أبريل 29, 2024

كلنا شركاء: بلومبرغ- ترجمة أمجد المنير- السوري الجديد
روسيا تلك الدولة التي لم يعرف عنها التزامها الصارم بالدستور، تعرض اليوم على الأطراف المتحاربة في سوريا مسودة دستور ستُرفض على الأرجح، إلا أنها تمثل وثيقة تسلط الضوء على أهداف روسيا في دول الشرق الأوسط التي مزقتها الحرب.
قدمت روسيا مشروع دستور للسوريين الأسبوع الماضي في محادثات السلام التي اشتركت مع تركيا في رعايتها وذلك في العاصمة الكازاخية آستانا. كان رد الفعل الفوري من المعارضة غير مشجع وأشاروا للروس أنه وبعد ما فعله الحاكم الأمريكي في العراق بول بريمر، فإن السوريين لن يراهنوا كثيراً على المحاولات الخارجية لإرساء القانون في بلادهم. ولكن موسكو ردت على لسان وزير خارجيتها سيرجي لافروف أنها لا تريد من أطراف الصراع في سوريا قبول مقترحاتها جملة واحدة بل إن كل ما فعلته لا يعدو تقديم قاعدة للنقاش.
يقول لافروف “نحن على قناعة وبناءً على تجربة السنوات الخمس الماضية أنه ما لم توضع مقترحات معينة على الطاولة، فإننا لن نبدأ العمل بجدول أعمال محدد.”
يبدو هذا الكلام معقولاً ولكنه تكتيك روسي معروف جيداً يتمثل في تجميد الصراعات بدلاً من حلها في الدول التي مزقتها الحروب.
في أيار عام 2015 قدم الانفصاليون الموالون لروسيا في شرق أوكرانيا اقتراحاتهم بشأن التعديلات على التشريعات الأوكرانية والتي يمكنها من وجهة نظرهم إعادة توحيد البلاد، طالبوا بالحكم الذاتي والإبقاء على سلاح “مليشيا الشعب”، واعدين بالإبقاء على علاقات وثيقة مع روسيا وإجراء تعديل دستوري من شأنه إبقاء أوكرانيا محايدة والحيلولة دون انضمامها لحلف شمال الأطلسي. لم تبدُ هذه التعديلات المقترحة على أنها من عمل “حكومة الشعب” في شرق أوكرانيا والتي تدار ظاهرياً من المليشيات المحلية، بدا بوضوح أنها قادمة من روسيا، وكانت خطة موسكو هي أن ترفض كييف هذه المقترحات، فيبدو بذلك للعالم الخارجي أن المشكلة ليست في روسيا.
وكان هذا بالفعل ما حدث مما سمح للرئيس الروسي بأن يخبر القادة الغربيين وغيرهم من المطّلعين على هذا الشأن أن كييف لم تقدم أي تنازلات من شأنها إنهاء الحرب. لا أحد في الغرب اتفق علناً مع هذا الطرح ولكن المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين ضغطوا على الأوكرانيين في الاجتماعات المغلقة من أجل إظهار مزيد من المرونة.
بتحويله إلى صراع ممتد، تواصل روسيا تقويض استقرار أوكرانيا بتكلفة لا تذكر، فإن الطريق المباشر بالنسبة لبوتين للحصول على أوكرانيا مطيعة ويمكن السيطرة عليها هو في الاستنزاف.
ربما لم يكن لدى الثوار السوريين الوقت الكافي لمتابعة الأزمة في أوكرانيا وبالنسبة لهم فإن أي اقتراح مقدم من موسكو هو محل شك. ولكن هذا الرفض الذي لا بدّ منه وضعهم في موقف على غرار أوكرانيا. على الرغم من ادعاء موسكو بأنها تنشد الحل النهائي إلا أنها قد تكون راضية بوضعية الصراع المجمد، حيث تدير فيها روسيا بشكل أو بآخر تلك المناطق التي لا تزال تحت حكم الأسد، بينما تفعل تركيا ما بوسعها مع الجزء الذي يسيطر عليه الثوار، آخذة على عاتقها عبء محاربة داعش على الأرض مع بعض الدعم الجوي الذي تقدمه موسكو متى كان ذلك مناسباً لها. من شأن ذلك أن يعطي بوتين ورقة ضغط هو في أشد الحاجة إليها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يأمل من جهته أن تساعد موسكو واشنطن في القضاء على التهديدات التي تمثلها داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى.
على الرغم من أن الهدف الأساسي لروسيا ليس له علاقة كبيرة بمضمون مسودة الدستور التي قدمتها موسكو، إلا أن الوثيقة نفسها جديرة بالملاحظة لأنها ترسم شكل سوريا المثالية كما تراها موسكو.
نشرت وكالة أنباء ريا نوفوستي ملخص النص والذي جاء على 85 بنداً. بالرغم من العبارات الجميلة الخالية من أي معنى والتي تنص على منع الجيش من التدخل في الحياة السياسية، فإن المسودة تشير إلى ولاية رئاسية مقدارها سبع سنوات مع إمكانية إعادة الانتخاب لمرة أخرى فقط. مما يعني أن الأسد يمكنه البقاء في السلطة لمدة 14 عاماً أخرى. تلك السلطة التي سيتقاسمها مع البرلمان والذي لا يستطيع الرئيس حله بينما يمكن للبرلمان عزل الرئيس ويمكنه تعيين بعض كبار المسؤولين والقضاة الرئيسيين واتخاذ قرارات الحرب والسلم. ولكن بوتين يعرف جيداً كيف يكبح جماح برلمان له صلاحيات وسلطات كبيرة بموجب الدستور، فالبرلمان الروسي يعاني من تآكل صلاحياته لصالح الكرملين على مدى عقد من الزمن.
إن الامتياز الوحيد الواضح لصالح الثوار في مشروع الدستور هو التمثيل النسبي للجماعات العرقية والدينية في التعيينات الحكومية، والذي يشبه نسخة مخففة من النموذج اللبناني والذي بموجبه تلتزم بعض الجماعات الدينية بأخذ مناصب حكومية معينة. وبهذا الشكل فإن الأغلبية السنية لن تأخذ وقتاً طويلاً حتى تعود للمشاركة في الحكومة الجديدة.
إذا قبل السوريون المقترحات الروسية فإنهم سيحصلون مع ذلك على صفقة أفضل من الروس أنفسهم في بعض النقاط. الرئيس الروسي ينتخب لدورة رئاسية مدتها ست سنوات ويمكن أن يبقى في منصبه لدورتين متتاليتين، ثم يمكنه الترشح مرة أخرى بعد توقف فترة واحدة كما فعل بوتين عندما سمح لديمتري ميدفيدف بتولي المنصب في عام 2008 حتى عام 2012، فالنص السوري المقترح يسمح بمدتين فقط ويمنع مثل هذه الإشكالات.
كما يضع مشروع الدستور القانون الدولي مثل الاتفاقيات والمعاهدات فوق القانون السوري، أما روسيا فقد تملّصت مؤخراً من هذا المبدأ، فقد قضت المحكمة الدستورية في عام 2015 أنه وخلافاً لالتزامات روسيا الدولية فإنها -أي روسيا- ليست مضطرةً دائماً للخضوع لقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
لا تضع روسيا بوتين الكثير من الاهتمام في دستورها وخصوصاً تلك البنود الخاصة بالتعامل مع الحريات المدنية وسيادة القانون. وهي لا تتوقع من سوريا أو أي بلد آخر أن يكون ملتزماً بالقواعد والقوانين. الدساتير والقوانين في نظرها أدوات تكتيكية للتعمية والتسويف، أن يلعب بوتين لعبة أوكرانيا مرة أخرى في سوريا أمر لا يبشر بالخير بشأن إيجاد حل سريع للأزمة في سوريا.


المصدر: بلومبرغ: لدى بوتين دستور يبيعه لسوريا

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك