مايو 18, 2024

وائل عصام:  القدس العربي
يبدو التدخل التركي شمال سوريا مقيدا، فبالرغم من انه يهدف أساسا لمنع اتصال كيان «روج آفا» الكردي جنوب تركيا إلا انه لم يستهدف حتى الآن بصورة مباشرة وبعملية عسكرية مناطق سيطرة الميليشيات الكردية بل مناطق تنظيم «الدولة»، وكانها المساحة المسموح أمريكيا لتركيا بالتدخل فيها، لتكسب أمريكا طرفا جديدا يحارب عنها التنظيم، دون ان تحقق تركيا هدفها الأصيل بتوجيه ضربة حقيقية للمشروع الكردي الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء التركية منذ سنوات.
الأمر الثاني الذي يعقد مهمة الأتراك، هو انه حتى في حال السيطرة على الشريط الحدودي الضيق المعني بالعمليات الممتد لبضع العشرات من الكيلومترات من جرابلس شرقا حتى اعزاز غربا، وحتى لو تعمقت العملية لتصل مشارف مدينة الباب جنوبا، فان اقليم «روج آفا» الكردي يمكن له الاتصال من خلال جنوب هذه المنطقة العازلة الحدودية، من منبج حتى مشارف مارع وتل رفعت التي تسيطر عليها ميليشيات الأكراد وصولا لعفرين، وفي حال تم ذلك فان إقليم الأكراد السوري سيتصل من الحسكة حتى عفرين، وسيكون لبنة أخرى في حلم الدولة الكردية الكبرى المتصلة من أربيل ودهوك حتى عفرين غربا، ومن كركوك جنوبا حتى أطراف ديار بكر التركية حيث  يقاتل أنصار أوجلان منذ نصف قرن أملا باستقلالهم عن أنقرة.
علينا ان لا ننسى ان هذه الحملة هي خطة بديلة معدلة عن مشروع المنطقة العازلة الذي أعلنته تركيا منذ أكثر من عام دون أي نتائج، ودعمت في سبيله مجموعات من الجيش الحر لتهاجم تنظيم «الدولة» شرق اعزاز على مدى الأشهر الماضية، لكن تلك الحملة فشلت تماما في تحقيق أي تقدم يذكر بريف حلب الشمالي، بل ان الميليشيات الكردية أكملت سيطرتها على معظم ريف حلب الشمالي وفصلته عن شمال حلب بالتحالف مع قوات النظام في بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين.
قبل ان تتقدم القوات الكردية نحو غرب الفرات لتشن هجوما على مدينة منبج بدعم جوي أمريكي، وحينها فقط تمكنت قوات الفصائل المدعومة من تركيا من التقدم نحو جرابلس بعد ان أصبحت المدينة ساقطة عسكريا ومحاصرة من الأكراد في منبج جنوبا والفرات شرقا والحدود التركية شمالا، وهذا ما دعا تنظيم «الدولة» للانسحاب دون أي قتال من جرابلس.
هذا الواقع يجعل وللمفارقة ان ميليشيا الأكراد التي سيطرت على منبج هي في الحقيقة من مهدت وأمنت النجاح للخطة التركية بالاستحواذ على جرابلس دون أي مواجهة مع تنظيم «الدولة»، لتتوقف تلك القوات عند حدود منبج شمالا بعد ان أعلن الأمريكيون ان تفاهما تم مع تركيا لمنع الهجوم على قوات الأكراد والمجموعات العربية الموالية لهم في منبج، وهو ما يظهر حجم القيود في العملية التركية ضد النفوذ الكردي دون قتال ميليشياتهم المدعومة من حليف انقرة، الولايات المتحدة.
ولعل الأتراك وجدوا في استعادة العلاقة مع روسيا فرصة لتأمين غطاء دولي لعمليتهم، بعد خبو علاقتهم بالأمريكيين واختلافهم معهم فيما يتعلق بأولوياتهم في شمال سوريا، بل ان أنقرة فضلت التنسيق مع روسيا وإيران للتحرك شمال سوريا، وأعلن نائب رئيس الوزراء التركي ان النظام السوري كان على علم بالعملية من خلال موسكو.
وتبدو الكثير من التعقيدات التي تواجه خطة المنطقة العازلة الحدودية، فهذه العمليات ستؤدي لنزوح أعداد جديدة من المدنيين، وتتسبب بدمار جديد لعدد من القرى السنية شمال حلب، مما سيخلق غضبا شعبيا ويثير تساؤلات ملحة عن سبب امتناع كل الأطراف والدول الداعمة لقوى المعارضة السورية عن استهداف خصم المعارضة السورية الأول وهو النظام السوري والمجموعات الكردية المقربة له شمال حلب.
أما على الصعيد الميداني، فالفصائل المدعومة تركيا أثبتت تواضع امكانياتها عن مواجهة تنظيم «الدولة» شمال حلب منذ أكثر من عام، حتى مع الدعم الجوي، وهي أيضا لا تبدو قادرة على مواجهة القوات الكردية المدعومة من حليفها نفسه، الولايات المتحدة، ولا تركيا تبدو راغبة بتأجيج النزاع مع الأمريكيين بالصدام بحلفائهم، لتقع مواجهة بين مجموعات ممولة من «سي اي ايه» وأخرى من البنتاغون كما تندرت احدى الصحف الأمريكية. 
وتبقى المعضلة الأهم ان أي محاولة لخروج العمليات عن مناطق التفاهم الأمريكي التركي خارج سيطرة تنظيم «الدولة» بالشريط الضيق قرب الحدود سيؤدي بلا شك لصدام مع الأكراد، وهكذا ستكون الحملة أمام عدوين هما تنظيم الدولة والأكراد، ونار صديقة أمريكية.
اقرا:
وائل عصام: داريا والمعضمية.. وطوق دمشق الريفي الذي أقلق النظام



المصدر: وائل عصام: (درع الفرات) عملية ضد الأكراد دون قتال ميليشياتهم

انشر الموضوع