مايو 2, 2024

“إذا وضعت القرآن على لوحة القيادة في السيارة فهذا لن يجعل منها سيارة إسلامية، فالعلم هو العلم لا ينتمى لأي عقيدة أو أيدلوجية فكرية”، بتلك الكلمات انتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني محاولات “البعض في إيران” أسلمة العلوم والتكنولوجيا.

وجاءت هذه الانتقادات غير المعتادة في كلمة ألقاها روحاني في ختام مهرجان “خوارزمي” (مهرجان عالمي يقام في إيران).

وانتقد روحاني محاولات إصباغ العلوم بالطابع الإسلامي، قائلاً “لقد أنفق الكثيرون الوقت والأموال، من أجل أسلمة مختلف العلوم، ولكن الأمر لم ينجح”.

وأضاف أن البعض في إيران طلبوا تقسيم العلوم إلى علوم دينية وأخرى غير دينية، بل وصل الأمر إلى وصفها علوماً “معادية للدين”، وحاولوا بشتى الطرق إثبات أن أساس كل العلوم متجذر في القرآن وتعاليم الدين الإسلامي، لكنهم لم يحصلوا على أي نتائج، على حد تعبيره.

خامنئي مؤيد لأسلمة العلوم

الجدير بالذكر أن المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي كان من أشد المؤيدين لفكرة أسلمة العلوم، والاهتمام بتدريس العلوم الدينية، بدلاً من العلوم الإنسانية، التي يرى أنها صنيعة الغرب، وتعتبر “غزواً ثقافياً غربياً” يريد تدمير الثقافة الإيرانية.

لم يعارض الخامنئي فقط دراسة العلوم الاجتماعية والإنسانية، بل امتد الأمر ليشمل تدريس اللغة الإنكليزية، ففي شهر مايو/أيار 2017، انتقد خامنئي تهافت الإيرانيين على تعلم اللغة الإنكليزية، قائلاً “لماذا يتعلم أبناؤنا الصغار الإنكليزية؟ ما الفائدة؟ نحن بذلك نفيد الحكومة البريطانية والأميركية التي تصرف أموالاً باهظة لكي تهمين لغتهم على بلادنا”.

وفي بداية العام الحالي، أعلن مهدي أدهم، الأمين العام للمجلس الأعلى للتعليم في إيران، قرار منع تدريس اللغة الإنكليزية لطلاب المدارس الابتدائية، بناء على تعليمات المرشد الأعلى.

وبرَّر أدهم ذلك القرار بأنه خطوة مهمة لتعزيز اللغة الفارسية والثقافة الإسلامية الإيرانية عند الأطفال منذ الصغر، قائلاً “إن تعليم الأطفال لغة ثانية في المرحلة الابتدائية أمر غير موصى به، وليس له أي أهمية”.

لكن الخبير التعليمي مهدى خراساني، أبدى في تصريح لـ”هاف بوست عربي” معارضته لهذا الكلام، موضحاً أن كلام أدهم هو “محض هراء”.

وقال إن تعليم الأطفال أكثر من لغة، يعزز كثيراً من المهارات لديهم، ويساعد في نموهم العقلي ومستوى ذكائهم.

وكان روحاني انتقد أيضاً قرار خامنئي بمنع تدريس اللغة الإنكليزية، قائلاً “إنه يجب على الحكومة فتح الباب لخلق جيل جديد من معلمي اللغات الأجنبية، فلا بد أن يتعلم الطلاب الإيرانيون الإنكليزية والفرنسية والألمانية، لكي يستطيعوا مواكبة مجريات الأمور في العالم الخارجي”.

أسلمة العلوم بدأ مع الثورة

وبالعودة إلى انتقاد روحاني لأسلمة العلوم في إيران، يبدو أن ذلك الأمر ليس وليد اللحظة، بل يرجع تاريخه إلى بداية الثورة الإسلامية في إيران. فبعد الثورة بأشهر قليلة تم إغلاق كافة الجامعات لمدة 9 أشهر، وتم طرد آلاف المعلمين والطلاب بدعوى الثورة الثقافية.

وقتها تم تشكيل مجلس باسم “مجلس الثورة الثقافية”، الذي كانت مهمّته وضع الأسس والمعايير التي سيتم على أساسها اختيار الأساتذة والطلاب، وأيضاً الإشراف الأمني على الجامعات وإدارتها على حسب الثقافة الإسلامية.

يقول أستاذ علم الاجتماع الإيراني المقيم بدولة الإمارات العربية علي نجفي لـ”هاف بوست عربي”، إنه في ذلك الوقت أراد حكام الجمهورية الجديدة جعل الجامعات مكاناً لتدريس العلوم الدينية بالأساس، بجانب بعض علوم الفيزياء والكيمياء، وإنهاء أي وجود للعلوم الإنسانية أو العلمانية، كما كانوا يدعون.

وأضاف أن مجلس الثورة الثقافية بذل كثيراً من الجهد والأموال، لتأليف وطباعة كتب جديدة تعبر عن العلوم الإسلامية كما سموها حينها، وإثبات أن من المستطاع استخلاص أي علم من الأحاديث والقرآن، دون اللجوء إلى الأبحاث العلمية الغربية.

لكن يبدو أن تلك المجهودات من وقت قيام الثورة إلى الآن لم تؤت ثمارها، فأعرب خامنئي عن قلقه إزاء 2 مليون طالب إيراني يدرسون العلوم الإنسانية، قائلاً “إن تلك العلوم تؤدي إلى التشكيك في المعتقدات الدينية”.

لم ينتقد روحاني فقط أمر أسلمة العلوم، بل انتقد أيضاً محاولات البعض (الذين لم يسميهم) لعزل إيران علميا، قائلاً “لا يمكن لأي دولة أن تحقق أي تقدم علمي من خلال العزلة، وإنه لا فائدة من تقييد علاقتنا العلمية مع العالم”.

وطال انتقاد روحاني أيضاً محاولات السيطرة الأمنية على العلماء الإيرانيين، واتهام المقيمين منهم في الخارج بتهم التجسس وحبسهم في حالة عودتهم إلى إيران، قائلاً “من المهين أن نعامل علماءنا بتلك الطريقة، الطالب الذي يريد أن يسافر للخارج لاستكمال تعليمه أو حضور ندوات علمية لا ينبغى استجوابه قبل وبعد سفر، فلا شيء مريباً في طلب العلم، فالرسول قال اطلبوا العلم ولو في الصين”.

ويذكر أن النظام الإيراني يعتقل العديد من العلماء الإيرانيين الذين ذهبوا لاستكمال دراستهم في الخارج بتهم التجسس والتآمر لحساب دول أجنبية، وكان آخرهم أستاذ العلوم البيئية سيد إمامي، الذي تم اعتقاله بعد عودته إلى إيران من كندا، ومات في السجن، وأعلن القضاء الإيراني أنه أقدم على الانتحار.

ليخرج بعدها رئيس القوات الإيرانية المسلحة السابق، ليصرح بأن بعض علماء البيئة يستخدمون الحشرات والسحالي للتجسس على إيران.

واختتم روحاني كلمته بأن إيران كانت أصل الحضارة والعلوم والمعرفة عبر التاريخ، ويجب أن تظل كذلك، قائلاً “إيران تستطيع أن تصل إلى مستوى متقدم للتنافس مع الدول الغربية في كافة مجالات العلوم”.

واللافت للنظر أنه بعد انتهاء روحاني من إلقاء كلمته، سارع التلفزيون الإيراني في بث مقاطع مصورة عن عدد من العلماء المتهمين بقضايا تجسس، ونشرت وكالة مهر الإيرانية للأنباء تقريراً يفيد بأنه تم اعتقال 3 أشخاص في قضية التجسس المتعلقة بالبيئة.

وأول رد فعل على تصريحات روحاني جاء من رئيس القضاء الإيراني “صادق لاريجاني”، في أثناء اجتماعه بمسؤولين من القضاء، واستنكر انتقاد روحاني مشروع أسلمة العلوم قائلاً (دون أن يشير صراحة إلى الرئيس روحاني) “إن أولئك الذين يقولون إن أسلمة العلوم فى إيران قد فشلت، لا يوجد أي أساس لكلامهم”.

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك