أبريل 18, 2024

كلنا شركاء: Frankfurt Algemaeine Zeitung- ترجمة حازم العكلة- السوري الجديد

واحدة من القصص الكثيرة حول رحلات اللجوء، قصة “دعاء الزامل” وهروبها مع خطيبها عبر البحر المتوسط  بسبب الحرب في سوريا، والنهاية المأساوية .

ربما يتساءل القارئ عن جدوى قراءة مقال طويل حول أحد قصص اللجوء المأساوية الكثيرة؟

هل تشعر بأن هذه المآسي التي تحدث في البحر المتوسط و الظروف المؤلمة التي تحيط بالحرب السورية وما يرافقها من رحلات لجوء، هل تشعر بأن ذلك أصبح جزءاً من قراءاتك اليومية؟ هل تشعر بالاكتفاء من متابعة هذا الموضوع أو تشعر بالإنهاك من الجهود الميدانية لمساعدة اللاجئين؟

هناك أسباب وجيهة لتقتطع ست دقائق ونصف من وقتك لقراءة قصة “دعاء الزامل”، فقد تباع قريبا حقوق ملكية الكتاب الذي يتحدث عن هذه الشابة لصالح أحد منتجي الأفلام، والذي نشر قبل مدة،  لذلك فسوف تصادف هذه الشابة السورية عاجلاً أم آجلاً في قاعات السينما .

إن قصة دعاء مختلفة، فهي مفصلة وشخصية في المقام الأول، ومليئة بالدراما، وتنتهي القصة من حيث يبدأ لقاؤنا الذي أصبح اعتياديا مع الوافدين الجدد لأوروبا، إنها قصة تقود لاستنتاجات كثيرة بطريقة فريدة .

تعاظم الخوف من اللاجئين

من ناحية أخرى فإن قصة دعاء جاءت في الوقت المناسب، أو كما عبرت مؤلفة الكتاب “ميليسيا فيلينغ” في المؤتمر الصحفي الذي عقد في برلين يوم الثلاثاء الماضي: في الوقت الراهن أصبح الخوف من اللاجئين أكبر من التعاطف معهم، وهنا تكمن أهمية هذا الكتاب المبني على قصة دعاء.

إن لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة -والتي تعمل فيها فيلينغ كمتحدثة رسمية- مصلحة حقيقية في نشر هذا الكتاب والذي يزيد من وعي الرأي العام العالمي في التعامل مع الأشخاص الذين أجبروا على ترك أوطانهم .

مع العلم بأن أعداد اللاجئين قاربت ال65 مليوناً حول العالم .

كم نحيفة هي! ترتدي دعاء الزامل فستانا من الكروشيه ذا لون يذكر برمال الصحراء والمنازل الطينية، إن الفستان متوافق مع نحف الفتاة، لا يستطيع المرء أن يتخيل كيف كان حال هذه الفتاة حين اعتقلت للمرة الثانية في السجون المصرية، فقد كان وزنها حين ذلك 44 كيلو غرام فقط، مما أجبر إدارة السجن على نقلها إلى المشفى.

لم تكن ساذجة

بعد عامين ونصف، في هذا الثلاثاء المشمس في برلين، تظهر دعاء بوجه مشرق مرتدية حجابا بلون ذهبي براق، إن المرء يظن بأنها تحب الذهب، لكن أحد مشاهد الكتاب يفسر لنا سر هذا اللون:

حين وضعا (دعاء وخطيبها) نفسيهما في أيدي المهربين، في أغسطس\آب من عام 2014 ، للعبور من الساحل المصري إلى إيطاليا. كانت دعاء لاتزال تعتقد بأنها في رحلة عادية، فقد حزمت جوازي السفر وبعض المال والقليل من التمر ومياه الشرب، وأيضا كنزة ذهبية اللون.

تضحك دعاء ضحكة صغيرة تشبه ضحكة الأطفال، تبدو خالية البال تقريبا، ألوانها المفضلة هي الأسود والأبيض والوردي، وهو لون أحمر الشفاه الذي تضعه.

تعيش دعاء في السويد، إنها تعتكف على دراسة اللغة السويدية وتشعر بأن حلمها في دراسة القانون أصبح غير واقعي نظرا لصعوبة اللغة، لذا تضع دراسة تصميم الأزياء كخطة بديلة.

في حضن عائلة كبيرة سعيدة

يبدأ الكتاب في عام 2001 حيث كانت دعاء في السادسة من العمر، لقد رفضت دعاء تعلم السباحة، ذات مرة دفعها أحد أقاربها في مياه البحيرة، خرجت من الماء مضطربة ومن حينها قررت عدم الاقتراب من الماء .

فمن أولى صفحات الكتاب يدرك المرء حجم المعاناة التي كابدتها دعاء قبل أن تتخذ قرار الهروب على متن قارب متهالك، تعقب فليمينغ على ذلك “إن ذلك لم يكن قراراً ساذجا”.

لقد عاشت دعاء طفولتها في عائلة كبيرة يحيطها جو من الألفة، وكما تقول دعاء “لقد عشت طفولة سعيدة”. كان والدها يعمل حلاقاً في محله الخاص، وتعتني والدتها بتربية ست بنات وولد “ألأصغر” طال انتظاره .

إن ترتيب دعاء من حيث العمر هو الرابع بين الأخوة، تقول والدتها بنوع من الفخر بأن دعاء تملك قدرا من العناد فلا أحد يستطيع أن يملي عليها ما يجب فعله، ففي حين تزوجت أخواتها الأخريات،  كانت دعاء لا تزال تفكر بمستقبلها المهني. وأيضا حين تقدم “باسم” لخطبتها في مصر، أبدت دعاء رفضها بداية .

تقول دعاء “لقد كنت سعيدة لزواج الفتيات الأخريات، لكن كنت أعتقد بأن الزواج ليس من أولوياتي”. تقول فيلمينغ: لمن يحتاج إلى التذكير، إن من بين اللاتي يرتدين الحجاب الكثير ممن يملكن عقولاً كبيرة وشخصيات قوية .

الدبابات في الشوارع

كانت البداية من مدينة درعا، المدينة التي تنحدر منها دعاء، المدينة الصغيرة في أقصى الجنوب السوري، هنا حيث اعتقل في أوائل عام 2011 خمسة عشر طفلاً وتعرضوا للتعذيب، لأنهم كتبوا على جدران مدرستهم شعارات مناهضة للنظام الحاكم.

لقد كانت دعاء شاهدة على المظاهرات الأولى التي كانت تطالب بداية فقط بالإفراج عن هؤلاء الأطفال، وعايشت ردة فعل النظام العنيفة تجاه المظاهرات، وانضمت دعاء (كانت تبلغ 15 من العمر) إلى المظاهرات، أودعها ذات مرة أحد النشطاء مكبراً للصوت فأخفته في جلبابها وكاد أن يلقى القبض عليها من قبل الشرطة، بعد ذلك ونزولا عند رغبة والديها اضطرت إلى لزوم البيت وعدم الخروج في المظاهرات.

لقد اعتبر نظام بشار جميع المتظاهرين إرهابيين، واقتحمت دباباته المدينة. أصبحت درعا تحت الحصار، لم تستطع أسرة الزامل لعدة أيام شراء الخبز، وقام الجنود عدة مرات بتفتيش المنزل.

رغم ذلك خبأت الأسرة أحد مقاتلي المعارضة في منزلها، أصبحت الأحداث تسوء يوما بعد يوم،  وصارت الحياة اليومية أكثر خطورة، فقد تعرض محل الوالد إلى قصف صاروخي ودمر بالكامل ، وتعرضت النساء إلى مضايقات كثيرة من جنود النظام، حيث تعرضت دعاء أيضا لعداء الجنود وتخلصت من ذلك بصعوبة. تقول دعاء “لقد أحاطنا الخطر من كل جانب”.

الهروب إلى مصر

عبرت أسرة دعاء الحدود الأردنية المتاخمة لمدينة درعا، ومن هناك إلى مصر، وكان ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2012 حيث كان اللاجئون لا يزالون يلقون ترحيباً في مصر. لكن هذا تغير بعد ثمانية أشهر، عندما وصل الانقلاب العسكري إلى السلطة في مصر بعد أن أزاح جماعة الإخوان المسلمين.

تواجه عائلة دعاء صعوبات جديدة بعد أن استقرت نوعا ما، فالظروف المعيشية مزرية والعمل شاق بأجور زهيدة، مما أدى إلى توقف شقيقات دعاء الصغيرات عن الذهاب إلى المدرسة.

تقول فليمينغ: “إن السبب الرئيسي لهروب اللاجئين السوريين إلى أوروبا هو فقدان فرص التعليم في البلدان العربية”.  

في تلك الظروف كانت دعاء تحاول المساهمة في تأمين قوت الأسرة، مما جعلها تعاني مزيدا من التعب والاكتئاب: “حين فرض علي مغادرة الوطن شعرت كما لو أنني فقدت روحي، مما انعكس ذلك على صحتي الجسدية لاحقا”،  حسب دعاء.

لحسن الحظ ظهر باسم، الشاب الذي وقع في حب دعاء، والذي يكبرها بعشر سنوات وأحد أصدقاء ابن عمها.

يمضي أحد فصول كتاب فيلمينع إلى أن توافق دعاء في النهاية على الخطوبة من باسم. لقد أتاحت لهما هذه العلاقة الخروج سويا متشابكي الأيدي، لقد كانت علاقة حب جميلة.

بعد عامين ونصف من موت باسم غرقا، لاتزال عينا دعاء تلمع حين تتحدث عنه، “إن جوهر باسم رائع، هو مثال للرجل، ودود ولطيف ويحب المساعدة، لقد كان يحترمني ويحبني، حتى أنه أحب عنادي.

تذكير لجميع العالم

سيرة دعاء والتي كتبت باللغة الإنجليزية، وسوف تترجم إلى الصينية والعربية، تتميز عن غيرها بوجود قصة حب يظهر جانب العفة لدى المسلمين فيما لا يخالف المثل الغربية في اختيار الشريك.

حين وقع ظلم كبير على السوريين في مصر، بدأ باسم يفكر في الرحلة الخطيرة نحو أوروبا، فقد بدأ في التواصل مع أصدقاء يعيشون في كل من السويد وهولندا، والذين شجعوه على افتراض حياة جديدة في أوروبا .

أخذ باسم يتصفح إعلانات المهربين التي تظهر كإعلانات الشركات السياحية في موقع “فيسبوك”. وافقت دعاء بالنهاية على السفر. تقول حول ذلك “لقد كان ذلك اختياراً بين البقاء في مصر والمعاناة من موت بطيء، أو المخاطرة في عبور البحر مع أمل في الوصول”.

لم يكن هناك أمل في بناء أسرة في ظل الظروف المعيشية في مصر، “لم أكن أريد الذهاب، لقد فعلت ذلك من أجله” إلى الآن كان صوت دعاء مشرقا وثابتا، لكنها عادت تقول ببطء: “ولكن للأسف أنا هنا الآن وهو ليس معي”.

لقد باعت أسرتا دعاء وباسم مجوهرات الخطوبة، وتم جمع أموالٍ من الأقارب، من أجل تأمين مبلغ 2500 دولار التي طلبها المهربون.

كانت هناك ثلاث محاولات قام بها دعاء وباسم، في المحاولتين الأولى والثانية ألقي القبض عليهما من قبل خفر السواحل المصري، واعتقلا فترة من الزمن. في المرة الثالثة استطاعا صعود القارب المتهالك.

في اليوم الرابع من الرحلة تعرض القارب للاصطدام من قارب آخر عمدا، غرق القارب ولم ينجُ إلا أحد عشر شخصا من أصل 500 كانوا على متنه، من المرجح أن المهاجمين كانوا متعاونين مع ذات المهرب، لقد كانت جريمة قتل جماعي، فقد أوقفوا القارب وصاحوا بهم “سوف يأكل السمك أجسادكم”.

إن المرء يتألم حين يقرأ ما جرى لدعاء في الأيام الأربعة التالية للاصطدام والتي قضتها في دولاب النجاة قبل أن تنقذها سفينة يملكها شخص ألماني. مشهد الغرق يحتل 28 صفحة من كتاب فيليمينغ ما يميزه عن نشرات الأخبار المختزلة حول غرق القوارب.

أجساد تسحب من قبل المروحيات، الرجال الذين ابتلعهم البحر بعد أن فقدوا ستر نجاتهم، الجثث في كل مكان.

قبل أن يموت باسم أمّن لصديقته التي لا تجيد السباحة دولاب سباحة خاص بالأطفال، والذي استطاع حمل دعاء التي التقطت طفلتين (واحدة رضيعة تبلغ ثمانية شهور والثانية عمرها سنتان) كان ذوو كل منهما قد عهدوا إليها بإنقاذهما، لقد شاهدت دعاء غرق الجميع أمام عينيها. بقيت الطفلة ذات العامين على قيد الحياة، وهي تعيش مع عمها في السويد.

لا تزال دعاء الزامل إلى هذا اليوم تتابع الصور الملتقطة لضحايا البحر “هذا يجب أن أتحمله لوحدي، أنا أرفض اعتبار الهروب عبر البحر أمراً خاطئاً، الإنسان لا يندم على شيء أجبر على فعله”. لاتزال دعاء تضع الخاتمين اللذين أهداهما باسم لها، وتقول بأنها لن تخلعهما أبدا.

ملاحظة : كتاب مليسيا فليمينغ تحت عنوان “دعاء ..الأمل حملني عبر البحر” يقع في 296 صفحة

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك