مايو 19, 2024

بسام البدارين: القدس العربي
لا أحد من السياسيين في الأردن يمكنه تصور ما الذي دار في «الذهن الملكي» عندما تعلق الأمر بالملامح العلنية المرصودة لرسالة الأولويات التي وجهت لقائد الأركان المشتركة الجديد الجنرال محمود فريحات بعد مشاركة مثيرة للجدل في «الاشتباك السياسي والإعلامي» طوال أربع سنوات لسلفه الجنرال مشعل الزبن الذي بقي الآن بصفته المدنية مستشارا عسكريا في مؤسسة القصر.
الفريحات جنرال عسكري وميداني محترف عرف بتواضعه الاجتماعي وميله الشديد لتجنب الأضواء وأي زحام، ووجوده برأي مقربين على رأس مؤسسة الأركان يؤشر ليس فقط على «أولويات جديدة» بل على تغيير كبير في المربع الخاص بدور المؤسسة العسكرية وواجبها الأمني والوطني .
عمليا مؤشر التغيير الأقوى في السياق يبرز مع الإجراءات التي تضمن للجنرال الفريحات مساحة مستقلة ومهنية من العمل بعيدا عن كل الأضواء بما فيها تلك التي أحبها أو مال إليها الزبن خصوصا عبر بعض الإعلاميين.
وجود فريحات على رأس أهم مؤسسة «سيادية» في البلاد تطلب أو سيتطلب إحالة ستة جنرالات على الأقل يفوقونه بالرتبة والأقدمية في رأس الهرم مما يوحي بوجود خطة محكمة في الإطار المرجعي.
تكليف الملك العلني للفريحات تضمن ثلاث نقاط أساسية تعيد الترسيم المؤسساتي الوطني..إعادة هيكلة القوات المسلحة بما يخدم التطور العصري والظروف الحالية في المنطقة ثم تعزيز إمكانات حرس الحدود تحديدا مع التركيز على المعركة الأساسية ضد «الخوارج وعصابات الإرهاب».
وثالثا العمل ضمن رؤية موحدة للتنسيق مع المؤسسات الأمنية الشريكة في الأمن الداخلي تحديدا.
يعني النص على هذه التكليفات من «القائد الأعلى» بأن مثل هذه المهام والواجبات لم يكن من الممكن الآنتقال إليها مع الهرم الإداري السابق كما يعني ـ وهذا الأهم- الإقرار بحصول «مشكلات» في التنسيق خصوصا مع الحلقات الأمنية في الماضي وهو ما تأمر المرجعيات بتـجاوزه تمـاما.
الإشارة هنا واضحة برأي محللين سياسيين إلى الخلل الذي حصل في منظومة التبادل المعلوماتي في عمليات عدة مواجهة للإرهاب حصلت مؤخرا.
عند الخوض في التفاصيل يمكن الإشارة لقصور حلقات التنسيق في مواجهة عملية الركبان الشهيرة التي أودت بحياة ثمانية من أفراد حرس الحدود وفي عملية مداهمة إربد أيضا.
وعند الخوض أيضا يمكن توقع بأن المرامي العميقة للتكليف الملكي تحاول لفت النظر لأن طبيعة المرحلة والظروف المعقدة في الجوار والإقليم لا تحتمل بعد الآن الاسترسال في مرحلة «عدم التنسيق» التكاملي خصوصا على الصعيد الاستخباري ولا المنافسة كما كان حصل مرات عدة في الماضي.
لم يعد سرا الآن أن الجنرال السابق مشعل الزبن كان على خلاف مع بعض الجنرالات في مؤسسات أمنية وأن المؤسسة المرجعية رصدت مباشرة حجم القصور التنسيقي قبل الإقرار ضمنيا به.
في كل الأحوال يؤسس القرار المركزي لحالة جديدة اليوم تنطوي على تجديد كبير يخفف من مستوى الازدحام في الصلاحيات خصوصا الميدانية .
ونضج العملية يظهر مع أجندة زمنية عميقة تأخرت دون إهمال في مجال الإجراء الوقائي خصوصا وأن أهلية الجنرال فريحات مسألة خارج النقاش بالنسبة لكل أوساط المجتمع الخبير في الوقت الذي تحتفظ فيه مؤسسة الجيش بمكان متصدر دوما في وجدان الأردنيين.
المطلوب عليه تعاون أكثر على صعيد التنسيق وخصوصا الاستخباري بين الجيش والأجهزة القادرة على تحصل المعلومات من الخارج والمحيط خصوصا عندما يتعلق الأمر بواجبات حماية الحدود الأردنية وتحديدا مع سوريا والعراق حيث تنظيم «الدولة» (داعش) والتنظيمات المماثلة في مساحة جغرافية قريبة و»يتم التعامل مع تلك العصابات يوميا وبما تستحقه» كما قال لـ «القدس العربي» الناطق الرسمي وزير الاتصال الدكتور محمد مومني.
سياسيا يمكن القول أيضا إن التركيز في خطاب التكليف الملكي العلني للجنرال فريحات على «حرس الحدود» يؤشر على «توقعات خاصة» لما يتعلق بجنوب سوريا قد تكون «وشيكة» وهي توقعات تطلبت أصلا وجود أكثر الجنرالات خبرة في المنطقة الشمالية لا بل أحد أولادها على رأس الهرم المؤسسي.
لا توجد معلومات محددة عن ما يمكن أن يحصل لاحقا في جنوب سوريا لكن وجود الفريحات في العرف المهني يعتبر خطوة باتجاه تسليم خبرة محترفة للواجب تفاعلا مع تطوير تقنية «الحذر» الأردنية بالتوازي مع الاستمرار في الاستعداد لأي محاولة لعبور الحدود تنتج عن أزمة الجنوب السوري.
ثمة من يردد وسط سياسيي عمان تقديرات باشتعال محتمل لجنوب سوريا عسكريا في الأيام المقبلة وبضرورة الانتباه للسيناريو الذي يقول بأن تداعيات مثل هذا الاشتعال ستكون من بينها محاولات «هروب مسلحين» عبر الحدود لشمال الأردن.
ما تتطلبـه المواجهة بالمدلول العسكري الاستعداد للتنسيق الجمـاعي على المستوى الوطني في الأردن ووجود رجل خبرة قتـالية و «عملياتية» عسكرية من طراز الجنرال فريحات في القيادة وهو على الأرجح ما حصـل.
اقرا:
وزير العمل اللبناني: سأشرّع الباب لأصحاب العمل السوريين لفتح مؤسساتهم في لبنان!



المصدر: تنشيط تقنيات (الحذر) الأردنية وقراءات (أمنية) تستعد لاشتعال محتمل في (جنوب سوريا)

انشر الموضوع