أبريل 19, 2024

في ضوء المعطيات الحالية من حظر الولايات المتحدة مشاركة تركيا في برنامج جوينت سترايك فايتر (F-35 Joint Strike Fighter)، وسعي الكونغرس إلى فرض “عقوبات ثانوية” على أنقرة، بسبب حصولها على منظومة صواريخ استراتيجية أرض جو (سام)، يبدو أن التحالف بين تركيا وأمريكا مهدد بأن يقف الآن على حافة الهاوية. 

حتى من قضوا معظم حياتهم المهنية يدافعون عن العلاقات الثنائية القوية بين البلدين، يتساءلون الآن عن كيفية إنقاذ التحالف من الانهيار، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.

ووفقاً لـ”سي إل سولزبيرجر”، المحرر لدى صحيفة New York Times: “على حد تعبير وزير الخارجية التركي السابق جاغلايانجيل، يعد حظر التسليح بمثابة “حركة معادية” من أحد الحلفاء تجاه الآخر، لذا ينظر الأتراك صراحةً إلى المقاطعة على أنها ابتزاز أمريكي يهدف إلى إضعافهم”.

التحالف بين تركيا وأمريكا مهدد.. ولكن أزمة أكبر بين البلدين وقعت في السابق

ومع ذلك، تتمتع الولايات المتحدة وتركيا بخبرة كبيرة في العودة من حافة الهاوية، بعدما تبدو كل الحلول والآمال مفقودة. هذا الاقتباس، الذي يعكس العديد من التحديات التي نشهدها اليوم، نُشر عام 1975 عندما فرض الكونغرس الأمريكي عقوبات حظر الأسلحة على تركيا بسبب التدخل العسكري التركي في قبرص. 

ووقتئذ، مثلما هو الحال الآن، انتاب صنّاع السياسات الغربيين قلق كبير بشأن إقدام تركيا على الانفصال عن حلف شمال الأطلسي، والبحث عن تحالفات وشراكات بديلة. وبرغم انتهاء الحرب الباردة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وبرغم أن الصفقات العسكرية المثيرة للجدل مثل نظام الدفاع الجوي الروسي S-400، تشير إلى وجود تحالف تركي روسي، لا تزال أنقرة تجد نفسها في مواجهة موسكو في عدد من الصراعات الإقليمية المستمرة من سوريا وليبيا، وحتى اندلاع أعمال العنف الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا. 

ربما لا يزال هناك متسع من الوقت لسحب العلاقات التركية الأمريكية من حافة الهاوية، ولكن يعتقد القائمون على مشروع الحوار المستمر بين الولايات المتحدة وتركيا وحلف شمال الأطلسي أنه من الضروري أن يتحلى الطرفان بالإرادة والعزم على إتمام ذلك.

لماذا يقلق الأمريكيون من صواريخ أس 400؟

لفهم طبيعة الأزمة الناتجة عن امتلاك تركيا منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400، وتأثير ذلك على علاقاتها بحلف الناتو، يجب وضع الجانب التقني في الحسبان. 

تقول المجلة الأمريكية “من وجهة نظر عسكرية، تأتي مشتريات تركيا لنظام الدفاع الجوي S-400 بمشكلات تقنية هائلة تمنع تشغيل العتاد العسكري الموالي لحلف الناتو، مثل المقاتلات الجوية إف-35 (F-35 Joint Strike Fighter) في المجال الجوي التركي. لا تشترك تركيا في الوقت الحالي، ولن تشترك في المستقبل القريب، في أعمال الصيانة الأولية للنظام الروسي، لعدم وجود أي اتفاقيات تتعلق بالتبادل التقني لخوارزميات أو تصميم نظام S-400. بمعنى آخر، في ظل غياب المعرفة التقنية الشاملة أو المشاركة في الإنتاج، لن يعرف القائمون على الدفاع التركي ما يفعله نظام SAM الروسي الاستراتيجي بشكل كامل، وإذا ما كان للنظام أي أبواب خلفية إلكترونية تسمح بنقل بيانات العتاد العسكري الخاص بحلف شمال الأطلسي سراً إلى موسكو. أي لا يمكن استبعاد خطر قيام نظام S-400 بدراسة وإبلاغ موسكو بخصائص ومواصفات مقاتلات F-35، الأمر الذي من شأنه تعريض الأسطول العالمي المتحالف مع الولايات المتحدة، من أوروبا الغربية إلى شرق آسيا، للخطر.

ومما يزيد من هذا القلق، اختبرت تركيا في نوفمبر/تشرين الثاني مستشعرات نظامS-400 على مقاتلات F-16 وF-4 الأمريكية، التي تمثل العمود الفقري للقوات الجوية التركية. وأدت تلك الخطوة الجريئة إلى توتر المزاج داخل المجتمع العسكري الأمريكي. 

وبينما دعت أنقرة عدة مرات إلى إنشاء لجنة مشتركة لضمان حماية بيانات مقاتلات F-35، فإن المفارقة أن روسيا هي الوحيدة التي يمكنها تقديم تلك الضمانات.

تقول المجلة الأمريكية “لا ينبغي أن تتفاجأ تركيا من تردد حلف شمال الأطلسي في نشر مقاتلات F-35، أو إجراء تدريبات مشتركة في المجال الجوي التركي، بعد نشرها نظام الدفاع الجوي S-400، خشية تسريب بيانات الأصول العسكرية الثمينة لحلف شمال الأطلسي عبر نظام الدفاع الجوي الروسي. 

تركيا اضطرت لشراء الصواريخ الروسية باعتراف ترامب

في المقابل تقول تركيا إن الولايات المتحدة تغض الطرف عن امتلاك 3 دول في حلف الناتو صواريخ “إس-300” الروسية، وتنتقد تركيا فقط على صفقة شراء منظومة “إس-400″، إذ إن 3 دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) تمتلك منظومة صواريخ “إس-300″، وهي اليونان وبلغاريا وسلوفاكيا. إن منظومة صواريخ “إس-300″ كانت أنتجت في عهد الاتحاد السوفيتي عام 1978، وهي النسخة الأقدم لـ”إس-400” .

كما أنها اضطرت لشراء صواريخ أس 400 بسبب رفض إدارة أوباما بيعها صواريخ باتريوت الأمريكية لها (وهو ما أقر به ترامب) في وقت كانت تواجه فيه توتراً مع روسيا التي كانت قادمة تواً إلى سوريا، بل دول الناتو سحبت صواريخ باتريوت من الأراضي في تركيا في ذورة الأزمة مع روسيا التي انتهت بإسقاط أنقرة لصواريخ روسية.

هل تتجه تركيا لشراء طائرات سوخوي؟

لذا، سنجد أن امتلاك نظام S-400 كلّف أنقرة عتاداً عسكرياً لا يقدر بثمن، مثل مقاتلات F-35، التي بجانب قدراتها الهائلة على التخفي، تمنح المقاتلات الأمريكية الحديثة تفوقاً معلوماتياً هائلاً، ومركزاً لإدارة المعارك، ولكن الأهم أن الفشل التركي الأمريكي في التفاوض للوصول إلى حل لمشكلة S-400/F-35 سيسرع من احتمالية حدوث قطيعة بين تركيا وحلف شمال الأطلسي، لأن وقتها ستكون طائرات F-16 وF-4E الأمريكية أقل جاذبية لتركيا من شراء الطائرات الروسية الجديدة Su-35. 

وسبق أن تفقد الرئيسان التركي والروسي فلاديمير بوتين الطائرة الشبحية الروسية، سوخوي 57 وتحدث بوتين عن إمكانية شراء تركيا لها، فيما تحدثت تقارير تركية وروسية عن إمكانية دخول أنقرة في شراكة لإنتاجها مع روسيا.

وترى The National Interest أنه من المحتمل أن تلجأ تركيا إلى المزيد من المشتريات العسكرية الروسية إذا فشلت الولايات المتحدة وتركيا في اتخاذ إجراء تصحيحي قبل أن يفرض الكونغرس عقوبات ثانوية إلزامية ضد تركيا، بسبب شراء نظام S-400 بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA). بإمكان القانون المذكور أن يعزل تركيا عن منظومة الصناعة العسكرية الغربية تماماً، مثل حظر التسليح الشامل الذي فُرض على تركيا في سبعينيات القرن الماضي، فلا يتبقى أمام أنقرة سوى خيارات محدودة لشراء الأسلحة من مكان آخر.

هل من مخرج بديل؟

برغم الصورة القاتمة المستخلصة مما سبق، توصلنا في تقريرنا إلى أنه “بالنظر إلى التحديات الاستراتيجية والاقتصادية والدبلوماسية والصحية المتداخلة بين الولايات المتحدة وتركيا وحلف شمال الأطلسي، لا بديل عن إيجاد سبل مشتركة للمضي قدماً”. لم تعلن أنقرة، حتى الآن، عن تشغيل منظومة الدفاع الجوي الروسي S-400، بسبب جائحة كورونا. ويقبع النظام حالياً في قاعدة آكينجي الجوية التركية، اقترح الخبير الأمريكي آرون ستاين اتفاقاً يتحقق من استمرار عدم نشر منظومة الدفاع الجوي S-400، من أجل التغلب على الأزمة، ومن غير الواضح أن مقترح استخدام صور الأقمار الصناعية غير السرية وزيارات المواقع ستكون مقبولة من الجانب التركي (لأسباب تتعلق بالسيادة)، أو الولايات المتحدة (التي تمتلك سجلاً مروعاً في اتفاقيات الحد من التسلح خلال الآونة الأخيرة). ولكن من الواضح أن أزمة الجائحة والانتخابات الأمريكية سوف يعيقان أي تقدم هادف بين الجانبين.

إذا حافظت حملة جو بايدن على تقدمها في الانتخابات ووصلت إلى البيت الأبيض، فينبغي أن يكون فريقه مستعداً لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لإنعاش حلف شمال الأطلسي المتعثر بشدة، بدءاً من التوصل إلى حل تفاوضي للأزمة الأمريكية التركية الحالية. نعتقد أن تركيا والولايات المتحدة يواجهان حتمية استراتيجية لإنقاذ علاقتهما، لن تتحقق مصالح أي من البلدين، مهما فشلا في التوافق من خلال مراقبة روسيا وهي تتعمد إضعاف حلف شمال الأطلسي (الناتو). الفائز الوحيد من حظر التسليح الأمريكي المفروض على تركيا هم أعداء حلف الناتو -وعلى رأسهم روسيا- الذين ستتوجه إليهم تركيا بأموالها لشراء احتياجاتها العسكرية.

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك