أبريل 26, 2024

د . حبيب حداد: كلنا شركاء
كما هو معروف ، ومن أدهى سخريات مكر التاريخ وغدر الزمان ،لقد أصبح ومنذ سنوات الهم الدايم بالنسبة للإنسان السوري ، الهم الذي يشغل كل وقته ويقض مضاجعه في كل حين ، هو التساؤل عن مصير وطنه ومستقبله بعد الوضع المأساوي الذي يعيشه الْيَوْمَ في أعقاب اجهاض انتفاضته الشعبية الوطنية التحررية وبعد كل ماقدمه من تضحيات جسام لتحقيق أهداف هذه الانتفاضة .
وتساؤل الانسان السوري عن أوجه واشكال معاناة شعبه وعن مصير وطنه لا يتوقف عند هذا العنوان العام بل لا بد انه يتفرع الى العديد من التساؤلات التي تتناول الأحوال التي وصل اليها الوضع السوري في كافة المجالات في سياق هذه المِحنة الوجودية التي لم تتوقف فصولها ولَم يوضع حد لها حتى الآن . فالمواطن السوري يتساؤل مثلا في كل يوم : أين أصبحت حدود بلاده الجغرافية الآن بعد كل الذي جرى وبعد كل الذي تعرضت له من احتلالات وتدخلات خارجية عدوانية قطعت أوصالها ودمرت ناسها وعمرانها : في شمالها وجنوبها وفي غربها وشرقها بل وفي قلبها ومحيطها ؟؟؟
والمواطن السوري يتساؤل في كل يوم أين هي سيادة دولته بعد تغييب إرادة شعبها وانتهاك ابسط مقومات السيادة الوطنية لها ، و بعد ان اصبح مصيرها معلقا بتوافق إرادات ومصالح الدول ذات الفاعلية والنفوذ في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم ؟؟؟ والمواطن السوري يتساؤل في كل يوم عن الحصاد المر لتواصل هذا الصراع الدامي وما ارتكبته قوى الارهاب من جرايم استهدفت تدمير ذاكرة اجيال الحاضر والمستقبل بالقضاء على كل رموز شعبنا الحضارية ومعالمه ومقوماته التاريخية :الثقافية منها والروحية والدينية والعمرانية والاقتصادية …..لانها تعتبر كل هذه الرموز والمعالم متنافية مع قيم وصورة الدولة التي تسعى لتأسيسها والتي هي حسب وعيها العدواني المتخلف والمغلق الدولة التي لن يجود الزمان بمثلها والتي لن يرضى الله عن غيرها ؟؟؟. والمواطن السوري الْيَوْمَ يتساءل أين هو صوت الشعب السوري ومن يعبر عنه وينطق باسمه ، وما الذي أدى الى تمزيق وحدته الوطنية والاستهانة بتطلعاته المشروعة وبارادته الحرة ومصادرة قراره المستقل وحقه الثابت وغير المنقوص في تقرير مصيره وصنع غده ؟؟؟ والمواطن السوري الْيَوْمَ يتساءل عن طبيعة الدور الذي قامت به المعارضات السورية ، وعلى الأخص منها تشكيلاتها الخارجية ، طوال السنوات الست الماضية التي ادعت تمثيل الشعب السوري والتي تسابقت الى الانخراط في اجندات الدول الخارجية ، في الوقت الذي تنكرت فيه لجوهر وروح المشروع الوطني الديمقراطي ، كما تنكرت لإتجاهاتها وطروحاتها وومواقفها السابقة والمعلنة ، واندفعت بكل حماس غرائزي لتكون واجهات لتغطية هوية وطبيعة المجموعات المسلحة الإرهابية فقدمت بذلك اكبر خدمة لنظام الاستبداد الذي عمل على محاولة إقناع الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي بان البديل له ضمن المعطيات الراهنة هو هذا البديل الأسوأ الذي سيشكل خطرا جديا على الأمن والسلم في العالم اجمع ؟؟؟
والمواطن السوري الْيَوْمَ الذي يتساءل بالم ومرارة عن مصير انتفاضته التي انطلقت من اجل تحقيق أهدافه في الحرية والكرامة والمساواة وعن مآل الآمال الكبار التي عقدها عليها من اجل بناء دولة ديمقراطية حديثة في مستوى حياة العصر ؟؟؟ ولا شك ان المواطن السوري وهو يستعرض تاريخ بلاده القريب والبعيد ودورها القيادي على صعيد قضايا امتها المركزية يشعر بالحسرة والهوان وفقدان الحد الأدنى من رد الفعل الذي تستدعيه رابطة المصير المشترك ، وهو يرى في غياب هذا الدور القيادي المعهود ان سورية أصبحت الْيَوْمَ العضو المعتل في جسد عالمها العربي وان القضية الفلسطينية تشهد أخطر مراحل تصفيتها ، بينما كل البلدان العربية تقريبا غارقة في ازماتها الداخلية المتفاقمة كما ان بعضها مندفع الى نسج تحالفات مع القوى الدولية التي تدعم اسرائيل في كل سياساتها . والجامعة العربية اداة العمل العربية المشترك لم يعد لها من فعاليات وسمات الوجود كما يعرف القاصي والداني الا اسمها وبياناتها الباهتة والمكررة .
ماهو المتوقع للمسالة السورية خلال هذه الفترة إذن ؟ وفي اي اتجاه ستسير الأمور . في ضوء معطيات الواقع الراهن وتشابك وتعارض دور الأطراف الدولية المنخرطة في هذه المسالة سواء الدولتين الرئيسيتين ونعني بذلك روسيا والولايات المتحدة الامريكية او الدول الإقليمية والخارجية الأخرى ؟ لقد اثبت تطور الأحداث على مدار السنوات الست الماضية ان لا حل للمسألة السورية الا بالاستناد الى الى عدد من الحقائق التي أضحت في مرتبة المسلمات التي لا يمكن تجاوزها .
وأولها تحقيق تطلعات الشعب السوري في التغيير والتحول الديمقراطي وبناء دولة المواطنة المتساوية التي تكرس مبادئ الميثاق العالمي لحقوق الانسان وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصِّلة وفي مقدمتها بيان جنيف ١ والقرار ٢٢٥٤ ،
وثانيها ان يستمع الى رأي الشعب السوري الحقيقي من خلال أفضل صيغة يمكن توفيرها في هذه الظروف الاستثنائية والتي كما كنّا وما زلنا منذ بداية هذه الأزمة نرى انها تتمثل في انعقاد المؤتمر الوطني السوري العام الذي يمثل كافة شرائح المجتمع السوري الاجتماعية وأطيافه السياسية وهذا الموتمر هو الهيئة المخولة بتشكيل هيئات الحكم والإدارة المؤقتة واقرار الإعلان الدستوري لهذه المرحلة الانتقالية .
وثالث هذه الحقائق ان ما قد تتمخض عنه اجتماعات الأستانة الحالية او المقبلة وكذلك مفاوضات جنيف ، المقترحة بعد ايّام لن يكون ذَا مردود إيجابي يذكر ،لا يمكن توقع ذلك بالطريقة التي تدار بها هذه المفاوضات او التي ترسم مسارها ، ولا بطبيعة الوفدين السوريين المشاركين فيها سواء وفد النظام أم وفد المعارضات السورية :المسلحة والمدنية ، ونرجو ان نكون مخطئين في اعتقادنا هذا ، لأنهما لن يكونا مؤهلين ولا راغبين في اتخاذ اية خطوات جدية ، هذا اذا كان ذلك باستطاعتهما، على طريق الحل المطلوب للمأساة السورية ،
ان محادثات الآستانة وجنيف ستكون من وجهة نظرنا ذات فوائد إيجابية ومهمة اذا استطاعت ان تمهد الأجواء لتوفير مناخ حقيقي للحوار بين السوريين أنفسهم وأول مستلزمات توفير هذا المناخ تثبيت وقف إطلاق النار الدايم وتحديد المجموعات الإرهابية التي ترفض الالتزام بذلك ، والعمل على رفع الحصار عن جميع المناطق والمدن التي يشملها وايصال المساعدات الغذائية والإنسانية وإطلاق سراح كافة المختطفين والمعتقلين السياسيين. وسنكون متفائلين اكثر من اللازم إذا كنّا نعتقد ان هذه المحادثات ستصل الى مبتغاها ، وذلك راجع الى نوعية وطبيعة الوفود المشاركة وخاصة وفد المعارضات السورية الذي لا يملك من أمره شىيىا والذي هو في الواقع مجموعة وفود متناقضة المواقف و لا تنسجم رؤيتها مع المشروع الوطني الديمقراطي لسورية المستقبل . اننا نعتقد ان مواصلة السير في هذا النهج لن يؤدي الى الحل المطلوب لانه سيكون في أفضل الحالات اسلوبا في إدارة الأزمة ومزيدا من الوقت الضايع بكل ما يترتب على ذلك من نتايج كارثية . وإذا كان الحل المتوقع للازمة السورية هو الذي سينجم الى حدكبير عن التوافق الروسي الامريكي ويتم إخراجه عن طريق مؤسسات الامم المتحدة ، فان دورنا نحن السوريين يظل هو الأساس في إمكانية تطبيق اي حل يهدف الى إنقاذ وطننا وانهاء محنته الراهنة ، ان امام الشعب السوري الْيَوْمَ خياران لا ثالث لهما ، فإما ان تتواصل فصول هذه الحرب المدمرة ، هذه الكارثة التي لم يواجهها شعب آخر في كفاحه الدامي من اجل حريته ، وتتواصل مهزلة هذه الصيغة المعتمدة الان بان ما يمثل مصلحة سورية ويعبر عن ارادتها هما الطرفان المتفاوضان حاليا أي وفد النظام من جهة ووفد المعارضات والمجموعات المسلحة من جهة اخرى .في الوقت الذي يتم فيه تغييب إرادة هذا الشعب وتغتال أهدافه ويجري التنكر فيه لهويته الوطنية وآماله العريضةالتي رفعها ونادى بها منذ اول يوم ينال فيه استقلاله . وإما ان يستعيد الشعب السوري برغم ما ناله من طعنات وجراح وما صادفه من خيبات طوال السنوات الماضية، ثقته بنفسه فيملك هو نفسه لا غيره زمام المبادرة باستعادة وتصليب وحدته الوطنية وتعود نخبه السياسية والفكرية التي لم تفرط بمسؤولياتها الوطنية فتوحد صفوفها وخطابها العقلاني الواعي في إطار برنامج عمل واضح المراحل والاهداف في سبيل إنقاذ وطنها وولادة سورية التي حلم بها الآباء وعبدت طريقها قوافل الشهداء .


المصدر: د. حبيب حداد: ليس أمام السوريين الْيَوْمَ إلا طريق واحد من اثنين

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك