مايو 2, 2024


ميرنيس كوفاتش – حرييت – ترجمة وتحرير ترك برس
 تخدم الدعايةُ السياسةَ بالطريقة نفسها التي تخدم بها الإعلاناتُ التجارةَ. وليس غريبا في خضم الأزمة داخل أوروبا أن البحث عن كبش فداء صار بضاعة رائجة. يعلمنا التاريخ أن الضعفاء كانوا دائما المرشح الأقوى لدور كبش الفداء، هذا الدور حُجز اليوم، ويا للأسف، للمسلمين، إذ يبدو أن امتهان الإسلام هو أفضل تعويض عن غياب الشعبية .
وبغض النظر عن الكيفية التي يُنظر بها إلى الإسلام والمسلمين بوصفهم تهديدا ( وبغض النظر عن مشاكلهم الداخلية) فإن الإسلام والمسلمين في الواقع هم أكثر ضحايا مجرمي سياسة التدخل الخطيرة للتحالف الأوربي الأطلسي في العقدين الماضيين. خلق هؤلاء المجرمون بجلاء الفوضى في الشرق الأوسط. 
وإذا تتبعنا اليأس في المجال الحيوي للإسلام ( في سوريا فقط وصل عدد القتلى إلى قرابة خمسمائة ألف شخص) فيمكننا أن نرى بسهولة حالة طويلة من الحصار على الصعيدين الداخلي والخارجي، هذا الحصار يعمق معاناة شعوب الشرق الأوسط يوميا، ويزيد من تدمير النسيج الاجتماعي وتماسك مجتمعاتها. هذا الحصار يدفع ملايين البشر إلى البحث عن الأمن والأمان في أي مكان خارج منطقة الحرب. وفي الآونة الأخيرة كانت الدول الغربية أكثر الوجهات شعبية بالنسبة إلى اللاجئين ( وليس المهاجرين مثلما يطلق عليهم خطأ عن عمد). ومن المفارقات أنهم يبحثون عن ملاذ في بلاد الحكومات التي تسببت تقريبا في أزمتهم بسياسة التدخل اللأخلاقي. وصلت الأزمة السورية الحالية إلى ذروتها، وصارت تهديدا جديا بصراع دولي كبير.
في الآونة الأخيرة أسهم الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند في الدعاية الشائنة لشيطنة الإسلام والمسلمين، قال أولاند لمؤلفَي كتاب نُشر أخيرا بعنوان ” لا ينبغي لرئيس أن يقول ذلك ” الذي كتبه الصحفيان الاستقصائيان في صحيفة لوموند فابريس لوم وجيرار دافي: ” إن فرنسا لديها مشكلة مع الإسلام”، جمع الصحفيان مادة الكتاب من مقابلات صحفية خاصة مع السيد أولاند، وذكرا علنا آراء أولاند حول مختلف القضايا في الشأن الفرنسي والدولي، اعترف أولاند في الكتاب، حسب ما ذكرت أخيرا صحيفة لوموند، بوجود مشاكل مع الإسلام والمسلمين، ونقلت الصحيفة عنه قوله في هذا الكتاب المثير للجدل ” هناك كثير من المهاجرين الذين يصلون إلى فرنسا ولا ينبغي أن يكونوا فيها ” ، وتابع قائلا ” لا يشكل الإسلام المشكلة بمعنى أنه دين خطير، ولكن بمعنى أنه يشكل خطرا ما دام يرغب في تأكيد نفسه دينا للجمهورية”.
ربما كانت المشكلة الكبرى اليوم في أوربا التي يُزعم أنها تمثل حضارة ترتكز على العقل،هي أنها تفتقر أكثر من أي وقت مضى إلى الإنسانية المشبعة بالعواطف، رفع الفلاسفة الأوروبيون المعاصرون مفهوم العاطفة الفردية إلى مستوى القيمة، لكن هذه القيمة تفقد بالتأكيد نفسها في أعقاب أزمة هوية أوروبية أوسع، وهذا واضح  في المجتمعات الأوروبية المتطورة، ولاسيما في فرنسا التي يقودها أولاند. هناك مشكلة واضحة تتمثل في الحركات الشعبوية، وهي تشير بوضوح إلى متاعب مع الهوية، وقد رأينا ذلك في النجاح غير المتوقع “للبريكسيت”، فما هو حجر العثرة المقبل في أوروبا؟
عندما اندلعت الاحتجاجات في ضواحي باريس قبل عشرة أعوام، أضرمت خلالها النيران في السيارات والمباني، أطلقت بعض وسائل الإعلام عليها ” الانتفاضة الفرنسية” أي أنها منحتها صبغة عربية إسلامية، بيد أن أعمال العنف تلك كانت ضد القيود المفروضة على الاندماج، وخاصة القيود المفروضة على الاندماج الاقتصادي. كانت تلك أعمال شغب على النمط الغربي، ولم تكن صداما بين الشرق والغرب. طالب المتظاهرون لأنفسهم ولأطفالهم بالشيء نفسه الذي حصل عليه الآخرون فعليا.
هناك مشكلة عامة في أوروبا مع الحركات الشعبوية التي يمكن أن تلحق ضررا خطيرا بفكرة أوروبا. لأي سبب تصاغ الهوية الأوروبية اليوم؟ وهل هذه الهوية ممكنة؟ لا أحد يستطيع الإجابة عن هذا السؤال في الوقت الحالي، ولكن إذا كانت لدينا اتهامات بأن مشاكل أوروبا جميعها مردّها إلى جماعات المهاجرين المعزولة الخطيرة، وهي الاتهامات التي تصدر من أبرز المناصب السياسية في القارة العجوز، فإن هذا يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة ليس بالنسبة إلى أوروبا فحسب بل بالنسبة إلى العالم بأسره، يمكن ملاحظة ذلك في إعلان ساركوزي ( إذا فاز بترشيح يمين الوسط) الذي يَعدُ بسياسات صارمة شديدة العداء للمهاجرين في فرنسا.
قبل عام وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2015 عندما استقبلت أوروبا الشرقية آلاف اللاجئين دق “فيكتور أوربان” رئيس الوزراء الهنغاري، أجراس خطر مماثلة. بعد وصول موجات من اللاجئين الذين طردوا من بلادهم في الشرق الأوسط هتف السيد أوربان بأن “الإسلام لا ينتمي مطلقا إلى أوروبا”. وبعد أن هدأت القضية قليلا، وبعد أن شاهدنا جميعا أن السيد أوربان لديه مشكلة مع سياسة الاتحاد الأوروبي للهجرة التي لم تتمكن هنغاريا من الامتثال لها، رأينا بوضوح كيف وصل رئيس الوزراء المجري إلى أسهل الحلول،  وهو إثارة الخوف من الإسلام والمسلمين . هل حل أوربان المشكلة ؟ لا،  ولكن السيد أوربان لديه زميل مماثل في تفكيره من دولة أوروبية أقوى بكثير تعتمد على قوة عاملة مهاجرة منذ أكثر من قرن، ويتكون خُمس سكانها في الوقت الحالي من المهاجرين أو من أبناء المهاجرين، والسؤال هو إلى أين يقود هذا الخطاب الخطير؟.
هل نشهد الدعاية نفسها التي تُبنت ضد يهود أوروبا في بداية القرن العشرين؟ نعلم جميعا إلى أين يمكن أن يؤدي هذا النوع من الكراهية، هل مسلمو أوروبا هم كبش الفداء الجديد في أوروبا؟ هل سيكونون بديلا لليهود مثلما حدث في بداية القرن العشرين قبل وقوع المحرقة اليهودية ؟
لسوء الحظ أثبتت أوربا أكثر من مرة أن لديها القدرة على التحول إلى الظلام، وأنها تخفق في الوفاء بوعدها بألا يتكرر ما حدث في البوسنة والهرسك. من الخطورة بمكان محاولة حل المشاكل الجيوسياسية الحالية بالطرق السهلة والمخاوف والشعبوية، وهذا هو المؤشر الرئيس لأزمة الهوية.
لماذا تطرح الهوية الأوربية اليوم؟ هل لديّ الحق بوصفي مسلما أوروبيا أصليا، في أن أطرح هذا السؤال؟ هل أوروبا قارة مسيحية؟ هل تتمسك بالقيم المسيحية؟ هل العلمانية مجرد الفصل بين الدولة والكنيسة، أم هي نوع من الهوية القومية المصطنعة؟ أم أنها أسطورة وهمية؟ هل يعرف أحد حقا  ماذا تعني العلمانية؟ هل القيم العلمانية موجودة على الإطلاق؟ ربما ينبغي لأولاند أن يجيب عن هذه الأسئلة قبل أن يوجه أصابع الاتهام إلى الإسلام والمسلمين، وربما ستساعده الإجابة على إيجاد كبش فداء لشعبيته المتدنية. 



المصدر: هل مسلمو أوروبا كبش الفداء الجديد

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك