مارس 29, 2024

في عام 2016، وقف دونالد ترامب متفاخراً، وقال “يمكنني الوقوف وسط الجادة الخامسة المليئة بالأشجار في نيويورك وإطلاق النار على أي شخص، ولكن لا يمكنني خسارة أصوات الناخبين”. كان ترامب يعتقد أن تبجحه غير المحدود وكلامه المنمق وهيمنته على أي موقف يسمح له بالإفلات من جريمة قتل رمزية.

ومنذ ذلك الحين وهذا المبدأ المعروف بـ”الجادة الخامسة لترامب” قد تعرض للاختبار مراراً وتكراراً، وعلى الأخص عندما سُرّب مقطع فيديو قديم لترامب يعود لعام 2004، أذاعه برنامج Access Hollywood، إلى جانب نتائج التحقيق الذي أجراه روبرت مولر، والتي أكدت أن ترامب عرقل العدالة، وأن مساعدي حملته الانتخابية قد تعاونوا مع روسيا، فضلاً عن العنصرية العلنية والمقايضة مع رئيس أوكرانيا، وإجراءات عزله. ومع ذلك فإن 40% من الناخبين الأمريكيين لا يزالون متمسكين به على الرغم من كل تلك الفضائح.

هذا كل ما يحتاجه ترامب، ولأسباب سأشرحها بعد قليل فهو يعتمد عليها للحفاظ على بقائه في منصب الرئاسة، بعد الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

لقد تعلّق الناخبون الأمريكيون به حتى بعد وفاة أكثر من 210 آلاف أمريكي بسبب فيروس كورونا، وهو أحد أعلى معدلات الوفيات في العالم، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن ترامب قلل في البداية من مخاطر الفيروس، ثم رفض تحمل المسؤولية عنه، إلى جانب الترويج للعلاجات غير العلمية، وتكميم أفواه الخبراء الحكوميين المعنيين بمحاربة الفيروس، ودفع الولايات الأمريكية إلى إنهاء حالة الإغلاق رغم استمرارية انتشار الفيروس، وثني الناس عن ارتداء الكمامات الطبية الواقية.

لقد تعلّقوا به حتى بعد أن حول البيت الأبيض إلى بؤرة ساخنة للفيروس، وحتى بعد أن أصيب به بنفسه، وحتى بعد أن أكد قبل أيام فقط أن الفيروس أقل فتكاً من الإنفلونزا، لقد خلصت دراسة غير حزبية حديثة إلى أن المعلومات المضللة السافرة التي أطلقها ترامب كانت الدافع الأكبر للمعلومات المضللة حول فيروس كورونا المستجد في العالم.

لقد ظلّوا متعلقين به حتى مع فقد أكثر من 11 مليون أمريكي لوظائفهم، وتشريد 40 مليوناً من منازلهم بسبب المخاطر، وفقد 14 مليون شخص للتأمين الصحي، وإغلاق واحدة من كل سبع شركات صغيرة بشكل دائم، ومع ذلك أوقف ترامب المحادثات بشأن الدعم الاقتصادي (وهو الآن يتراجع قليلاً)، ويدفع المحكمة العليا لإلغاء قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة، ما قد يتسبب في خسارة 20 مليون شخص إضافي للتأمين الصحي.

يقف ترامب في الواقع وسط الجادة الخامسة وهو متسبب في مقتل عشرات الآلاف من الأمريكيين، لكن ها نحن هنا على بعد أسابيع قليلة من الانتخابات، ولم يتزحزح أنصاره عن رأيهم. وتظهر أحدث استطلاعات الرأي أنه حصل على 40% إلى 43% من الأصوات، بينما يتمتع جو بايدن بأغلبية ضئيلة. 

لكن الاختبار الأكثر فظاعة لمبدأ “الجادة الخامسة لترامب” لم يأت بعد، إنه يعول على أنصاره لإبقائه في السلطة حتى بعد أن يخسر التصويت الشعبي.

إنه مستعد للادعاء بأن بطاقات الاقتراع عبر البريد، التي أصبحت ضرورية بسبب الوباء، مليئة “باحتيال لا مثيل له من قبل”، كما زعم خلال مناظرته مع بايدن، على الرغم من أنه ثبت أن الأمريكيين قد يخاطرون بالتعرض للصعق بالبرق ولا يخاطرون بممارسة التزوير في الانتخابات.

بمثل هذه الادعاءات من المحتمل أن يعارض ترامب نتائج الانتخابات في أي ولاية يقودها الجمهوريون، والتي قد يخسرها بهامش ضئيل، مثل أريزونا وفلوريدا وميتشيغان ونورث كارولينا وبنسلفانيا أو ويسكونسن.

ثم سيعتمد على مجلس النواب لدعمه من أجل البقاء في الرئاسة.

لقد حذر ترامب في تجمع حاشد أخير في بنسلفانيا قائلاً: “سنقوم بفرز الأصوات خلال العامين المقبلين”، مشيراً إلى أن “لدينا ميزة إذا لم يكن هناك فائز في الانتخابات وعدنا إلى الكونغرس لحسم المسألة. أعتقد أننا سنحصل على 26 إلى 22 صوت أو ما شابه لأن هناك صوتاً واحداً لكل ولاية”.

خلال الحديث السابق، كان ترامب يشير إلى التعديل الـ12 للدستور، والذي ينص على أنه إذا لم يحسم ناخبو الولاية اختيار الرئيس، فإن القرار يذهب إلى مجلس النواب، حيث يكون لكل ولاية من الولايات الـ50 صوت واحد.

ونظراً لأن الولايات الصغيرة التي يهيمن عليها الجمهوريون مثل ألاسكا (لها عضو واحد في مجلس النواب، وهو جمهوري) سيكون لها نفس النفوذ الذي تتمتع به الولايات الديمقراطية الكبيرة مثل كاليفورنيا (لها 52 عضواً في مجلس النواب، 45 منهم ديمقراطيون)، فإن ترامب يتمتع بأفضليةٍ الآن: هناك 26 مقعداً لمندوبي وممثلي الولايات في مجلس النواب يسيطر عليه الجمهوريون مقابل 22 للديمقراطيين. وهناك تعادل في الأصوات داخل اثنين من الولايات، وهي بنسلفانيا وميشيغان.

لكنه لن يحتفظ بالضرورة بهذه الميزة، فالقرار سوف يُتخذ من قبل المشرعين المنتخبين في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والذين سيؤدون اليمين في 3 يناير/كانون الثاني 2021، قبل ثلاثة أيام من اجتماعهم لتحديد الفائز في الانتخابات.

وهذا هو السبب في أن رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، تركز على السباقات التي يمكن أن تقلب ميزان ممثلي الولايات، ليس فقط في بنسلفانيا وميتشيغان ولكن في أي مكان آخر في متناول اليد.

لقد قالت الأسبوع الماضي: “إنه لَأمر محزن أن نضطر إلى التخطيط بهذه الطريقة، لكن هذا ما يجب علينا فعله لضمان عدم سرقة الانتخابات”.

إن مبدأ الجادة الخامسة لترامب قد أبقاه في السلطة لما يقرب من أربع سنوات من الموت والفوضى، التي كان من شأنها أن تقضي على رئاسات أي شخص آخر، ولكن بصفته مواطناً سابقاً في نيويورك، يجب أن يعرف أن الجادة الخامسة تنتهي عند نهر هارلم، في شارع 142. إذا فالنهاية قريبة. 

  • هذا الموضوع مترجم عن صحيفةGuardian البريطانية. 

مقالات الرأي المنشورة في عربي بوست لا تعبر عن عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك