أبريل 25, 2024

معمر عطوي: المدن
من الطبيعي أن تحظى الأزمة السورية باهتمام الرأي العام الغربي، لما لهول المشهد الدموي من أثر باتت القارة العجوز نفسها تدفع ثمن بعض تداعياته، بتحمّلها إجراءات لجوء لأكثر من مليوني سوري في دولها، ناهيك عما تقوم به على صعيد المشاركة في المفاوضات أو بدعم فصائل ثورية مسلحة تقاتل ضد النظام. 

لهذا حين تصل أصداء الحرب ممسرحة إلى عواصم ومدن أوروبية، فإن التفاعل في الوسط الثقافي سيكون له نكهة أخرى، خصوصاً في سويسرا التي تستضيف جولات محادثات مكوكية حول الوضع في سوريا.فالمسرحية السورية “بينما كنت أنتظر” للمخرج عمر أبو سعدى والكاتب محمد العطار، كانت قد حطت رحالها في مدينة برن، بعد تجوال في عشر مدن أوروبية.
الغيبوبة وفضيحة الوالد

تحكي المسرحية التي عرضت على خشبة مسرح “شلاخت هاوس” وسط العاصمة السويسرية، قصة الشاب “تيم” الذي تعرض للضرب عند إحدى نقاط التفتيش في دمشق التي تمزقها الحرب، ودخل في غيبوبة طويلة في سريره داخل المستشفى، وسط تحولات واضطرابات شخصية وعامة.
يدعو الأطباء عائلة تيم إلى مواجهة حقائق مؤلمة، نتيجة الغيبوبة التي قد يطول أمدها، خصوصاً أن العائلة ذاتها كانت قد تجاوزت أزمة عنيفة، العام 2000، حين توفي الأب تاركاً خلفه فضيحة.
أمام هذه المأساة الجديدة التي بدت فوق طاقة تحمّل العائلة وأصعب من إمكانية تجاوز تأثيراتها، يستنطق الكاتب أفراد العائلة ليبوحوا بالمكبوت وليكشفوا نمطاً علائقياً مختلفاً عما هو ظاهر يتعلق بهم وبأصدقائهم وبما هو سائد اجتماعياً، وسط تغييرات ضربت دمشق التي أصبحت الآن غريبة وقاسية في خضم الحرب الدموية.
عمق المأساة

من خلال هذا الحادث المأساوي يطل الكاتب على عالم مليء بالهواجس والمكبوتات. فيستعرض ماضي العائلة التي تآلفت حول تيم لمواجهة ليس فقط المستقبل وما يحمله من تداعيات الحرب، بل أيضاً وحشية الحاضر وإرهاصاته المحمّلة بهموم سياسية أو أمنية، والمشحونة بتعقيدات نفسية واجتماعية تدلل على عمق المأساة السورية في أكثر من اتجاه. من خلال قضية تيم التي تنحو منحى درامياً تشيخوفياً (نسبة الى المسرحي الروسي أنطوان تشيخوف)، تمكّن العطار وأبو سعدى من تحويل غرفة المستشفى تلك، الى منطقة رمادية تتأرجح بين الحياة والموت، ويعيش أشخاصها بين الأمل واليأس، كما يعبّر الكاتب.
هذا العمل التراجيدي الذي وجد أصداءً لدى رواد المسرح في برن، انتقل إلى مسرح “دامف سنترالي” في العاصمة السويسرية أيضاً، حيث عرض لثلاثة أيام تمت خلالها استضافة العديد من اللاجئين المقيمين في سويسرا مجاناً.
بحث ميداني

لقد جهد أبو سعدى في البحث عن حالات تتعلق بالغيبوبة (الكوما) فالتقى لهذه الغاية أفراد أسرة تواجه هذه المأساة فعلاً، فضلاً عن الأطباء الذين يعالجون هكذا حالات، وذلك من أجل فهم الآليات لتكون أداته في كشف أسرار ما يحدث من غرائب في بلده.
بالتعاون مع الكاتب، ينسج المخرج مستويات مختلفة من الوعي، المتأرجح في تلك المنطقة الرمادية من الإنتظار بين الحياة والموت، كما يوضح في منشور العمل.
قد يدخل هذا النوع من المسرح في سياق التعبير عن الموقف السياسي من حالة عامة تطاول الجميع. لكن البُعد الإنساني كان أقوى من الإيحاء السياسي، إذ نجح المخرج في استخراج الوجع من جوانيّة الأشخاص الذين وحّدتهم المأساة ودفعتهم للبوح بما هو مكبوت حتى في الشأن الشخصي، وعلاقته بسيطرة المفاهيم الدينية على أفراد المجتمع.
لعل المسرحية تجربة نقديّة لا تكتفي بتناول المستبد الذي يمارس هذا النوع من الإجرام اليومي والقتل والضرب والاعتقال والخطف، بل أيضاً ثمة تفاصيل صغيرة في المجتمع يكمن فيها شيطان الأزمة وهي تفاصيل تتكامل مع هول الحرب وصورها الوحشية.
“بينما كنت أنتظر” لم تنتظر في بلد واحد، بل جالت، بدءاً من براونشفايغ في مقاطعة سكسونيا السفلى الألمانية، مروراً بلوزان السويسرية، ونابولي الإيطالية، وآفينون الفرنسية، وغروننغن الهولندية، قبل أن تحط رحالها في سويسرا من جديد حيث عُرضت في جنيف وبازل وزيورخ وبرن خلال الأسابيع الأخيرة. وما زال رواد “مسرح المأساة” ينتظرون مشاهدتها، كما هو مقرر، في كل من ليل وباريس ومرسيليا في فرنسا، وفي آثينا – اليونان، لتنهي رحلتها في مدينة غاند البلجيكية.
ولا بد من التنويه بأدوار الممثلين، من محمد الرفاعي ومحمد آل رشي، إلى فاتنة ليلى وندى محمد وأمل عمران ومؤيد رميح.

اقرا:
     موسيقيون لاجئون، يأسسون أوركسترا المغتربين السوريين الفيلهارموني في برلين


المصدر: الغيبوبة السورية في مسارح سويسرا

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك