أبريل 29, 2024

وفيق عرنوس: كلنا شركاء
لاشك ان مفاهيم القرن التاسع عشر وما نتج عنها من شعارات تتعلق بدول الطوق حول اسرائيل وانشاء مشروع دول الممانعة قد باتت مفاهيم بالية وليس لها أي معنى جيوسياسي في أيامنا هذه وخاصة بعد سقوط بغداد واحتلال العراق من قبل امريكا وحلفائها الدوليين والإقليميين مما أتاح للسلطة الدينية في إيران الدولة المجاورة للعراق بفرض هيمنتها عليه تحت غطاء ديني وطائفي .
ان خريطة العلاقات بين دول المنطقة تبدلت تماما وتغير الأولويات على المستوى الدولي والإقليمي وبات اعداء الامس أصدقاء اليوم والعكس صحيح ، وغابت الروح الوطنية القومية المعادية لإسرائيل عن المسرح السياسي أمام النكبة الكبرى التي حلت بالمنطقة بفعل من كانوا بأصدقاء الأمس وأصبحت معركتنا مع إسرائيل مؤجلة من حيث أهميتها إلى زمن غير مسمى نتيجة لعدم قدرة دول الجوار عن القيام بأي دور جدي بعد أن استنزفت عسكريا واقتصاديا وبشريا وعجزت كما عجزت معها الحكومات العربية ( الدول النفطية) عن المساهمة بهذه المهمة التاريخية تاركة فراغا سياسيا كبيرا استفادت منه إسرائيل على كافة الأصعدة لتجنيد طاقاتها الدبلوماسية مع الأصدقاء وغيرهم وبذل جهودها لاستمرار الحرب في سورية والعراق واليمن وليبيا وربما تنفجر في دول عربية أخرى مرشحة لها و تنتظر مصيرها السيئ .
ان إستراتيجية الرئيس حافظ الأسد في خلق مشروع دول الممانعة ضد اسرائيل في عام 1973 وما بعدها قد تآكل وسقط بيد أصحابه قبل أعدائه ، وإذا كنا صادقين مع وطننا وشعبنا وأجرينا حساباً بسيطا لواقع دول (الممانعة ) ، فان أول ما يتبادر إلى الذهن هو كيف أن أصدقاء الأمس أصبحوا أعداء اليوم ؟ فحزب الله مثلا الذي نمى وتدرب في سورية ليكون درعا قويا لمساندة المجهود الحربي للشعب السوري في مواجهة إسرائيل أصبح يتدخل في الحرب التي تشن على هذا الشعب الذي شكل الحاضنة الحقيقية له والتي استقبلته بالورود والقلوب في عام ٢٠٠٦ كما أن إيران التي وقف شعبنا مع ثورتها عام ١٩٧٩متفائلا بنجاح ثورتها للاستعمار الانكلوسكسوني والتي مثلت في وقت قصير حليف لدول الممانعة في محاربة اسرائيل و رفع راية العلم الفلسطيني في رحاب طهران باتت و بمشوره امريكية عدوا شرسا لكلا من العراق و سوية و اليمن و دول عربية اخرى في ظل غياب مشروع عربي شامل مستخدمة اعتى الاسلحة الطائفية المقيتة و التي تعود الى الماضي و تزكرنا بمفاهيم العصور الوسطى.
ان هذا السلوك لإيران سيؤدي ألى تفتيت جغرافية المنطقة وتكالب المصالح الدولية عليها وهو في النتيجة سيكون في خدمة إسرائيل أولاً شئنا أم أبينا ، وهي بدلاً من استنفار طاقاتها في مواجهة هذا الكيان العدواني توجه طاقاتها لمواجهة العرب والعروبة ومحاولة الهيمنة على الإسلام متجاهلة ما تقوم به إسرائيل من تخريب في القدس وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة .
إن محاولة إيران تقديم نفسها للغرب كقوة إقليميه قادرة ومستعدة لحماية مصالحه برا وبحرا على حساب دول المنطقة ودعمها لقوى متطرفة دينية أو طائفية كما يجري في اليمن مثلاً من تدخل وانتهاكات تفضي لتقسيم اليمن لن يكون لصالحها بل سيؤدي هذا السلوك إلى الانقلاب عليها حتماً .
ان نظرة سريعه الى عدد ضحايا اسرائيل عبر سبعون عاما لايشكل رقما كبيرا اذا ماقيس بعددضحايا الصراع الطائفي خلال السنوات القليله في العراق وسورية واليمن والذي تقوده ايران جهارا من خلال تنظيمات أعدت خصيصا لهذه المهمه فهل هذا بربكم لايصب في مصلحة اسرائيل ،
ان التعصب القومي الفارسي ضد العرب والعروبة لا زال يأخذ بعده التاريخي قبل الديني و هو فلسفة السلطة القائم في إيران منذ الشاه وحتى الآن لكن السلطة الحالية تحاول أن تغلفه بغطاء ديني الامر الذي يقرب المسافة بينها وبين الإدارة مع الاداره الأمريكية وتلتقي بذلك مع الإسلام المتطرف الممثل في القاعده وداعش وهذا ما سيكون له تأثيره على مستقبل المنطقة وتنفيذ مشروع التقسيم على غرار اتفاق سايكس – بيكو عام ١٩١٧ م
ان سقوط مشروع الممانعة والشهوات المتعددة لابتلاع الشرق الأوسط تستدعي من العرب كل العرب شعوبا وحكومات بناء مشروع جديد يحفظ لنا ماتبقى من مكانة وحضور يقوم على مايلي :
١- بناء نظام عربي سياسي وعسكري واقتصادي يوفر وحدة القرار واستقلاله
٢- حماية واستقلال الدول العربية والحفاظ على نظامها مع الأخذ بعين الاعتبار صلاح الأنظمة السياسية فيها بما يتفق مع مفاهيم العصر وترسيخ الديمقراطيه والمساواة وحقوق المواطن والإنسان .
٣- تشكيل جسم واحد للدفاع عن مصالح الامة كاملة تحت مسمى مثلا ( الجيش العربي ) وبقياده وغرفة عمليات واحده
٤- تشكيل ودعم هيئات دراسات علمية وثقافيه على مستوى الوطن بكامله لرصد المخاطر المحدقة بالوطن ،
٥- تنشيط وتفعيل المؤسسات الإسلامية الفاعلة لصيانة الإسلام الحقيقي والإنساني والحفاظ عليه ، وفرز الاسلام المصنع من أمثال القاعده وداعش واخواتها وتعريته بكل الوسائل المتاحة ٠
ان اختلاف الرؤيا الاستراتيجيه للدول الاقليميه بل المكونات الثلاث ايران – تركيا- العرب وخلفيات هذه المكونات وما نتج عنها من صراعات داميه وتخريب لبنية الدوله العميقه في كلا من العراق وسورية واليمن وما يرسم لمتابعة التخريب وافساد بنية مجتمعاتنا في مجمل دول الخليج العربي وغيره لآمر مثير للاهتمام والدهشه اذ تعيش اسرائيل على حساب هذه الصراعات اجمل حياتها السياسيه من هدوء وامن للتتفرغ الى ادارة الصراعات وتعميقها وتفريق المجتمع وتمزيق الاوطان على مسمع ومرآى الدول المدعيه ظلما وبهتانا بان حربها هذه وتجنيد فرق الموت الطائفيه العابره للدول انما تأتي في اطار الدفاع عن الممانعة مستهينة بعقول ملايين البشر في بلادنا ساعية الى تهجير اهلها وقتل شبابها وهدم مدنها لتبقى لقمة سائغه امام حلم اسرائيل الكبير، وبرعاية قوى إقليمية من دعاة الممانعة ، امام كل هذا التخريب المتعمد الا يحق لنا ان نشك بطموحات الدول الاقليميه تلك في العبث والخداع لمشاعر شعوبنا العربية الاسلامية وهل آن الآوان لحكومات المنطقه ان تتمكن من فرز الغث من الثمين وتعود الى شعوبها المؤمنه بالارض والمدركه اهمية الوطن وحرية الوطن وآمنه بعيدة عن الشعارات المزيفه والخادعه في دول إسلامية لا زالت تحلم بإعادة نظام الإمبراطورية.
ان الحفاظ على الاسلام الحقيقي الانساني هو في حقيقته درء الخطر عن العروبه لانها القاعده الفعليه للحفاظ على الاسلام وان الاسلام عمليا هو اللباس الضامن والحامي للعروبة فلا إسلام بدون عروبة ولا عروبة بدون إسلام .
اقرأ:
وفيق عرنوس: وجهة نظر لمستقبل المنطقة



المصدر: وفيق عرنوس: الخديعة في المفاهيم

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك