مايو 5, 2024

د. كمال اللبواني: كلنا شركاء

سوف نحكم هنا باستخدام معايير دنيوية سياسية وليس دينية أخروية  ولا حتى معنوية )من قبيل أن الشعب السوري شعب بطل قدم التضحيات الهائلة ، أو قاتل قتال الأبطال أعتى الأنظمة المدعومة من جيوش الاحتلال …) بل من خلال ما أراده هذا الشعب وما حققه فعلا بنتيجة فعله الثوري .

انطلقت الثورة السورية وهي تحمل شعارا واحدا هو اسقاط النظام ، وها هي تدخل عامها السابع و النظام مايزال موجودا  ولو على جزء من الأرض ، أو بدعم من جيوش الاحتلال التي تدافع عنه وتتحكم فيه ، بينما الشعب السوري الثائر توزع بين قتيل ومشوه ومحاصر ومهجر ، المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام تخضع في معظمها لمنظمات متطرفة لها أجنداتها الخاصة ، البلد قد أصبح خرابا ، ولا أفق يلوح لحسم الصراع رغم انهاك القوى المتحاربة … ماذا يعني ذلك :

⦁ يعني أن الثورة قد فشلت في تحقيق هدفها المعلن وهو اسقاط نظام بشار

⦁ أن النظام لم يسقط ومع ذلك فشل في الاستمرار في حكم سوريا التي تحولت لدولة فاشلة تتحكم فيها ميليشيات محلية ومحتلة.

⦁ أن روسيا قد فشلت كدولة محتلة ، وأن إيران وحزب الله أيضا فشلوا.

⦁ والأمم المتحدة فشلت … واستمرت المأساة من دون أن تستريح في العام السابع …

حتى لو بقي بشار في الحكم ، أو جلس مكانه قائد جيش الإسلام أو جيش الفتح ، فإن عليه أن يتابع الحرب للسيطرة على المناطق المتمردة ، وأن يحارب لتوحيد البلاد وهزيمة القوى الانفصالية ، وأن يطرد جيوش الاحتلال ، وأن يفرض الأمن ويهزم الفلتان والإرهاب ، ثم بعد ذلك إعادة اللاجئين ومعالجة المشوهين ، و إعادة بناء البلد المدمر كليا ، وتأمين الموارد اللازمة لذلك . والتي تقدر كلفتها عمليا ب تريليون دولار . وهو ما يعادل كامل الناتج القومي الحالي لمدة خمسين سنة . 

السبب في هذا الفشل يكمن في الثورة ذاتها التي انطلقت موحدة في العداء لنظام بشار ، لكنها تخفي تحت تلك الوحدة الكثير جدا من التناقضات … فما إن اندلعت الثورة وبدأت تعم المناطق حتى ظهرت صراعات الأحزاب والسياسيين على وراثة النظام … فشلت عملية انتاج قيادة ، وتم التلاعب بالمجالس التمثيلية والقيادية ، وتم التلاعب في توزيع الدعم المالي والسلاح … فالمعركة بدأت مبكرا جدا بين الثوار ، حتى قبل مسافة بعيدة من احتمال سقوط النظام .

مجرد صمود النظام لأشهر كان كافيا لظهور الخلافات والصراعات داخل جسد الثورة بين المجالس والقيادات التي حاولت تزعمها : بدأت بصراع اتحاد التنسيقيات ، والهيئة العامة للثورة  ، ثم استمرت بتنازع أنطاليا مع الإنقاذ ، وانتقلت هذه الصراعات للتحكم بقرار المجلس الوطني ، ثم انتقلت هي ذاتها لأروقة الائتلاف غير المؤلفة قلوبهم . وخلال ذلك انتقلت التنازعات للميدان العسكري بين الثوار والمنشقين ، ثم بين الجيش الحر والمنظمات الجهادية ثم بين المنظمات الجهادية نفسها …

بينما نجح النظام الطائفي باستنفار طائفته التي قدمت فداء له عشرات الآلاف من شبابها ، بل تجندت كلها للدفاع عنه ولم تظهر أي بوادر تردد أو تمرد ، ونجح في تحييد الأقليات التي وقفت عمليا معه  بعد أن تأسلمت الثورة، وفي تحييد أصحاب رؤوس المال والأغنياء من شركائه في الفساد … وتصرف الكرد المسلحين بطريقة انتهازية مستغلين الصراع بين العرب ، ونجح النظام في احداث انقسام  داخل السنة العرب بين من هو مجند بجيش النظام يزج به في معاركه ، ومن هو يقاتل النظام فيقتلوا بعضهم البعض، وأدخل الميليشيات الإيرانية لتشرف على عمليات الجيش والمجندين ، ثم لتسد بعض الثغرات التي أحدثها تهلهل جيش النظام ، وأدخل روسيا لتعتمد سياسة الأرض المحروقة واستهداف المدنيين لإجبار المناطق على التسليم والركوع .  واستمر عرض مسلسل التسليم والترحيل طيلة السنتين اللتين أعقبت التدخل الروسي …

وبدت بقية المناطق المحررة ( إدلب ، غوطة دمشق ، درعا ، وما تبقى من حمص ) تنتظر السقوط والتهجير . مما يقدم الدليل القاطع  على الفشل العسكري الذريع الذي ترافق مع فشل سياسي وإداري أكبر وأخطر منه ، انتهى بفشل تفاوضي مزري ، ضيع تضحيات مليون شهيد ومليون مشوه وعشرة ملايين مهجر .

حتى ما يسمى بالمعارضة السورية قبلت بعدم مناقشة مصير النظام … أي أن قيادة الثورة السياسية والعسكرية كما تسمي نفسها تقول أن الثورة تنازلت عن هدفها … فماذا تقولون لأهل الوعر … ماذا تنصحون أهل درعا والغوطة هل يركبوا الباصات الخضر أم يصالحوا النظام ويتطوعوا باللجان الشعبية لقتال الإرهابيين … وماذا تقولون للمتقاتلين في إدلب المنقسمين بين فتح وتحرير الشام ( والذين يتبادلون تهم الخيانة والإرهاب ) ، أبعد كل ذلك هل لدى أحد شك بأن الثورة قد فشلت …

و إذا كانت مساعدات المحاصرين ، وأدوية الجرحى وطعام المقاتلين ، ومساعدات المنكوبين ، يسرقها قادة الثورة الذين أدمنوا الفنادق الفاخرة ، وإذا كان الثوار قد انغمسوا في محاربة بعضهم ، يبيعوا سلاحهم ليأكلوا بثمنه ، والناس لم تعد تفرق بين بطش النظام وبطش المنظمات … فهل يعني ذلك نجاح الثورة ؟؟.

ما يمكننا فعله هو فقط إدامة حالة الفوضى والفلتان وزعزعة الاستقرار حتى لا يعلن النظام انتصاره ، أو ليفهم العالم أنه عليه أن يحتل سوريا بنفسه  لا أن يعهدها لبشار  وأمثال بشار الذين يصعدون المنصات منتظرين دورهم …

بطريقة أخرى ، لنفترض جدلا أن الثورة نجحت خلال عامها الأول في اسقاط النظام ، ماذا تتوقعون أن يحصل ؟… أعتقد أن النتيجة لن تختلف ، كنا حتى هذا اليوم ما نزال في حرب أهلية تتدخل فيها الدول أيضا ، أي أن بقاء النظام أو رحيله سيان … فالثورة التي توحدت على اسقاط النظام ، لا يمكنها أن تتفق على من سيحكم بعده ، ولا على طريقة الحكم ، ولا حتى على هوية الدولة ولا إسمها … لذلك تبدو طروحات هيئة التنسيق عقلانية أكثر كلما رفضت الثورة أكثر . فهي ترفض فكرة واسم الثورة ، وترفض اسقاط النظام ، وترى الحل فقط بالعودة لحضن النظام الحنون رمز وحدة البلاد والاستقرار ، لذلك هي اليوم عمليا من يقود وفد المعارضة المقبول دوليا والفاشل عمليا . 

الحالة الوحيدة التي يتوقع لها النجاح هي الهدن التي تشترط خروج المسلحين ، ودخول الجيوش الأجنبية ، أي استراتيجية المناطق الآمنة التي تخضع لجيوش الاحتلال ، وترك المناطق غير الآمنة كمحارق للمتقاتلين … أي أن المطلوب اليوم ليس التفاوض بين النظام والمعارضة على حل بل البحث عمن يستطيع احتلال سوريا وفرض وقف اطلاق النار ، وسحب سلاح المتحاربين ، للسماح بعودة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية … والتي ستكون مختلفة كثيرا عما سبق … خالية من النظام ومن المعارضة التي قاتلته .

لقد نجح النظام في تدمير البلد وتحويلها لدولة فاشلة وفي إلغاء استقلالها ، لكن عناد النظام ، ورفضه أي فكرة عن التغيير هو من جر البلاد لهذا المصير … فالثورة لم تكن فعلاً مخططاً ( له قيادة ) ، بل كانت ردود أفعال عفوية على سلوكه ( طائفية ردا على طائفيته ، مسلحة ردا على استخدام الجيش ، جهادية ردا على استقدامه الميليشات الشيعية التي تحمي المراقد الوهمية … ) لذلك لا تتحمل الثورة المسؤولية عما حدث ، ولا حتى عن فشلها ذاته …

كما أن الحديث عن فشل الثورة في تحقيق هدفها لا يعني موتها أو نهايتها ، فهي كردة فعل مستمرة بالتغير مع تغير الفعل ، وهذا الظرف الجديد سيولد ردود فعل عليه ، ربما تكون أكثر وعيا وادراكا بعد تجربة الفشل السابقة … ولن يكون من الممكن إيجاد حل لا يرضى عنه الشعب السوري طالما بقي في حالة التمرد ولم يستسلم .

ما نتوقعه لهذا العام هو التسابق بين سياسة الترحيل ، وبين البدء في تطبيق استراتيجية المناطق الآمنة التي ستصبح مناطق احتلال أجنبي ، بينما سيستمر الصراع على بقية المناطق ، ولن تكون دمشق في مأمن بعد اليوم ، و ستنال حصتها من الدمار مع بداية الضغط على المنظمات الإرهابية ومتعهدها الإيراني الذي يريد خوض المعركة على الأرض السورية اتقاء لخوضها في طهران وقم والضاحية البيروتية ، وسيكشف هذا العام نوعا جديدا من التحالفات بين ايران وداعش وبقية المنظمات المصنفة ارهابية بمجرد تزايد فعالية العمليات العسكرية (الغربية العربية التركية ) ضدهم وهذا سيحرج روسيا وحاضنة النظام الذي سقط بحضن ايران ، وصار خروجها يعني سقوطه. أي أن الثورة قد تحقق هدفها ، لكن بعد دفع ثمن ذلك وهو استقلال سوريا سياسيا واقتصاديا ( يسمونها لعبة الأمم ) .

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك