أبريل 26, 2024

د. محمد أحمد الزعبي: كلنا شركاء  
اديروا بني قومي ظهور مطيكم    فإني إلى قوم سواكم لأميل   
سمعت ذات يوم من على شاشات التلفاز ، أحد العشرينيين من شباب سوريا ( وسأسميه في هذه المقالة حسين )  يقول وهو يتهيأ للصعود إلى أحد القوارب الذي سينقله من تركيا إلى اليونان ، يقول بغضب وبصوت مسموع ” خلاص أنا ماعاد  بدي ثورة ، ماعاد بدّي أكون عربي ، أنا بدي أعيش “ (!!) . لم يكن  كلام هذا الشاب الغاضب يعني ، في حقيقته وفي بعده الوطني و القومي والإنساني سوى احتجاج صارخ على السلبيات المؤسفة التي رآها ، وربما عايشها في بلده ووطنه سوريا  ، وبالذات على ممارسات قيادات وعناصر ثورة آذار و٢٠١١ من مدنيين وعسكريين  والتي  أي       (الممارسات ) القت به بداية في أحضان مخيمات اللجوء في تركيا  ، ونهاية في قوارب الموت المتوجهة إلى اليونان فأوروبا  ، وهو يبحث عن ” الأمل ” و عن الأمن والأمان ، بل عن المجتمع الذي يسمع صوت غضبه ، ويسمح له بتنمية قدراته النظرية والعملية  كشاب في مقتبل العمر  ، وتوظيفها في خدمة حاضره مستقبله  ، ولكن أيضاً في  خدمة حاضر ومستقبل شعبه  وامته ، وخدمة المجتمع الذي يعيش فيه  ، إنه يبحث عن حقه في الحياة . إنني لاأعرف الآن شيئا عن هذا الشاب ، الذي  لم أره ولم أسمع منه أوعنه منذ أن ركب البحر إلى المجهول  . من جهتي ، تفهمت موقفه  ، ولست ألومه عليه . 
إن  مارأيته  وما سمعته  في داريا ، بل  وما زلت  أراه وأسمعه اليوم عنها ومنها وفيها ، قد زاد من تفهمي لموقف وغضب ذلك الشاب وسمح لي أن أستعين ببيت  شعر شنفرى القرن الخامس الميلادي ، أو قل شنفرى العصر الجاهلي الذي فضل أن يعيش بين الوحوش والضباع ، على العيش في ظل  أهل لايريدونه بينهم  ، على ما تقوله ” لامية العرب” لهذا الأزدي الشهم ، و التي مطلعها ( أديروا بني أمي ظهور مطيكم         فإني إلى قوم سواكم لأميل ) .
لقد وقفت داريا كالعملاق  ، ليس في وجه المجرم  “أبو البراميل ” فقط ، وإنما أيضاً في  وجه وجه مايسمى ” المجتمع الدولي ؟!”  ،  بل وفي  وجه ” مجلس الفيتو ؟! ” ، المسمى ” مجلس الأمن الدولي ” والذي  كان يصدر القرارات الكاذبة تحت ” الفصل السابع ؟!”  ( حول بلدان الربيع العربي خاصة )، ثم يعطي أصحاب القنابل الذرية  فيه  ( من تحت الطاولة )  أوامرهم السرّية بتجاهل وبعدم تنفيذ هذه القرارات (!!) ، وخاصة القرار 2216 حول اليمن , والقرار 2254 حول سوريا . لقد كان” حسين  “ يرى ويسمع ويعرف جيداًعلى ما يبدو  ماذا يجري على الأرض في سوريا  ، في الوقت الذي كان ينشغل  فيه المثقفون  والكتبجية من أمثالي بالبحث في قواميس اللغة العربية عن الكلمة المناسبة لهذه الجملة أو تلك ، وتنشغل فيه القيادات السياسية والعسكرية لثورة آذار ٢٠١١ بعدّ الدولارات واليوروات التي أنعمت الثورة بها عليهم (!!) . 
لا عليك ياداريا ، ولا عليك ياحسين  ، فما زالت الثورة  محمولة على أكتاف ورؤوس الشرفاء ، الذين باتوا يعرفون الحقيقة ، واصبحوا يفرقون بين العدو والصديق ، وبين الحق والباطل ، بل وبات حتى أطفالهم  يفرقون بين الميراج والميغ والسوخوي من خلال أصواتها المدوية ليل نهار فوق رؤوسهم . إن أفعالهم وتضحياتهم اليوم في حلب الشهباء تشير بوضوح إلى إنجازاتهم .
يعلق البعض الآن على تركيا وعلى أردوغان ، بعد تحرير جرابلس ، بعض  الأمل  ، كيما يساعدهم على الخروج من عنق الزجاجة  ،ولا سيما في حلب الشهباء ، فعسى  ألّا يخيب أردوغان  أملهم .
أما أنتم يااهلي وياإخوتي في محافظة درعا ( حوران ) ، فلا أملك سوى أن أقول لكم  :  إن الناس وأنا واحد منهم ، يحملونكم  قسطاً كبيراً من  المسؤولية عن سقوط داريا التي لا تبعد عنكم سوى ” مقرط العصا ” ولكنكم لم تفعلوا شيئا لإنقاذها. إن سقوط داريا في فك الأسد الطافح بدماء الأبرياء ، ومخالب بوتن الهمجية هو ” دين ” ( بفتح الدال ) لأطفال داريا  في أعناق أطفال درعا وعليكم ياإخوتنا ، أن تسددوه ،  دون أن تنتظروا الأوامر من ” الموك “، أو من غيرهم من وراء الحدود. 
اقرأ:
د. محمد أحمد الزعبي: الثورة السورية ولعبة شد الحبل بين إيران وتركيا



المصدر: د. محمد أحمد الزعبي: داريا .. وداعا بني قومي !

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك