما في الرقة منتخب من قبل أسماء معينة وليس من الناشطين، يرأسه “سعد فهد الشويش“، والثاني يتبع للائتلاف الوطني برئاسة المحامي المعارض “عبدالله الخليل“، حيث أعلن عنه في مدينة أورفا التركية، وبدأت الخلافات والانقسامات بين الرقاويين، وكل هيئة وتجمع ومنظمة وتيار ومجلس كان يحاول الحصول على دعم أكبر ليثبت حضوره، وكانت الفصائل مُتناحرة أيضاً مع بعضها البعض لتقاسم خيرات المدينة.
استراتيجيات التنظيم لتعويض خسائره الاقتصادية
مع نجاح القوات العراقية والدولية في هزيمة تنظيم الدولة وطرده من العراق ومن ثم القضاء على مصادر تمويله هناك، من المتوقع أن يتبنى التنظيم استراتيجيات بديلة لجني مزيد من الأموال، وقد تأتي في إطار التحركات التالية:
– إعادة تمركز: من المرجّح أن تقود عملية الموصل إلى انسحاب عناصر التنظيم باتجاه سوريا، بما يمثل نقطة تحوُّلٍ في مناطق تمركز التنظيم بمنطقة الشرق الأوسط، وهذا التمركز الجغرافي الجديد قد يعني نقل التنظيم مراكز الثقل الإداري والعسكري والمالي إلى مناطق الرقة، وبالتوازي مع ذلك ربما يتحوَّل مقاتلو التنظيم إلى استخدام استراتيجية عسكرية مختلفة تمزج بين الهجمات الخاطفة المتكرِّرة بجانب العمليات العسكرية الممتدة لتوسيع أو استعادة مناطق نفوذه بالأراضي العراقية والسورية، ولكن في مقابل ذلك قد تسنح الفرصة للقوى الدولية لشنِّ هجمات عسكرية أكثر دقة ضد مواقعه بسوريا.
– البحث عن موارد إضافية: على ما يبدو فإن الضغوط المالية التي سيتعرض لها التنظيم خلال الفترة المقبلة، ستدفعه للبحث عن موارد إضافية أخرى بخلاف النفط، وعلى الأرجح، سيتخذ التنظيم خطوات سريعة نحو فرض ضرائب جديدة في المناطق التي يُسيطر عليها تعويضاً لهذه الخسائر المالية.
أشارت تقديرات إلى نمو العوائد الإجمالية للإتاوات والضرائب التي يجنيها التنظيم سنوياً من نحو 360 مليون دولار في عام 2014 إلى 800 مليون دولار في عام 2015، في أعقاب تراجع عائدات النفط، ليمثّل الإتاوات والضرائب في عام 2015 أكثر من ثلث موارد التنظيم مقابل 10% سابقاً.
 – منافسة الخصوم: تحت ضغط خسارة الأصول الاقتصادية، قد يتجه التنظيم إلى تنسيق هجمات ضدَّ منافسيه في الأراضي السورية من أجل إضعافهم، وإحكام السيطرة على الموارد الاقتصادية في سوريا، وبذلك تتزايد محاولات الهيمنة من قبل التنظيم للموارد الاقتصادية التي تُسيطر عليها الجماعات الأخرى من النفط والغاز والأراضي الزراعية وغيرها.
ولكن أبرز الأهداف المحتملة لتنظيم الدولة في إطار استراتيجيته التوسعية ربما تتمثل في بعض الحقول النفطية التي تُسيطر عليها قوات حماية الشعب الكردية بمحافظة الحسكة (وهي: الرميلة، والسويداء، وكراتشوك)، والتي تنتج 15 ألف برميل نفط يوميا، علاوةً على الموارد النفطية الأخرى التي يسيطر عليها النظام في حقول النفط والغاز الواقعة في محافظات حمص وحماة، وبعض آبار النفط في دير الزور، وتنتج هذه الحقول حالياً قرابة 10 آلاف برميل نفط يومياً.



المصدر: في العام الثالث على السقوط كيف أصبحت الرقة تحت حكم (داعش)

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك