مايو 5, 2024

رزق العبي: كلنا شركاء
يجلس “مصطفى، ومحمد، ووسيم، وباقي الجيران” حول طاولة عليها كؤوس الشاي، وقبضات اللاسلكي التي باتت شيئاً أساسياً في حياة الأهالي في ريف إدلب، من خلالها يعرفون حركة ونوع سلاح الجو المتّجه من مطارات نظام بشار الأسد إلى مناطقهم في ريف إدلب المحرر.
مؤخراً، ركّز طيران قوات النظام، على استهداف مناطق متفرقة في ريف المحافظة بصواريخ من “حربي الرشاش”، وهي صواريخ موجهة، يتم تصويبها باتجاه هدف معين، كضوء أو مبنى أو ما شابه. وأكثر ما يتم استخدام هذا النوع من الصواريخ أثناء الليل، حيث تصطدم بجدار أو بالرصيف أو الشارع، لتنفجر ويخرج من فوهتها العديد من المسامير، والشظايا القاتلة.
وكل شيء يتوقعه القاتل من الضحية، إلا أن يتحوّل الموت إلى لعبة، وهذا ما يحصل تماماً في محافظة إدلب، حيث حوّل الأهالي القصف إلى سخرية ومسخرة، يتناقلونها في الشوارع وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، وكيف لا يحصل ذلك، وهم من خبروه جيداً على مدى أكثر من خمس سنوات من عمر الثورة.
في ريف إدلب على وجه الخصوص بات الأهالي أكثر خبرة ودراية بفنّ الاحتماء من الموت المحتّم، فهم يقومون بطرائق احترازية، تخفّف من أعداد القتلى أثناء الغارات.
يقول “وسيم” وهو أحد أهالي مدينة كفرنبل، ممن لم يغادروا ريف إدلب منذ اندلاع الثورة: “جرّبوا فينا كل الوسائل، براميل، صواريخ فراغية، غازات سامة، مناشير ورقية للترهيب، لكنهم لم يكسروا إرادتنا، لقد أحدثوا فينا مناعة ضدّ الخوف حتى من طائراتهم، وصار عادياً أن نودّع الشهداء، ولكن عندما تطوّر الأمر بنا، صرنا أكثر دراية، من حيث الاحتماء من القصف، واختفى شيئاً فشيئاً الارتباك أثناء وجود طائرة في السماء، فقديماً كنّا نرتبك، ولا نعرف ماذا نفعل، الآن حتى الأطفال يأخذون وضعية الاحتراز، ومن يموت فقط من يصيبه الهدف تماماً”.
وفي نفس السياق تقول “أم خالد” التي صنعت من صاروخ ضرب حارتها علبة زريعة: “حربي الرشاش أسهل ما نتعرض له، وهو من النوع (الستوك) الذي لا يؤذي إلا بشكل مباشر، وأضراره أقل بكثير من البراميل المتفجرة، وخلال الأسبوع الماضي ضرب حربي الرشاش أكثر من خمسين صاروخ على ريف إدلب الجنوبي، ولم يستشهد أي أحد منها، بينما الصواريخ الفراغية تفعل فعلتها بنا، حتى أنّي صنعت من إحدى الصواريخ التي لم تنفجر سطلاً للوردة، وصرنا نشرب القهوة بجانبها”.
خبرة عسكرية على مراحل
بدأت المعرفة العسكرية وثقافة السخرية تنتشر في ريف إدلب منذ اندلاع الثورة، حيث بدأت المظاهرات، والاعتقالات، وصار الأهالي يتناقلون بسخرية مفرطة أحاديث عدّة، فهم يعرفون نوع الفرع الذي قام بالمداهمة، من طريقة خلعه لباب البيت، وأنواع الإهانات التي يوجهها العناصر للناس، وبعدها عندما دخل جيش النظام إلى المدن والبلدات، صار حتى الأطفال يعرفون الدبابة من عربة “البي إم بي” وتحديد نوع البندقية من صوت الرصاص الصادر عنها، وهنا لا نتحدث عن فئة بعينها من الناس بل نتحدث عن كلّ الأهالي.
يقول “محمود” لكلنا شركاء، وهو عامل في إحدى المراصد التي تراقب حركة الطيران: “عندما بدأ سلاح الجوّ يستهدف المحافظة، صار الناس يعرفون نوع الطائرة من صوتها، ويعرفون من حركتها هل ستقصف أم لا، بمعنى أن الناس، صارت لديهم الخبرة، وربما الحدس المعرفي بهذه الأمور، حتى أن أكثر ما يجعل الأمور أكثر سخرية سؤال الناس وقلقهم لو مرّ يوم دون حركة طيران”.
وفي هذا الجانب يتحدث “أيمن”: “عندما تصبح الساعة التاسعة مساءً ولا يوجد طيران يبدأ الأولاد يتململون ويسألونا أين الطيران، لماذا لا يوجد طائرة اليوم، ربما القصف في حلب، أو ريف حماة، وبالمجمل لدينا قبضات لاسلكية، نعرف بإقلاع الطائرة قبل طاقمها، ونتوخى الحذر”.
مصطلحات الحياة اليومية
ومن البديهي أن يكون لكلّ مرحلة مصطلحات خاصة بها، ففي المرحلة الحالية، يستخدم أهالي ريف إدلب مصطلحات (نَكْسَتْ، دَبَّتْ، ضَرَبْ، زَتتّ) وهي مفردات تدّل على أن الطيارة استهدفت المدينة للتوّ، عدا عن أن الأهالي باتوا يعرفون نوع القصف من لون الغبار، فلو كان برميلاً فإن لون الغباء أسود بحسب الأهالي، وقد يكون استهدف مكاناً أدى لاشتعال شيء ما.
وعن أكثر جملة يسمعها الأهالي يومياً يقول “سعد”: “عبر قبضة اللاسلكي، أكثر جملة نسمعها طوال اليوم (إقلاع حربي من مطار حماة العسكري باتجاه منطقة العمل)، وبالطبع نحن منطقة العمل، والنظام يستخدم لكل منقطة رقماً، وفي كل مرة نعرف رقمنا، فيغيرون الرقم، فمرة يقول عن معرة النعمان النقطة 60 ومرة عن كفرنبل النقطة 80، وعندما يكتشف الأهالي النقطة ويأخذون حذرهم يقوم بتغييرها الطيار بعد التنسيق مع المطار، وكثيراً ما نسمع عبر اللاسلكي اختراقات المطار”.
اقرأ:
حمويون يفضلون حياة الكهوف على حياة التشرد والنزوح




المصدر: الحرب الساخرة… القصف حول الأهالي في إدلب لخبراء عسكريين

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك