مايو 15, 2024

تجرأت وسألته لماذا يصوت للرجل الذي يكره العرب والمسلمين والمكسيكيين والسود والنساء، فقال لي، دون أن يدرك الناقض في عبارته، “لأنه يشبهني!

وائل السواح: هنا صوتك
أعيش في أقصى مدينة في الغرب الأمريكي، سان دييغو، وفي ضاحية هادئة تقطنها الطبقة الوسطى، وهي الناخب الأكبر في الولايات المتحدة. قريبا مني يقيم رجل وامرأته، سافر أولادهما إلى حيث يحصلون تعليمهم العالي في مدن أخرى. الرجل والمرأة أبيضان في العقد الخامس، لطيفان وودودان. أُغرما ببساطة عيشنا، نحن العائلة السورية المهاجرة، وفتنا أكثر من أي شيء آخر بالأطباق الصغيرة التي نسكبها لهما بين الفينة والأخرى: مجدرة، بابا غنوج، وخاصة التبولة.
قال لي الجار وهو يقف أمام باب منزله يحتسي قدحا من البيرة بعد يوم عمل طويل: “سأصوت لترامب”. لم أكن قد سألته، فقد تعلمت أن هذا من الأمور الخاصة التي لا يجب السؤال عنها. لذلك فاجأتني عبارته. وفاجأني أكثر نبرته الاعتذارية. فكأنه كان يقول:” أنا آسف، أعرف أن ترامب لا يرحب بالسوريين، ولكنني سأصوت له”. تجرأت وسألته لماذا يصوت للرجل الذي يكره العرب والمسلمين والمكسيكيين والسود والنساء، فقال لي، دون أن يدرك الناقض في عبارته، “لأنه يشبهني!”
كيف يشبه الملياردير الفج دونالد ترامب جاري اللطيف الذي يعمل رجل حماية في شركة عملاقة براتب يقل عن 45 ألف دولار سنويا قبل الضرائب؟ يمتلك ترامب نفس اللغة والخطاب الشعبوي، يستخدم لغة بقواعد سهلة وتعابير يومية. وهو يكرر كلماته ومصطلحاته ليؤكد عليها كما يفعل الأمريكي العادي.
أنهى جاري دراسته الثانوية والتحق بمعهد لمدة سنتين في ولاية إنديانا المحافظة، دون أن يكمل دراسته الجامعية. وهو أب لثلاثة أولاد جميعهم اليوم في الجامعة.
“كيف يشبهك ترامب؟” سألت الرجل الذي كان ينهي الجرعة الأخيرة من زجاجة البيرة. أجاب: “إنه لا يتعالى علينا، ويفهم همومنا. يريد أن يخلق فرص عمل كثيرة ويمنع المهاجرين من القدوم إلينا. يريد إعادة أمريكا إلى مجدها الغابر”. لم يكن يقصد جاري أنه يسيء إلي، فهو يحدثني كأنني أمريكي مثله.
وعد ترامب بتأمين فرص عمل كثيرة وبإعادة الشركات الكبرى للإنتاج في أمريكا بعد تخفيض الضرائب عليها، ووعد أيضاً ببناء سور كبير بين الولايات المتحدة والمكسيك يمنع المكسيكيين من العبور إلى الأراضي الأمريكية ويجبر الحكومة المكسيكية على دفع الكلفة، وأخيراً وعد بوضع خطة لإنهاء داعش خلال ثلاثين يوماً.
كيف سيفعل ذلك كله؟ ليس لدى جاري إجابة شافية، وأحسب أن ليس لدى ترامب نفسه إجابة.
زوجة جاري لن تصوت لترامب. هي ستصوت لهيلاري كلنتون، ومن دون تردد. لماذا؟ سألتها يوماً، فأجابت: “لأننا بحاجة إلى شخص يفهم في السياسة الخارجية من جانب، ويستطيع الوقوف في وجه سيل الكراهية والتطرف الذي يجتاح فئة من الأمريكيين”. ونظرت إلى زوجها مداعبة.
الزوجة كاليفورنية أصيلة، ليبرالية كمعظم الكاليفورنيين، وقد درست الاقتصاد وتخرجت من جامعة عريقة في سان فرانسيسكو، وتعمل مستشارة مالية في شركة معلوماتية.
حظ ترامب مع الجامعيين قليل، بمن فيهم البيض، وهو يشبه حظه لدى النساء، بسبب فلسفته الذكورية. فرسالته الانسحابية لا تلقى هوى لدى غالبية المثقفين الأمريكيين. ولكنه سيفوز على الأغلب في الولايات التي تقل فيها نسبة الجامعيين والملونين، مثل أوهايو وايوا. حظوظ كلنتون أكثر في الولايات الليبرالية مثل نيويورك وكاليفورنيا. وتبقى الكلمة الأخيرة للولايات المتأرجحة ككولورادو وفلوريدا.
هل لترامب حظ في الفوز؟ يستطيع الأمريكان أن يفاجئوا أي متنبئ أو مراهن. فالأمة التي فاجأتنا إيجابيا عام 2008 بانتخاب رجل أسود وابن لرجل مسلم، يمكنها أن تفاجئنا سلباً بانتخابها لرجل قالت عنه الواشنطن بوست إن مستواه في اللغة والقواعد لا يتعدى مستوى تلميذ في الصف الخامس، يتحدث بلغة شعبوية ويشتم منافسيه بعبارات شارعية: كاذب، محتالة، بل ويلمح إلى إمكانية اغتيال منافسته من قبل لوبي حمل السلاح الفردي.
ولكن المسألة ليست فقط في أن يكسب الانتخابات أو يخسرها، فثمة من يقول إن الرجل حتى لو خسر الانتخابات فسيعتبر فائزاً. ثمة نهج غريب على الحياة السياسية الأمريكية استعاد روحه منذ أيام الثلاثينات والأربعينات، وهو ما عبرت عنه إحدى مناصرات ترامب، بيتسي ماكوغي، حين قالت للسي إن إن، النساء الأمريكيات سيكنّ “عرضة للاغتصاب من اللاجئين المسلمين والسوريين” كما يحدث في أوروبا. وحين سئلت عن مصدر المعلومات قالت إنها الصحف الأوربية. ولكن لدي شك كبير في أن السيدة تعرف أي صحيفة أوروبية.
ولكن لنعد إلى جاري وزوجته. الرجل بالتأكيد ليس من دعاة الكراهية وليس من أنصار منع المسلمين من دخول الأراضي الأمريكية. والزوجة سيدة مثقفة ودمثة المعشر. كلاهما يدعواننا للعشاء أحيانا ويريدان أن يعرفا أكثر عن داعش والنصرة والإزيديين. والدرس الذي تعلمته منهما أن الزوجين يستطيعان التصويت لرجلين مختلفين ويبقيان مع ذلك زوجين سعيدين.
اقرأ:
وائل السواح: اليوم التالي قد بدأ


المصدر: وائل السواح: جاري سيصوت لترامب وجارتي لكلنتون

انشر الموضوع