أبريل 19, 2024

محمود الجسري: هدر الوقت

  
كيف يمكنك إضاعة سنين من وقت الناس بضغطة زر؟
كيف تكون نيتك حسنة و تؤذي حوالي مئات وربما ألاف الناس بدون قصد؟
كيف يمكن أن يكون الإنسان حرا شريفاً و بنفس الوقت يساعد مستبد وديكتاتور و من يعاونه على نشرما يريد نشره أو مساعدته في إلهاء عشرات الألاف و تبديد وقتهم و تشتيت انتباههم؟
كيف يمكن مساعدة ظالم وأجهزته بالعمل ضد نفسك وأقاربك وأبناء بلدك وأنت غافل تضحك و تظن أنك تفعل خيرا؟
الأسئلة المشابهة كثيرة و لكن هل تعلم(ي) أن الكثير من الناس و ربما أنا و أنت وقع في ما تم ذكره أعلاه بشكل مباشرأوغير مباشر؟
و للإجابة عن تلك الأسئلة يمكن متابعة المقال التالي الذي غالباً لن أعطيه حقه كاملا فالموضوع في تطور مستمر كما هو حال التقنية و أجهزة التواصل و أقل شيء يمكن فعله هو الوعي بالنقاط التي سيتم ذكرها و محاولة الانتباه لها أو تذكرها عند ضغط أي مشاركة أوإرسال رسالة و خاصة للمجموعات قبل الأفراد.
———————-

قبل فترة قصيرة تقل عن 20 سنة كان الشخص عندما يريد شيئا من شخص أخر يقوم بالاتصال به هاتفيا بشكل مباشر وعادة تكون مكالمة قصيرة مركزة لها هدف أساسي و مجموع المكالمات اليومية في أقصى حد لا يزيد عن دقائق كمعدل عام و كان من المشهور أن الهاتف يستخدم للضرورة فقط أما اليوم فبعض الإحصائيات تشير الى أن استخدام الهاتف الذكي يصل لمدة 5 ساعات يوميا في أوساط الشباب في بعض المجتمعات – و لكن لنأخذ الإحصائيات الأكثر محافظة – وهي تشير الى معدل (2) ساعتين يومياً و هذا يعني شهر كامل في السنة و هذا يعني معدل 5 سنوات لكل 60 عاما من حياة الشخص المستعمل للهاتف الذكي.بعد هذا التمهيد البسيط نقول هل يحرص معظمنا على هذا الوقت أو على الأقل هل سألنا أنفسنا أين تذهب هذه السنوات التي تزيد عن معدل سنوات التعليم الجامعي بل تشكل نسبة عالية من متوسط عمر الإنسان؟نحن نعيش في عصر تواصل إجتماعي لم يسبق له مثيل عبر التاريخ البشري المكتوب و غير المكتوب و تتوفر لدينا العديد من أدوات التواصل (من أشهرها الواتساب و الفيسبوك و غيرها) و كثير منا يستخدم هذه الوسائل بطريقة نافعة – أو يحاول ذلك على الأقل – و لكن يوجد أيضا الكثير ممن لا يحسب حساباً لا لوقته و لا أوقات الأخرين سواء لعدم علم أو لاستهتار أو لتمضية وقت فراغ بالنسبة له غير مدرك أن هذا الوقت هو وقت مهم جدا لغيره و منهم الجاهل الذي يظن أنه يحسن صنعا و هو يدمر بدون دراية و لا معرفة.
و مما لاينتبه له الكثير أنه يوجد أيضا فئات إضافية مهمتها الرئيسة هي الإلهاء و الإغراق المعلوماتي و تشتيت الرأي العام و إضاعة وقت الناس لأهداف عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:- ادخال معلومات خاطئة في أذهان الألاف و ربما الملايين من الناس لتغيير التفكير الجمعي.
– تحقيق كسب مادي للناشر في زيادة عدد المشاهدات التي يكسب منها حتى لو كان العنوان جذاباً كاذباً.
– الاستخفاف بعقول العامة ذوي الثقافة المحدودة و نشر معلومة ما ثم معلومة مضادة لزعزعة الثقة أو تحقيق هدف خبيث للناشر (للعلم بعض المجموعات الملحدة تستخدم هذه الحيل كثيرا للتلاعب و الضحك و التندر على المتدينين من كافة الأديان).
– فتح باب للنفاق الاجتماعي و فتح الباب للمرائين لاكتساب كاريزما “الشيخ” او الزعيم الديني حيث يقوم البعض بنشر المواعظ كل يوم أو كل ساعة ليقال فلان صاحب دين و لا نستطيع الدخول في النوايا هنا و لكن نتكلم عن من ينشر موعظة في غير مكانها المناسب و أقرب مثال هنا عند دخول شخص على مجلس يتم الكلام به عن موضوع طبي مثلا فيدخل و يقول يجب عليكم ذكر الله كذا مرة أو يضع حديثا مختلفا عن الموضوع الذي يتم النقاش به و المعروف أن لكل مقام مقال وهذه الفئة غالباً لا تراعي المقام و لا المقال و هذا عدا عن المعلومات التاريخية المغلوطة و تسخير البسطاء بكلمة “انشرها و لك الأجر” .
– التخدير العام أو إشعار البعض أنهم قاموا بواجب ما بطريقة وهمية و أوضح مثال على ذلك هو الطلب من عدد كبير من الناس قراءة ذكر أو ورد ما لبعض الناس المهددين بالقتل و فعلا يتم النشر على اوسع نطاق و غالبا يتم عمل المطلوب بطريقة ألية يشعر المتلقي بعدها بأنه قام بما عليه القيام به و يرتاح ضميره و كان يمكن القيام بأعمال بسيطة قد توقف القتل او تفضح القاتل و لكنه تماشى مع أجندة التخدير العام وريح ضميره.
– تشتيت الرأي العام عن جريمة إنسانية تحصل في مكان ما كقتل او قصف عدد كبير من المدنيين بينما فريق معلوماتي كامل ينشر فضيحة عن ممثلة او خبر عنوانه جذاب جدا و مضمونه فارغ.
– نشر الأحاديث الموضوعة و الأكاذيب الدينية و القصص الخرافية و تكرارها لجعلها حقيقة في أذهان الناس.
– و غير ذلك من الأهداف و الأجندات المعروفة و الغير معروفة.و للأسف الشديد الكثير من الناس يساعد في هذا عند إعادة النشروالإرسال و خاصة للمجموعات الكبيرة التي معظم أفرادها بالتالي يقومون بإعادة النشروالإرسال أيضا وبما يخص هذه النقطة يقول المفكر والفيلسوف نعوم تشومسكي ما يلي:
“إستراتيجيّة الإلهاء هي عنصر أساسي في التحكّم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرّأي العام عن المشاكل الهامّة والتغييرات التي تقرّرها النّخب السياسية والاقتصاديّة، ويتمّ ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة. “و حتى نتخيل حجم المشكلة و الوقت الضائع لنفترض أنه تم نشر فيديو من المحتوى الذي تم ذكره أعلاه وأعاد نشره و إرساله عدة أشخاص و تكررت عملية النشر عدة مرات و كان مدة الفيديو دقيقة واحدة فقط و شاهده مليون شخص على الوسائل المختلفة – و الرقم متواضع هنا – بعد إعادة نشره و إرساله و بذلك وخلال دقائق وبضع ضغطات نشر نكون قد أضعنا مليون دقيقة من وقت الناس وهذه تعادل تقريبا سنتين من الوقت (694 يوما تحديدا) و هذا الوقت يمكن عمل الكثير به فكل هذه التنبيهات و المشاهدات لها مفعولها وكم تم تشتيت انتباه أب أو أم عن أبنائهم أو صديق عن صديقه أو محب عن محبوبه أو حتى سائق عن طريقه و هذا موضوع منفصل أيضا له ما له من تفاصيل لا يتسع المقال لها هنا.و يوجد أيضا موضوع إضافي سننوه له بدون الدخول في تفاصيله و هو الإدمان على فتح الهاتف و مشاهدته و متابعة الرسائل الجديدة و ما فات منها و متوسط ذلك هو 3 مرات في الساعة أي بمعدل 30 مرة يوميا على الأقل.و حتى لا نطيل على القارئ العزيز و يكون هناك بعض الفائدة نورد بعض النقاط التي قد تكون مفيدة بناء على خبرة شخصية طويلة في مجال المعلوماتية:- النقطة الأولى هي الوعي العام بما تم ذكره في المقال و التفكير قبل نشر أي شيء و طرح سؤال ما هو نفع ما يتم نشره وماهدفه؟.
– المجموعات الغير مفيدة التي لا هدف محدد لها تضيع لك الكثير من وقتك و تشتت افكارك فاخرج منها إن لم يكن لها فائدة واضحة محسوسة و مباشرة و طبعا يمكن أيضا البحث عن مجموعات مفيدة لها أهداف واضحة و فائدة مباشرة.
– وقتك أثمن وأهم من أن يضيع في القيل والقال وقراءة المنقولات التي قد تكون صحيحة او خاطئة.
– قبل نشر أو إعادة نشر أي محتوى تذكر أنه “كفى بالمرءِ كذباً أن يُحَدِّث بكلِّ ما يسمع” و أن هذه مسؤولية كبيرة خاصة إن كنت في مجموعة كبيرة و أن هذا المحتوى قد يصل للألاف و لكل شيء حساب.
– إن وصلك خبر كاذب فكذبه فورا و نبه مرسله حتى يتوقف عن نشره.
– لا تكن مجرد موظف غير مباشر عند ظالم و إن لم تكن متأكداً من هدف المحتوى أو الرسالة فلا تعد نشرها وإرسالها .و في الختام لكل شيء منافع و مضار و أكثر شيء نستخدمه حاليا في حياتنا اليومية هو وسائل التواصل فلنجعلها وسيلة نفع خالص ما أمكننا ذلك حتى نحافظ على ما تبقى من الوقت الذي يمر بسرعة و لا يمكن تعويضه.
 



المصدر: هدر الوقت

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك