مايو 19, 2024

وفيق عرنوس: كلنا شركاء
مضت على سورية خمس سنوات كانت فيها ولا زالت مسرحآ لاقتتال الدول الاقليمية و الدولية برعاية الولايات المتحدة الامريكية غير ابهة بحجم التخريب و القتل و التشريد و افراغ سورية من اهلها و حرمان عدة اجيال من التعليم بقصد اشاعة الجهل و الفقر في عموم انحاء سورية
لقد نجحت اميركا في اطالة امد الحرب من خلال خلق بؤر ارهابية و صناعة جماعات تحت مسميات اسلامية (و الاسلام منها بريء) قامت بتدريبها و تمويلها و الاشراف على منهجية عملها مباشرة او بطريقة غير مباشرة (قطر) و وزعتها في كل من العراق و سورية و سهلت لها طرق التواصل تحت شعار محاربة الاستبداد في حين لا زالت ترعى الاستبداد في دول حليفة لها في المنطقة.
لقد كانت حادثة الحادي عشر من سبتمبر في اميركا انذاراً بشعاً و غير مسبوق لما ادعي قوى ارهابية و كان هذا العمل مدان دولياً و شعبياً لكن ادارة بوش الابن و ظفته و اتخذت منه ذريعة لمحاربة دول بعينها و جندت له معظم دول العالم في حلف عريض عنوانه محاربة الارهاب ، لكن اميركا لن تذهب في سلوكها لمحاربة الارهاب فعلاً بل ذهبت لمحاربة دول الطوق حول اسرائيل و على رأسها العراق زوراً و بهتاناً عملاً بنصيحة مكاتب الدراسات الصهيونية بغية خلق ظروف امنية افضل لدولة اسرائيل .
لقد كان سقوط العراق و انهاء الدولة هناك وفتح الابواب للنفوذ الايراني و كذلك املاءات كولن باول وزير خارجية اميركا انذاك على النظام السوري و تهديد الدولة التي استقبلت اكثر من مليوني عراقي من مختلف مكونات و احزاب بما فيها قيادات من حزب البعث امر مثير للجدل لدى الادارة الاميركية التي عانت حرباً عبثية و قتال عنيف راح ضحيته الاف الجنود الاميركيين.
إن الادارة الاميركية لم يهدأ لها بال في منطقة الشرق الاوسط سيما و انها رأت في الحرب الاميركية على العراق خطأ بل جريمة ارتكبتها بحق جنودها و شعبها اولاً و بحق الشعب العراق ثانياً الذي قاتل و لايزال يقاتل كل وجود غريب في بلاده لذلك نحت الادارة الاميركية الى صناعة وصفة جديدة سمتها الربيع العربي و الذي استقبلته شعوبنا بالابتهاج و التفاعل ظناً منها بأن الدول الغربية جادة في ارساء الحرية و الديمقراطية في بلادنا و قد غاب عن شعوبنا بأن الغرب لا يريد لنا الحرية و انه هو الداء و الدواء لكل متاعب شعبنا و ما حل به من نكبات مستفيداً من اموال دول الخليج في اذكاء نار القتل و التخريب و بنفس الوقت ابتزاز اموال الدول النفطية في حرب لا هوادة لها و لا دور حقيقي في وقفها.
لقد اصيبت ادارة بوش الابن بالغرور و الاستعلاء و العظمة ظناً منها بأنها قادرة على ادارة العالم و السيطرة على جميع المفاصل الاستراتيجية و مناطق وجود الثروة و قد ساعدها على ذلك فترة انهيار الاتحاد السوفيتي و غيابه عن المسرح الدولي، هذا الامر وضع الولايات المتحدة امام مسؤوليات كبيرة جداً لان مشاكل العالم في ظل العولمة اصبحت متعددة الجوانب في مختلف دول العالم و خرجت بعض خلايا الارهاب من تحت عباءة امريكا و فقدت اميركا مصداقيتها في رعاية الديمقراطية و نشر الحرية في دول الشرق الاوسط حيث جاءت ادارة اوباما بعكس توجه بوش و حاولت اصلاح ما يمكن اصلاحه من تخريب و تجاوزات فقامت بسحب الجيش الامريكي من العراق و اعلنت رغبتها باغلاق سجن غوانتنامو و اظهرت بأنها لم تكن مرتاحة لان تكون امريكا القطب الاوحد بالعالم لان مشاكل العالم اكبر من ان تحتويها و تعالجها دولة واحدة مهما كان شأن هذه الدولة و قوتها و في الوقت ذاته برزت روسيا الاتحادية بقيادة بوتين الذي تمكن من اعادة هيكلة نظام بلاده و صناعة جيل جديد مؤمن بروسيا الدولة العظمى و التي تملك كل وسائل القوة بما فيها تاريخها المجيد و رؤيتها الثاقبة في حماية الشعوب بعيداً عن الفكر الاستعماري القديم متمسكة بأخلاق المشرق التي تحمي العهود والمواثيق وتحافظ على معنى الصداقه التي بناها الاسلاف ، وكان اول دليل على ذلك حماية سورية من ضربة امريكية كانت معدة لها في عام ٢٠١٣ م اثر استعمال السلاح الكيماوي من قبل النظام وخوفا من تسربه الى مجموعات مسلحة مثل حزب الله وغيره ، لقد التقت رغبات امريكا وروسيا في حماية اسرائيل وبدأ مشوار التنسيق بين الدولتين امريكا وروسيا ، لم تكن سورية في دائرة الاهتمام الامريكي وقتها الا بقدر حماية امن اسرائيل والاقليات بعكس الاهتمام في العراق ونفط العراق وطرق الامداد لذلك جاءت مباركة اوباما واطلاق يد الروس في سورية وبتنسيق امريكي مشروعا متفق عليه حتى في اطار المؤسسات الدولية ( مجلس الامن وهيئة الامم المتحده )
لقد ادركت الولايات المتحدة من خلال الحروب الدائرة في سورية العراق و اليمن و خاصة في سورية عجزها عن وقف النار التي اشعلتها لذلك جاءت رغبتها في الاستفادة من روسيا الاتحادية في معالجة المسألة السورية بعد ان تأكدت من عجز قطر و السعودية على رعاية هذا المسار الذي قذف بناره خارج حدود سورية و اصبح يهدد الامن الاوروبي و الدولي بشكل عام .
ان تناوب الادوار في مجلس الامن بين امريكا و روسيا فيما يخص المسألة السورية يعني سياسياً قبول الاتحاد الروسي شريكاً ليس فقط على مستوى سورية بل سيكون له دور في اليمن و ليبيا و دول اخرى و ان انزياح مصالح بعض الدول باتجاه روسيا مثل تركيا لم يكن بعيداً عن رغبة اميركية ليطمئن بها الروس على تجميد دور حلف الناتو على الاقل في هذه الفترة في منطقة الشرق الاوسط كذلك اهمال الدور الاوربي عن قصد في اي مساهمة جدية في سورية و بروز الدور التركي يعني المساهمة في انجاح الدور الروسي في منطقة الشرق الاوسط، الا ان السؤال المبهم و غير المقروء ما هو الدور الامريكي و الروسي من دولة ايران التي باتت خطراً ملموساً من خلال غرورها و اعلانها السيطرة على اربعة عواصم عربية و وصولها الى مياه البحر المتوسط و تهديدها لأمن دول الخليج الامر الذي ترفضه اسرائيل و اوروبا و على رأسها بريطانيا التي سارعت من خلال رئيسة وزرائها بالاعلان المباشر عن مخاوفها و استعدادها لدعم الخليج عسكرياً و تعبوياً.
ان وجود ايران في بعض الدول العربية عامه و بشكل خاص سورية لن يكون مدعاة ارتياح للشعب السوري الذي يرفض تجزئة بلاده و سيطرة اي دولة او جنسية على شعبه املاً في ان يكون مؤتمر الاستانة في مصلحة و حدته و وقف القتال و التوجه الى اعادة البناء و انهاء النكبة السورية بكل ما تركته من ذيول.
ان الشعب السوري سوف يقدر الدور الروسي الشجاع اذا نجحت المساعي الروسية لوقف الحرب و حماية الامن و الحفاظ على سورية دولة مستقلة موحدة لكل ابنائها دون تفريق دولة ديمقراطية علمانية يسود فيها القانون و تنزع الاحقاد و توجه كل الكفاءات و الجهود لاعادة الاعمار.
اننا نامل ان ينعكس التوافق الامريكي الروسي انجازا خلاقا لوقف الحرب في كل من العراق و سوريا و ليبيا و اليمن و ان يعم الامن و الامان كل منطقة الشرق الاوسط بل و كل انحاء المعمورة.



المصدر: وفيق عرنوس: هل أمريكا تبحث عن شريك؟

انشر الموضوع