مايو 4, 2024

كلنا شركاء: وائل عصام- القدس العربي
بعد نحو ثلاثة اعوام من فض الاشتباك الدموي بين تنظيم «الدولة» وشقيقه «جبهة النصرة»، وبالرغم من تباعد ساحات المواجهة جغرافياً، الا ان روح العداء بين «اخوة المنهج» الذين يهيمنون على معظم مناطق المعارضة في سوريا ظلت متأصلة بينهم أكثر حتى من باقي الفصائل المسلحة.
واستمرت محاولات كل فريق للنيل من الآخر على مختلف الاصعدة، اعلامياً وتنظيمياً وحتى امنياً، من خلال نشر خلايا للتجسس وتنفيذ عمليات اغتيال، لتعلن «النصرة» وحلفاؤها «المنضوون في تشكيلات متغيرة الاسماء باستمرار» عن اعتقال خلايا لتنظيم «الدولة» دون التوثق من مصادر محايدة عن دقة المعلومات الواردة في اعترافات تلك الخلايا.
«القدس العربي» التقت بأحد المعتقلين السابقين في سجن «جبهة النصرة» الشهير في ادلب «سجن العقاب» بجبل الزاوية، وروى تفاصيل اعتقال احدى الخلايا الأمنية لتنظيم «الدولة» والتي يرتبط بأحد عناصرها بصلة قربى ورافق بعضهم خلال فترة التحقيق في المعتقل.
تبدأ قصة الخلية منذ اشهر عندما قرر تنظيم «الدولة» تنفيذ عمليات أمنية في عمق معقل «جبهة النصرة» التي كانت تقود «جيش الفتح» حينئذ، لترسل خمسة عناصر من الرقة لمدينة ادلب، لتنفيذ عمليات اغتيال وخطف لعناصر من «جيش الفتح»، ويقول المعتقل السابق لـ»القدس العربي»: «اقام العناصر الخمسة في إدلب المدينة، وكانوا جميعا ينتمون لمحافظة ادلب، وهذا ما ساعدهم على العمل بسهولة لمعرفتهم بالمدينة واهلها.. لكن العنصر الاهم في تسهيل ادخال هذه الخلية من الرقة لادلب هو مجموعة من عناصر جند الاقصى بادلب كانت موالية لتنظيم الدولة»، ويوضح المعتقل السابق قائلاً «اعتمدت الخلية على التعاون مع هذه المجموعة من جند الاقصى المتمركزة في ادلب، ويبدو ان من ساعد على اكتشاف موقع الخلية لاحقا بعد مراقبة حسب ما عرفت من المعتقلين المرافقين لي بسجن العقاب هم مجموعة اخرى من جند الاقصى اقرب لجبهة النصرة وكانوا منتمين سابقاً لأحرار الشام»، وكان عدد من اعضاء هذه المجموعة التي تعاونت مع الخلية منتمين لتيار «لواء الأقصى» الذي انشق عن «جند الأقصى» وغادر لمناطق تنظيم الدولة قبل ايام قليلة، بعد اشتباكات دموية مع «النصرة» و«جيش النصر» الذي ينتمي كثير من عناصره للقرى نفسها التي ينتمي لها عناصر «لواء الأقصى» في ريف حماة وادلب، ومن ابرز قادة التيار الذي يمثل «لواء الأقصى» ابو عبد الله الغزاوي، ابو ذر الصوراني، ابو احمد حاس، وابو حسين هرموش وهو ابن عم قائد «الجيش الحر» السابق الذي انشق عن النظام ببدايات الثورة السورية وقتل في اشتباك مع «النصرة» في بلدة كفرزيتا بريف حماة بعد مناظرة دعي اليها بين شرعيي «لواء الأقصى» المقربين من تنظيم «الدولة» وشرعيي «النصرة».
ولكن الحدث الأمني الأبرز الذي ادى لاكتشاف وجود الخلية، هو القاء القبض على احد عناصرها وهو يحاول زرع عبوة ناسفة في احد مواقع «فيلق الشام»، الفصيل المقرب من الإخوان المسلمين، ليتم التحقيق معه ويعترف بباقي اعضاء الخلية تحت التعذيب الشديد، ويضيف المعتقل السابق «قام عناصر الخلية بتغيير البيت الذي يقطنونه في ادلب، بعد اعتقال زميلهم، وبعد فترة تم التعرف على الموقع الذي يسكنونه بتعاون على ما يبدو من مجموعة اخرى من جند الاقصى، وتم محاصرة الموقع بـ 150 مقاتلاً من جبهة النصرة، ودار اشتباك مع عناصر الخلية ، فجر اثنان منهم احزمتهم الناسفة، وقتل اثنان من القوة المهاجمة، وسلم اثنان من اعضاء الخلية انفسهم بعد ان حصلوا على الامان، واعتقل عنصر اخر كان بالصدفة في بيتهم، ونقل عناصر الخلية المعتقلون لسجن العقاب».
وفي سجن العقاب، دارت فصول المرحلة الأخيرة من عمر هذه الخلية، حيث خضع العنصران اللذان سلما نفسيهما لتحقيق مكثف على مدى اشهر طويلة، لكشف خلايا أخرى لتنظيم «الدولة»، وتعرضا لعمليات تعذيب في المعتقل ادت إلى فقدان أحدهما لبصره، ويقول المعتقل السابق الذي كان يرافقهما في سجن العقاب «الجميع يعرف مدى قسوة سجن العقاب، انا مثلا لم اكن متهماً ضمن الخلية، لكن بسبب اني أمتّ بصلة قرابة لأحد أعضاء الخلية، ولأنهم وجدوا في هاتفي رسالة عادية منه، اعتقلت لعدة اشهر، اصعب تلك الفترات كانت في الزنزانة المنفردة، والمنفردات في سجن العقاب صعبة للغاية، عبارة عن حفرة في الجبل ولها نافذة حديدية لا يدخلها الضوء ابداً، كأنها قبر تماماً، اما باقي عناصر الخلية فقد تعرضوا لعمليات تحقيق مع الضرب و«الشبح» لعدة ساعات، لدرجة ان احدهم فقد بصره».
ولعل أبرز أساليب التعذيب التي رواها المعتقل السابق وغيره ممن سجنوا في معتقل العقاب، هو ما يدعى «التابوت»، وهو صندوق حديدي يضغط فيه المعتقل وهو واقف على قدميه لساعات طويلة تصل لثلاثين ساعة، ويتم استخدام ضاغط يدوي لتشديد «كبس» لوحي الحديد على المعتقل.
وبعد أشهر من التحقيق المستمر، تم إعدام العنصرين المعتقلين من خلية تنطيم «الدولة»، ويقول المعتقل السابق انه احتج لدى القاضي الشرعي الذي كان يحقق معه ومع افراد الخلية والمشتبهين بالتعاون معها، احتج على قرار اعدام احد اعضاء الخلية، باعتبار انه أعطي الأمان من عناصر «النصرة» الذين هاجموا موقعهم حين الاعتقال، وانه كان يملك حزاماً ناسفاً وبندقية قنص وقام بتسليم نفسه لأنه أعطي الأمان بعد مقتل زملائه بالاشتباك نفسه، ولكن القاضي الشرعي في سجن العقاب كان يقول انه قتل عناصر من القوة المهاجمة لهم، مما دفع المعتقل السابق للتساؤل مستهجناً «ولمن يعطـى الامـان ؟! للمـدني مثـلاً ام للمـقاتل؟».
ويقول المعتقل السابق الذي يروي تفاصل اعتقال هذه الخلية لـ«القدس العربي»، ان ابو مارية القحطاني القيادي بـ«جبهة النصرة» والمنشق عن تنظيم «الدولة» كحال معظم قيادات «النصرة»، زار المعتقل في أحد الأيام، والتقى بالسجناء، ومنهم اعضاء الخلية المعتقلون، وكان يخاطب عناصر التنطيم بـ«غلمان داعش»، وبدأ يتحدث عن تجربته مع التنظيم وكيف انشق عنه، واصفاً اياه بـ«الكذبة التي انطلت على الناس»، مضيفًا انه في إحدى المرات تحدث عن ان «الشيعة ايضاً اتفقوا مع السنة على ان تنظيم الدولة خوارج وان هذا يعني ان المسلمين اجمعوا على ذلك»، وهو تعليق يبدو غريباً من سلفي جهادي لا يستشهد عادة بمواقف الشيعة الفقهية، المعروف ان ابو مارية القحطاني المنتمي لقبيلة الجبور، كان من قيادات تنظيم «الدولة» في سوريا، قبل ان ينشق عنه خلال التنازع في دير الزور والمنطقة الشرقية، وسبق ان شن هجمة شديدة ضد تنظيم «الدولة» متهما قياداته بـ«البعثية» و«الصدامية»، رغم ان القحطاني كان ضابط امن في فدائيي صدام قبل سقوط بغداد عام 2003، وظل اخوه غير الشقيق مسؤولاً في الدائرة الصحية لتنظيم «الدولة» بالموصل حتى العام السابق.
المصدر: معتقل سابق في سجون (النصرة) يروي تفاصيل اعتقال خلية لتنظيم (داعش) في إدلب

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك