مايو 4, 2024

علي العائد: موقع 24
على غرار ما يجري في عالم المال من تبييض أموال مشبوهة، أو قذرة، حسب المصطلح، عبر أوعية استثمار قانونية، لتخرج تلك الأموال نظيفة من شبهة المخدرات، أو تجارة السلاح، أو الدعارة، أو الجريمة بشكل عام، ويستقبلها المجتمع والقانون كصفحة بيضاء مبرأة من كل ماضيها، تقوم الدول الكبرى في هزلياتها الدائرة على خلفية ما يحدث في دول الربيع العربي، والعراق، بتبييض ضمائرها لينام سياسيو تلك الدول دون ذنب.
هذا مع الإشارة إلى أن غسيل الأموال يطال الأموال النظيفة أيضاً، وهي الأموال الشرعية القانونية التي تستخدم في تمويل الإرهاب، عادة، فتصبح قذرة سوداء. ما تفعله دول غربية، وعربية، الآن، هو تسويد أموال تستخدم في تمويل إغاثة ما يمكن من اللاجئين، وهم من أخطأهم الموت أو الإصابة، أو الاعتقال. ولمجرد أن هذه الأموال تأخرت عن إنقاذ ضحية أصبحت سوداء، وبات ضمير صاحبها في حاجة إلى غسيل.
تبادل الأدوار الذي يجري بين الدول الغربية، ودول الجوار، وكل “أصدقاء سوريا”، على خلفية الحرب على سوريا، من أبنائها، ومن كل الغرباء، جلبت كل قوارض الأرض وحشراتها إلى بيوت السوريين، أو ما تبقى منها، لينتشر السوس في أساسات بيت هش أصلاً.
لن يكون ما جرى في مجلس الأمن، السبت الماضي، آخر الهزل، فمأساة حلب، خاصة، مستمرة، والاهتمام الآن يتجه إلى تشكيل تحالفات جديدة أساسها الاقتصاد بين دول الصف الثاني المهتمة بتعميق جراح السوريين.
تركيا تستضيف مؤتمر الطاقة العالمي، حيث حل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كضيف فوق العادة على المستضيف، الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على الرغم من أن الضيف والمستضيف يقفان في جهتين متقابلتين من المسألة السورية، لكنهما، لفظياً، “يجاهدان” لإنهاء مأساة الشعب المسكين.
حتى تصريحات الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، ووصفه ما يجري في حلب من قصف للمدنيين، بجريمة حرب، وأنه متردد في شأن استقبال بوتين في الإليزيه، خلال زيارة بوتين المقررة إلى فرنسا في 19 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، سيسقط في امتحان تبييض الضمائر عندما ترفع روسيا “فيتو” الغاز في وجه أوروبا.
هذا لن يحصل، كون الطرفين، البائع والمشتري، في حاجة للحوار مع الآخر، على اعتبار أنهما متفقان على أن السبل السياسية هي الطريق المثلى لحل الخلافات، دون أن ننسى أن أوروبا تفرض عقوبات اقتصادية على روسيا لم تؤثر في موقف الكرملين من أوكرانيا وسوريا منذ 2011، وإن كانت أفقرت الطبقات الضعيفة في المجتمع الروسي نتيجة خسارة الروبل الروسي نصف قيمته في آخر سنتين.
في غسيل الأموال، يخسر صاحب المال نسبة كبيرة تفوق عادة عمولات الوسطاء، بل تصل إلى 25% من قيمة ماله، يدفعه راضياً، كون المال الأصل تهمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام. أما غسيل المواقف السياسية فقد يعتبر بطولة يستحق عليها السياسي مكافأة، كما حصل لأوباما بإعادة انتخابه لولاية ثانية في عام 2012، على الرغم من أدائه المتعثر في سياسته الخارجية، خاصة في سوريا. لكننا نعلم أن أولويات المواطنين الأمريكيين لا تمس عادة السياسة الخارجية، وجزء مهم منهم لا يعرف أين تقع سوريا على الخريطة، وبالتالي لن يهتم بما ليس من شأنه.
في مجلس الأمن، كانت لهجة كل من مندوب بريطانيا، ومندوب فرنسا، ومندوب الولايات المتحدة، في غاية الوضوح اللفظي، لكن الثلاثة تابعوا الجلسة بعد إبطال روسيا مشروع القرار الفرنسي برفع الفيتو في وجهه، فقط خرجوا عندما بدأ مندوب النظام في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، في قراءة كلمته التي اتهم فيها أصحاب مشروع القرار بدعم الإرهابيين.
على كل حال، الأمم المتحدة نفسها لم تكن بيضاء الضمير، حتى لو جاء أنطونيو غوتيريس أميناً عاماً لها في نهاية هذه السنة، فكرتونات الإعانات، التي اختص بتوزيعها غوتيريس لن تبيض صفحة المنظمة الدولية، ولن تصل إلى المحتاجين إليها، ما دامت الأمم المتحدة ترى أن النظام، ومنظمة الهلال الأحمر السوري التابعة له، هي الأمينة على توزيع الإعانات التي تستلمها من الأمم المتحدة.
يصف بعض الأشخاص “العصبيين” بوتين والنظام الروسي، بأنه مافيا، في إشارة إلى نشوء طبقة من رجال الأعمال الروس، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، يتاجرون في كل شيء، في تلميح صريح إلى أن بوتين يمثل طبقة المافيا هذه، وأنه يمثل إرادتها. ومن بين ما يتاجر به بوتين وحماته السياسة، السياسة التي تزيد ثروة روسيا، وتفتح الطرق المغلقة أمام تجارها، ورجال أعمالها، وسلاحها، قبل نفطها وغازها.
هذا الأمر لا يختلف عما يجري في الغرب، لكن طبقة المافيا الروسية تقابلها هناك طبقة اللوبيات، الأكثر أناقة بكثير من المافيا الروسية المتوحشة، كما تقدمها السينما الأمريكية.
الجديد أن مافيا بوتين الروسية تقتل وتحاول أن تتجمل، أو تبرر، بينما تكتفي لوبيات المصالح في أوروبا وأمريكا بكلام عصبي يتهم روسيا بممارسة جرائم حرب، فلا مصلحة لها تدافع عنها الآن، على الأقل، سوى بالكلام.



المصدر: علي العائد: تبييض الأموال وتسويد الضمائر على أعتاب حلب

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك