مايو 2, 2024

دويتشه فيليه-
صورة بائع السمك القتيل محسن فكري مسحوقاً داخل شاحنة نفايات في مدينة الحُسيمة أعادت المغرب لواجهة الأحداث. مقتل شاب من فئة مهمشة يبحث عن قوته طرح تساؤلات عن المسؤول عن مقتله وعن دور الدولة و”المخزن”؟.
صدمت صورة بائع السمك القتيل محسن فكري في مطحنة شاحنة نقل النفايات في مدينة الحُسيمة شمال المغرب كل من رآها. القتيل في بداية العقد الثالث من عمره حاول على ما يبدو انتشال أسماكه من شاحنة نقل النفايات بعد أن صادرتها عناصر شرطة في مدينة الحُسيمة لإتلافها.
وبعد مقتله شارك الآلاف أمس الأحد (30 تشرين أول/ أكتوبر) في دفن فكري، ثُم تجمعوا مجددا مساء في وسط الحُسيمة للتظاهر، في مسيرة رفعت فيها شعارات تعكس الهوية الأمازيغية والإرث الثوري للمنطقة، وهتف المتظاهرون ضد “الحكرة” (التعسف) معبرين عن الغضب إزاء “القتلة”، حسبما نقلت مصادر خبرية ومواقع تواصل اجتماعية.
مشهد التظاهر لم يفاجئ المتابعين في المغرب، فمدينة الحُسيمة معروفة بإرث قديم، سواء ضد الاستعمار الإسباني أو حتى ما عرف بانتفاضة الريف (1958 -1959)، غير أن توقيت الحدث ومكانه لهما تبعات كثيرة، فالموقع له خصوصية تاريخية، كما يقول الصحفي رشيد البلغيتي لـDW عربية: “منطقة الريف بشكل عام معروفة بأنها منطقة متضامنة، ولديها إحساس تاريخي بالظلم، منذ حادث عام 1959 حيث تعرض السكان للتنكيل من طرف السلطات المركزية. هذه المنطقة لديها إحساس جماعي بحالة الحيف والظلم. واحتقار ومس بكرامتها بشكل دائم”.
ويرى الصحفي البلغيتي أن ما كان مفاجئاً حقاً هو حجم المتضامنين في مدن أخرى، كالرباط، التي خطط فيها المحتجون “للوقوف أمام البرلمان، فإذا بالوقفة التي كان ينتظر فيها حضور المئات تحولت إلى مسيرة فيها الآلاف.

<blockquote class=”Tweet h-entry js-tweetIdInfo subject expanded
is-deciderHtmlWhitespace” cite=”https://twitter.com/almghrib/status/792778253182304258″ data-tweet-id=”792778253182304258″ data-scribe=”section:subject”>

 

من المسؤول؟
تظاهرات الحُسيمة رفعت شعارات أيضاً ضد ما يعرف في المغرب بـ”المخزن” وهو مصطلح يشير إلى النخبة الحاكمة حول الملك، من زعماء قبائل وعسكر ومدراء الأمن، أي أنه المؤسسة الحاكمة الحقيقية كما يراها مراقبون. وخروج التظاهرات بعد مقتل محسن فكري كانت من ضمن سلسلة تظاهرات منذ (20 فبراير / شباط 2011) طالبت بإصلاحات. ويرى رشيد البلغيتي أن “المخزن هو الحاكم الفعلي. وهو صاحب القرار الأستراتيجيي على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي”. فيما يرى الصحفي والحقوقي محمد العوني أن خروج التظاهرات “جاء ضد الظلم أو الحكرة (التعسف)” ويضيف أن “في الدهاليز الإدارية وأجهزة السلطة نوع من الحنين للتسلط الذي كان ما قبل 20  شباط/ فبراير 2011. وبدأ الحنين يبرز في حالات كثيرة”. 
ويعتقد مراقبون أن رد الفعل على مقتل بائع السمك محسن فكري يعود إلى تأزم الموقف السياسي والاقتصادي وغياب الحريات، لكن البلغيتي يذهب إلى أن التظاهر ليس بسبب نتائج الانتخابات التي فاز بها حزب “العدالة والتنمية” برئاسة رئيس الوزراء المكلف عبد الإله بنكيران، بل بسبب سياسات حكومة بنكيران السابقة والحكومات التي سبقته أيضا “التي عملت على تغليب التوازنات المالية الكبرى…  أي نسيان فئات كبيرة مهمشة زادت فقرا وتهميشا، هذه الفئة يعبر عنها محسن فكري”. ورغم أن رشيد البلغيتي يرى أن “المخزن” هو الحاكم الفعلي، إلا أنه ينتقد بنكيران وحكومته “الذي يتحدث (عبد الأله بنكيران) عما يسميه تحكما، لكنه يرضى لنفسه أن يكون موظفا صغيرا لدى هذا التحكم (المخزن) ليخدمه ويخدم مصالحه”. حسب قول البلغيتي، ويضيف في حواره معDW  عربية “هم يشتكون من التحكم لكنهم يستمتعون أيضا بعسل السلطة التي توجد تحت رحمة وتحت أفق وسقف هذا التحكم”.

ووجه الشارع المغربي الذي خرج للتظاهر الانتقاد إلى رئيس الحكومة المكلف بنكيران بعد أن طالب مناصريه عدم الخروج للتظاهر. فظهر سخط في بعض المدن على السلطة وأحرقت صور رئيس الحكومة في بعض الحالات. وفي هذا السياق يعتقد الصحفي محمد العوني أن عبد الاله بنكيران أراد أن يقول “إنه ضد اللجوء إلى الشارع والاحتجاجات وهذا رسالة إلى السلطة السياسية في أعلى مستوياتها”.
هل تستمر التظاهرات؟

<blockquote class=”Tweet h-entry js-tweetIdInfo subject expanded
is-deciderHtmlWhitespace” cite=”https://twitter.com/AhmadBhaa/status/792446801957847041″ data-tweet-id=”792446801957847041″ data-scribe=”section:subject”>

 

مشاهد التظاهرات في المغرب ذكرت ببدايات ما يعرف بالربيع العربي والثورات التي عصفت ببلدان عربية، كان ومازال بعضها يعاني من صراعات دموية، مثل الجارة ليبيا وسوريا الغارقة في دوامة من الدماء، فتساءل كثيرون إن كان المغرب في طريقه للانضمام إلى ركب الثورات العربية. وأثرت التجربتان الليبية والسورية في الحراك السياسي بالمغرب بعد العشرين من فبراير/شباط عام 2011. وظهرت حينها أصوات على وسائل التواصل وحتى على الصحف تقول: “احذروا ما وقع في ليبيا وسوريا”ّ!.
وفيما يراقب البعض من الخارج نوع الشعارات المرفوعة وحجم التظاهرات وسقف المطالب، لا يتوقع الصحفي رشيد البلغيتي أن تتطور التظاهرات، فقال “لن يكون هناك امتداد لهذه التظاهرات، على اعتبار أن التجارب السابقة بينت أن الحركات الاحتجاجية المنددة بهذا النوع من الحوادث، فيها نوع من رد الفعل العاطفي الذي يخرج للتعاطف مع الضحايا والتنديد بالسياسات التي أدت إلى مثل هذه الفواجع ثم بعد ذلك كل يذهب إلى حاله”. ويضيف “سنكون أمام حالات تنفيث عن الغضب والاحتقان ثم بعد ذلك تعود الأمور إلى حالتها، فتعود حليمة إلى عادتها القديمة”.
بعكس ذلك يعتقد الناشط الحقوقي والصحفي محمد العوني إلى أن احتمال استمرار الاحتجاجات مازال قائما ويقول “استمرار التظاهرات من عدمها مرتبط بردود فعل السلطة. فإذا تبين أن هناك محاولة لاحتواء الموقف فقط، وليس الإجابة عن حالات الظلم وسلوكيات رجال السلطة، فربما تستمر التظاهرات أو قد تعود الاحتجاجات بعد حين لأي سبب آخر”.
ويشير العوني إلى أن الأمر مرتبط بأمر أكبر، وهو التنناقضات في الوضع، فهناك شعارات كبرى حول الديمقراطية والحريات ومحاربة الفساد، فيما يؤشر الواقع الصارخ إلى غياب هذه الشعارات.
من خرج للتظاهر؟
واحد من أهم ما يميز مطالب المتظاهرين منذ تظاهرات 20 فبراير 2011 وحتى التظاهرات التي خرجت نتيجة مقتل بائع السمك محسن فكري في الحُسيمة، أنها تمثل استمرارية لخلق دينامكية المواطنة، حسب وصف محمد العوني. وهي ديناميكية يراها من أجل بناء المواطنه والحرص عليها و”هي مرتبطة بمحاربة الفساد والحكرة (التعسف) “.
ومثل كل التظاهرات التي سبقت الثورات في الدول العربية منذ عام 2011، كانت الدعوات للتظاهر من “أجل الحرية، الكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة الفعلية”. وهي تظاهرات اشتركت بها فئات على مختلف التوجهات الإثنية والسياسية. فالمغرب رغم خصوصياته الكثيرة، التي تميزه عن باقي الدول العربية من حيث علاقة المواطن بالسلطة الملكية. لكن شارعه السياسي ليس مختلفا عن أي شارع سياسي عربي آخر. فقد نقل مراقبون أن من بين من خرج للتظاهرات بجانب التيارات اليسارية وافراد مستقلون، خرج كذلك أفراد من حزب البديل الحضاري المحظور، وحزب الأمة الممنوع من التأسيس، وهما حزبان بمرجعيات إسلامية. كما كانت هناك دعوات من جماعة العدل والإحسان المحظورة الإسلامية أيضاً، بيد أن شعارات رفعت ضد الجماعة خلال التظاهرات نفسها.

لا تخلو التظاهرات من شعارات تطالب “بالحرية، الكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة الفعلية”.

ويبقى أن المواطن المغربي الذي يبحث عن قوت يومه، مثل محسن فكري الذي قضى سحقا داخل شاحنة نفايات محاولا إنقاذ سمكه الذي صادرته الشرطة، سيراقب ما تفعله السلطة على مختلف مسمياتها من (حكومة) أو (مخزن)، منتظرا ردود فعل حقيقية لا تمس التحقيق بحادث مقتل فكري فقط، بل بالواقع السياسي والاقتصادي في بلد يراقب ما يجري حوله وينتظر التغيير. ويشير محمد العوني إلى أن الحركة في المغرب سلمية ومطلبية وتريد تغييرا دون المس بالمقومات الوطنية “فحتى على المستوى السياسي هناك مطالب بملكية برلمانية”. فيما ينتقد رشيد البلغيتي الحكومة بالقول “إننا لسنا أمام فاعلين سياسيين حسموا تحكم المخزن ورفضوه وأرادوا ربط المسؤولية بالمحاسبة وشرعية الحكم من خلال صناديق الاقتراع”. ويختم بالقول في لقاء مع DW عربية إن “ما حدث نتيجة سياسات الدولة التي انتهجت إغناء الغني وإفقار الفقير. ثم إننا في المغرب لم نستطع حتى الآن تقييد رجال الأمن والإدارة العمومية بالاحترام الصارم للقانون”.



المصدر: (طحن) بائع السمك يضع المغرب على صفيح ساخن!

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك