مايو 18, 2024


وائل عصام: الفدس العربي
أحيانا تبدو حالة الفصائل في سوريا كدوري أندية كرة القدم، لكل ناد متعهد وجهاز إعلامي وجمهور، يسانده في معاركه، بغض النظر إن كانت معارك ذات مغزى استراتيجي حقيقي أم مجرد عمليات محدودة التأثير زمنيا ومكانيا، بينما لم تعد هناك أي نظرة جمعية مسؤولة. فالهجوم الأخير على حلب هو بقيادة النصرة بلا شك، والجهاديين من تركستان وأشقائهم بمشاركة من فصائل أخرى كالأحرار والفيلق والزنكي وغيرهم، ومع ذلك فإن كل الشخصيات الثورية التي كانت تهاجم القاعدة والنصرة والجهاديين يوميا أسبغت عليها مسحة ثورية مقدسة. وكالعادة استخدمت العناوين الفضفاضة ك «جيش الفتح» والجيش الحر، والثوار، لتحشيد التأييد من كل التيارات المتناقضة والمتنازعة فصائليا وحزبيا داخل المعارضة السورية. والمفارقة أن كل الفصائل المعارضة في سوريا اليوم ليست قادرة على شن أي هجوم على النظام من دون قيادة النصرة، وسواء كانت فصائل مقربة من الإخوان كفيلق الشام والأحرار، أو فصائل مرتبطة بغرف التسليح التابعة للحكومات العربية والغربية، لذلك ابتدعت هذه التوليفة العجيبة مع خصمها النصرة من أجل استمرارية وجودها على الساحة، مدعومة بتحشيد إعلامي هائل من وسائل الإعلام المقربة من الدول الداعمة مقابل معارك لا يبدو أنها ستحقق خرقا أو إنجازا جديدا فيها بالمقارنة مع مسيرة السنوات الخمس السابقة من خريطة معارك حلب.
فمنذ أكثر من عامين والنظام يخنق حلب ما عدا منفذ وحيد هو طريق الكاستيلو الذي عاد وقطعه منذ أيام ليطبق حصاره على المدينة. ومنذ أكثر من عامين لا تكاد تسمع معركة واحدة حقيقية داخل مدينة حلب في حال أشبه بالهدنة فكيف يمكن أن يتوقع مراقب موضوعي للحالة أن هذه الفصائل نفسها التي سمحت بهذا التراجع وتسببت به هي نفسها تستيقظ الآن فجأة ليس فقط لكسر حصار حلب وإعادتها لمربع ما قبل أسبوعين بل لتحرير حلب بالكامل! كما تم الترويج له. وليس صعبا على المراقب والمطلع على تفاصيل الحالة في حلب بل وفي عموم سوريا ملاحظة أن النظام حقق تقدما لافتا في العام الأخير وتمكن من الحفاظ على معظم المواقع الاستراتيجية بدءا من مراكز المدن حتى الطرق الرئيسية في سوريا الحيوية مقابل تراجع وانحسار نشاط الفصائل المعارضة التي لم يبق من قوتها القتالية القادرة على مواجهة النظام سوى الجهاديين منهم، جند الاقصى، التركستان، المهاجرون، أنصار الدين، والنصرة. وحتى هذه الفصائل ومعها تنظيم الدولة في المناطق الشرقية تعرضت لهجمات بدعم روسي قلصت كثيرا من مناطق سيطرتها ونفوذها. وعلى مدى الأعوام الماضية تسود حالة الكر والفر جبهات حلب مع ترجيح كفة النظام. ومنذ الأيام الأولى لمعارك شهدناها عن قرب مثل حصار المخابرات الجوية، ودوار الليرمون، وثكنات عسكرية كهنانو ومدفعية الزهراء، وسجن حلب المركزي، نجح النظام في الحفاظ عليها رغم حصارها لأشهر، واستعادتها عندما تسقط، وكثير من القادة الذين عشنا معهم هذه المعارك عن قرب لعامين متتالين، رحلوا وهم يحاولون اقتحام هذه المواقع الاستراتيجية كمحمد الاعور، وسلوم قائد النصرة، والعديد من المقاتلين الأفذاذ من أبناء ريف حلب الشمالي من فصائل محلية أخرى. كل هذه المعارك كانت تجري حينذاك في وضع أصعب لقوات النظام لذلك لا يبدو أن خرقا كبيرا كالسيطرة مثلا على ساحة عبد الله الجابري وسط حلب يمكن أن يحصل في هذه الأيام والنظام في أفضل حالاته عسكريا وسياسيا. أما السيطرة على حي هنا، والانسحاب من حي هناك، فهو أمر لا يعدو سوى تكرار لمناوشات لا قيمة استراتيجية لها مستمرة منذ سنوات.
هذا الحجم من التحشيد الإعلامي المساند للفصائل في معركتها الأخيرة بحلب فهو برأيي ليس سوى محاولة لمنح الناس جرعة من الاحتفال ولو لأيام، ولو على صفحات التواصل الاجتماعي، وهو أيضا محاولة من قبل تلك الأطراف والدول الداعمة لتبرئة نفسها من ذنب الفشل في إدارة معركة المعارضة أمام النظام على مدى السنوات الخمس الماضية.



المصدر: وائل عصام: تبرئة من ذنب الفشل

انشر الموضوع