أبريل 26, 2024

كان السفير الروسي من أوائل الدبلوماسيين الذين استقبلهم الانقلابيون في مالي، ولكن لم يكن هذا فقط ما أقلق فرنسا من الدور الروسي في مالي، فلدى فرنسا أسباب عديدة منطقية تجعلها تخشى من استغلال روسيا للانقلاب العسكري في مالي لإضعاف هيمنتها على مستعمرتها السابقة.

ففي 21 أغسطس/آب الماضي، خرجت مظاهرات داعمة للانقلابيين في ساحة الاستقلال بالعاصمة المالية باماكو، لشكر روسيا، بحسب وسائل إعلام فرنسية وألمانية بينها “راديو فرنسا الدولي”، وهتف المتظاهرون “نريد التعاون مع روسيا”، “نريد روسيا”، “منذ اليوم الأول الذي وقع كايتا، اتفاقية عسكرية مع فرنسا أفلست مالي”.

وعبر متظاهرون عن تفضيلهم لتعاون مالي مع روسيا والصين وتنويع شركائها على التعاون مع فرنسا.

وتحدثت عدة وسائل إعلام غربية، عن تلقي العقيدين مالك دياو، وساديو كامارام مهندسي الانقلاب ضد الرئيس إبراهيم أبو بكر كايتا، تدريبات في الكلية العسكرية العليا بموسكو، في إطار اتفاقية التعاون العسكري بين مالي وروسيا الموقعة في 26 يونيو/حزيران 2019.

وبعد أيام من عودتهما إلى مالي، وبالتحديد إلى قاعدة كاتي، التي يشغلان بها مناصب رفيعة، قاد دياو وكامارا، انقلاباً عسكرياً “ناجحاً” ضد حكم كايتا، في 18 أغسطس/آب الماضي، وأجبرا الأخير على تقديم استقالته مقابل إطلاق سراحه.

لماذا تخشى فرنسا استغلال روسيا للانقلاب العسكري في مالي؟

والسبب الآخر الذي يدفع الفرنسيين، للاعتقاد أن موسكو وراء الانقلاب على كايتا، حليف باريس الرئيسي في مالي، أن السفير الروسي لدى باماكو “إغور غروميكو”، كان من أوائل الدبلوماسيين الذين استقبلهم الانقلابيون، في نفس اليوم الذي احتشد فيه الناس بباماكو لشكر روسيا.

والجملة الوحيدة التي نطق بها السفير الروسي عقب الاجتماع مع الانقلابيين؛ “تحدثنا حول الأمن”.

فلم تدن موسكو الانقلاب في باماكو، لكن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أعرب في نفس اليوم الذي وقع فيه الانقلاب، عن “قلق” بلاده إزاء الوضع في مالي.

رئيس مالي المعزول إبراهيم أبو بكر كايتا/رويترز

لكن مهندسي الانقلاب “من موسكو”، لم يتول أي منهما قيادة المجلس العسكري الحاكم، بل ذهب هذا المنصب إلى قائد القوات الخاصة “عاصيمي غويتا”، الذي يحمل نفس رتبتهما (عقيد) وخضع لدورات تدريب أشرف عليها الأمريكيون والأوروبيون.

وكشفت كيلي كاهالان، رئيسة فرع العمليات الإعلامية في القيادة العسكرية الأمريكية بإفريقيا (أفريكوم) لموقع “دي دبليو” الألماني (حكومي)، أن غويتا، شارك “في تدريبات سابقة لأفريكوم، وحضر أيضاً ورشة لجامعة العمليات الخاصة المشتركة لمدة 18 يوماً في قاعدة ماكديل الجوية بولاية فلوريدا”.

كما شارك غويتا، بحسب “دي دبليو”، في برنامج حول الإرهاب والدراسات الأمنية في مركز “جورج سي مارشال” الأوروبي في ألمانيا.

السلاح.. نقطة قوة روسيا

بالمقارنة مع الغرب، فإن الأسلحة الروسية أرخص بكثير من الأسلحة الأمريكية والفرنسية، وتباع بشروط أقل إجحافاً، وهو ما يفسر أن الكثير من أسلحة الجيش المالي روسية الصنع.

إذ من إجمالي 143 مليون دولار واردات مالي من الأسلحة ما بين عامي 2000 و2019، صدرت روسيا لها ما نسبته 16.1% (23 مليون دولار)، محتلة المرتبة الثانية بعد بلغاريا (23.1%).

بينما حلت فرنسا في المرتبة السابعة بـ5.6% (8 ملايين دولار) في قائمة الدول المصدرة للأسلحة إلى مالي، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

ورغم أن التهديدات الأمنية لمالي كبيرة، إلا أن جيشها يعتبر محدود العدد والعدة، ولا يتعدى عدد أفراده 10 آلاف جندي، يمتلكون 80 دبابة أغلبها سوفياتية قديمة من نوع T-54  وT-55، و248 عربة عسكرية، بينها 53 مركبة وشاحنة عسكرية منحتها الجزائر للجيش المالي (صناعة جزائرية بتكنولوجيا ألمانية)، مايو/أيار 2020، لدعمه في مواجهة تنامي خطر الجماعات الإرهابية في شمالي ووسط البلاد.

وبحسب موقع “غلوبل فاير باور” الأمريكي، فإن الجيش المالي الذي يحتل المرتبة 96 من إجمالي 138 دولة، يملك 9 طائرات مقاتلة، و8 مروحيات بينها 6 مروحيات قتالية (و2 للنقل).

وأشار معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، أن مالي وقعت في 2016 عقداً مع روسيا لشراء أربع طائرات هليكوبتر حربية، استلمت ما لا يقل عن طائرتي هليكوبتر قتاليتين جديدتين من طراز Mi-35M بين 2017 و2019.

وهذه الصفقة تعكس رغبة موسكو في دخول السوق المالية بأسلحة أكثر تطوراً، مما يمنحها ثقلاً متزايداً في منطقة الساحل الإفريقي، تزاحم به النفوذ الفرنسي ولو بشكل تدريجي.

كيف ردت روسيا على هذه الاتهامات؟

لكن مع كل ما أورده الإعلام الغربي بشأن علاقة موسكو بانقلابيي مالي، لم يصدر رد من الكرملين، بل جاء الرد من السيناتور الروسي أوليغ موروزوف، الذي وصف الحديث عن تورط روسيا في الانقلاب بـ”الأمر السخيف”.

وبرر موروزوف، وجهة نظره بالقول “أولاً، هذا من حيث المبدأ، لا يتوافق مع نهجنا في السياسة الدولية. ثانياً، ليس لدينا أي مصالح كبيرة في هذا البلد، الذي تكرر استيلاء الجيش على السلطة فيه، آخر مرة في عام 2012”.

لكنه أشار في تصريح لوكالة نوفيستي الروسية إلى أن “الجيش المالي يعتمد على أسلحة ومعدات سوفيتية، وخاصة دبابات T-54 وT-55، وأسلحة أخرى روسية، وأن التعاون بين روسيا ومالي في المجال العسكري-التقني أمر مفهوم”.

لكن عادة ما تنفي موسكو تورطها في عدة أزمات دولية، مثل أوكرانيا وليبيا، رغم أن ذلك يصطدم في كثير من الأحيان بحقائق مختلفة على الأرض.

حيث تحاول روسيا ملء المساحات الفارغة التي يخلفها الغرب في مناطق نفوذه، مثلما هو حال فرنسا في مالي، التي أخفقت في القضاء على المجموعات الإرهابية، طيلة 7 سنوات، مما أثار غضب السكان المحليين لاعتقادهم أنها تستغل هذه الجماعات كغطاء للبقاء أطول مدة في بلادهم واستغلال ثرواتها.

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك