أبريل 25, 2024

يونادم يونادم: كلنا شركاء
يوم 19 أكتوبر 2005 وبينما كان (ويلي) يجلس داخل حظيرة طائرة في قاعدة جوية في عَّمان بالأردن منتظًرا نقله إلى بغداد٬ ظهر على التلفزيون صدام حسين في مناقشة حادة مع القاضي وهو يصرّ على أنه لا يزال رئيساً للعراق.
كان ذلك في أول أيام محاكمة الديكتاتور السابق “لم أعر الأمر أي اهتمام مطلقاً” كما يتذكر (ويلي). كان التحالف الدولي قد أنشأ محكمة خاصة يعمل بها قضاة وممثلو ادعاء عراقيون للقيام بالإجراءات القانونية التي تتفق مع المعايير الدولية. ولكن الحكومة العراقية استبدلت القضاة الذين رأت أنهم يتعاطفون مع محامي الدفاع، وبعد أيام من ظهور محامي صدام حسين في نشرات الأخبار تم اغتيال اثنين منهم.
في بداية 2006 وظف التحالف (ويلي) لكي يقوم بتقديم استشارات للمحامين الذين كان دفاعهم الأساسي عن صدام يستند على أن المحكمة نفسها غير قانونية٬ فقاموا بشكل دوري بمقاطعة الإجراءات، ثم غادروا العراق وتابعوا الجلسات على شاشة التلفزيون.
بالنسبة لويلي لم تكن هذه المحاكمة عن “صدام في حد ذاته” بل كانت “لإرسال إشارات الى مجتمع وقع ضحية للصراع على أنه اعتبارا من ذلك الوقت سيستند الحكم في هذه الدولة على أساس من القانون” ثم حث المحامين على العودة إلى العراق والدفاع عن موكلهم.
في النهاية عاد محامو صدام حسين إلى المحكمة ٬ ولكن قبل نهاية الجلسات بوقت قصير تم اختطاف محامٍ ثالث ٬ وفي اليوم التالي وجدوه جثته مشوهة. ألقى الأعضاء المتبقون من الفريق باللوم على الحكومة العراقية ولم يظهروا لإلقاء المرافعة النهائية. صاغ (ويلي) كلمة محامي الدفاع عن صدام وقرأه محامٍ عراقي عينته المحكمة. واعترض صدام بالقول: “لقد كتب المرافعة النهائية كندي. أنا أعرف أنه جاسوس”.
كان من الواضح أن المحكمة ستدين صدام٬ ولكن وجهة نظر (ويلي) كانت أن حياته يجب ألا تهدر. بدًلا من ذلك، وبعد سبعة أسابيع في قاعدة عسكرية تسمى (معسكر العدالة) تم شنق صدام حسين ٬ بينما كان الحراس الشيعة يستهزئون به. وبعدها تم إيصال جثمانه إلى منزل رئيس الوزراء من أجل عرضه ضمن احتفال
وبقي (ويلي) في بغداد عامين آخرين قام خلالهما بملء مذكرات الدفاع لأعضاء سابقين في نظام صدام. وقد قال لي أحد مسؤولي العدالة الأمريكيين إن مجهودات (ويلي) لجلب الإجراءات الواجبة إلى المحكمة “بطولية”.
عندما غادر (ويلي) العراق عام 2008 قام بإنشاء مكتب خاص للاستشارات اسمه (تساموتا) ليساعد الحكومات الغربية ووكالات الأمم المتحدة في منع جرائم الحرب داخل الدول التي قد تتعرض للاضطرابات، وذلك من خلال تدريب الشرطة بالإضافة إلى أعضاء في القوات المسلحة والأمن والخدمات الاستخباراتية ليتمكنوا من التصرف بشكل مطابق للقانون الدولي.
في نوفمبر 2011 سافر (ويلي) إلى إسطنبول مع اثنين من زملائه في مكتب (تساموتا) لتدريب السوريين على جمع أدلة ستكون مفيدة للادعاء. وكان هناك مستشار أمني يعرفه قد قام باختيار بعض النشطاء السوريين الشباب والمحامين الذين تمت دعوتهم لترشيح أصدقاء موثوق بهم، وقد انبهر (ويلي) بشجاعتهم ٬ وان كان يعتقد أن أساليبهم غير فعالة، اذ “كانوا يميلون في تلك الأيام إلى التجوال حاملين كاميرات فوتوغرافية وكاميرات فيديو وهواتف ذكية ليصوروا هجمات النظام على المناطق الحضرية ثم يضعون مادتهم على اليوتيوب” وقد ذكر لي “ان أول شيء فعلناه هو أننا شرحنا لهم أن هذا يكاد يكون بلا قيمة كدليل جنائي” بدون إثباتات “إنكم تخوضون مخاطرات كبيرة – وبالفعل كان العديد من الشباب يقتلون أو يصابون وهم ينتجون فيديوهات أو صوًرا- بلاجدوى”. على سبيل المثال فإن تصوير قصف جوي لمستشفى على سبيل المثال لا يوفر أي دليل على أن الهجمة كانت مخططة من قبل المسؤولين الكبار الذين هم موضع اهتمام نظام العدالة الدولي. يقول (ويلي): “يحتاج الشخص أن يثبت ان عليهم مسؤولية جنائية فردية”.
بحلول ذلك الوقت كانت الآلاف من القوات الحكومية قد هربت من الخدمة وانضمت إلى الكتائب الرثة المكونة من الفلاحين المحليين والعمال البسطاء. بعض المقاتلين صنعوا مفجراتهم بأنفسهم وأطلقوا قذائف من مقاليع عملاقة. قصفت القوات السورية المساحات الضئيلة التي كان هؤلاء المتمردون يسيطرون عليها. كان العديد من النشطاء الذين يحضرون جلسات التدريب في إسطنبول يعيشون في مناطق محاصرة. علمهم (ويلي) كيف يلتقطون الصور وكيفية تقدير مقياس فوهات المدافع ومقدار زوايا الصدمات٬ واستعمال الشظايا لتحديد نوع السلاح المستخدم وحساب نقطة الانطلاق. ولكنه قال : “الشيء الأكبر الذي أردنا أن يركزوا عليه هو توثيق البيانات والوثائق الصادرة عن الحكومة” والذي وصفه انه بمثابة “ملك أو ملكة الأدلة في الإجراءات الجنائية الدولية”.
بعد جلسات التدريب القليلة الأولى دعا (ويلي) (ستيفن راب) الذي كان في ذلك الوقت السفير الأمريكي لشؤون جرائم الحرب للتحدث مع السوريين الذين كان عددهم قد وصل إلى بضعة عشرات. كان الرجلان قد التقيا قبل عقد من الزمن بينما كانايعملان في محكمة رواندا ٬ ناقش (ويلي) (وراب) وهما يحتسيان المشروبات في إسطنبول إمكانيات إنشاء مركز توضع به الوثائق التي يتم الاستحواذ عليها والتي يمكن أن تستخدم في يوم من الأيام في تلك المحاكمات. كانت الأمم المتحدة قد أطلقت لجنة للمساءلة والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سورية ٬ ولكن سلطتها لم تمتد إلى الادعاء وبدًلا من التعامل مع الوثائق فإن الأمم المتحدة اعتمدت في الأغلب على مقابلات مع شهود أجريت في معسكرات اللاجئين وعبر السكايب. قال لي (راب) “أغلب الأدلة التي جمعوها لن تكون متاحة للادعاء” ٬ لأن الأمم المتحدة عاهدت الشهود على السرية التي ليست لها مدة محددة، وان المحاكمات ستكون علنية.
عندما عاد النشطاء والمحامون — بعد ان تحولوا الى محققين — إلى سورية، صاغ (ويلي) خطة لإنشاء لجنة العدالة والمساءلة الدولية، فوضع لها ميزانية. ومع أن بريطانيا استمرت في دعمها إلا أنه قد ثبت أنه من الصعب العثور على متبرعين آخرين. تخصص الحكومات الغربية مئات الملايين من الدولارات سنوياًّ لمشاريع حقوق الإنسان ٬ ولكن ويلي قال لي إن ردهم المعتاد كان ” مشروعك هو شيء تفعله الحكومات أو تفعله الأمم المتحدة وتفعله المحكمة الجنائية الدولية”.
في النهاية استطاعت لجنة العدالة والمساءلة الدولية بمساندة من (راب) أن تؤمن ثلاثة ملايين يورو من الاتحاد الأوروبي. لاحقاً تعهدت ألمانيا وسويسرا والنرويج والدنمارك وكندا بالإستمرار في التمويل .
اقرأ:
يونادم يونادم: ملفات بشار الأسد السرية..الانتفاضة (2/9) 



المصدر: يونادم يونادم: ملفات بشار الأسد السرية..المحققون (9/3)

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك