مايو 6, 2024

كلنا شركاء: نيو ستيتسمان- ترجمة صحيفة التقرير

في شهر فبراير، نشر أحد الثوار السوريين، مرتديًا الرداء العسكري، فيديو على الإنترنت، طالب فيه الشعب السوري بتوحيد صفوفه ضد نظام بشار الأسد. وتكررت مثل هذه الدعوات كثيرًا، فمن المعتاد أن تقوم الجماعات الثورية السورية ببث عبارات الاتحاد ودمج الوحدات العسكرية، غير أنها عادة ما تتحول إلى ثمار عطنة لا تأثير لها.

إلا أن رسالة هاشم الشيخ، (سوري من حلب تم إلقاء القبض عليه من قبل نظام بشار الأسد في العام 2005 بسبب معتقداته الجهادية ليطلاق سراحه في عام 2011)، تعد مهمة بخصوص حرب سوريا الأهلية؛ لتعبيرها عن احتمالية تصنيف المعارضة السورية برمتها تحت بند القوات المتطرفة الرجعية.

حيث أعلن هاشم الشيخ في الفيديو عن تأسيس كيان قوي متطرف يعرف باسم “حياة تحرير الشام” أو “جماعة تحرير الشام”. وانضمت إليها جماعة جديدة عرفت باسم “نور الدين زنكي”، وهي حركة وحشية مدعومة من قبل السي آي إيه. وفي شهر يونيو الماضي، نشرت الجماعة عملية ذبح الطفل عبد الله تيسير، ذو الـ 13 عامًا، بعد اتهامة بموالته للنظام السوري.

عرفت جبهة “فتح الشام” حتى شهر يوليو الماضي باسم “جبهة النصرة” التي مثلت دور تنظيم القاعدة على الأرض في سوريا. تكونت جبهة فتح الشام من المقاتلين السوريين، وحازت على مساندة كبيرة من قبل المواطنين بسبب بسالة مقاتليها وانعدام الفساد بها. واستثمر تنظيم القاعدة فيها لترويج فكرة كونها الخط الوسطي المعبر عن الوسطية ما بين التسامح والتطرف بسوريا، وبالطبع هي جماعة تعبر عن معظم الشعب السوري وليست من كوكب آخر.

تم تأسيس “حياة تحرير الشام” كمحاولة للانقلاب على تنظيم القاعدة، وكخطوة للحصول على الشرعية داخل صفوف المعارضة السورية، وخاصة بعدما أعلن هشام الشيخ، أنها لا تعد غطاء للجماعة ولا تمثل خطًا مستمرًا لأية قوة قتالية أخرى؛ فما هي إلا جمع بين الكيانات الفردية لتكوين كيان جديد.

وعلى الرغم من كل ذلك، تعبر جميع رسائلهم عن تأثرهم بتنظيم القاعدة، حيث كان أول خطاب لهشام الشيخ ذو سمة طائفية عميقة؛ فأعلن عن تصنيف الشيعة بالعدو، ولعن العلويين -الطائفة التي ينتمي إليها الأسد- ودعا إلى حركات عدائية ضد الزرادشتية، كوسيلة للتحقير من إيران.

انقسمت أحرار الشام إلى قطاعين؛ ممن يفضلون البراجماتية جنبًا إلى جنب مع الاعتدال، ومن يتمسكون بالعقائد، إلى جانب مواجهتها للعديد من التحديات بسبب انتهاج حياة تحرير الشام لمواقف ضد القوات المعادية لبشار الأسد الأخرى.

هذا وقد أعربت إحدى الجماعات الثورية المدعومة من قبل أمريكا “فاستقيم”، للواشنطن بوست عن ضغوطات القاعدة المميتة لتوضح إجبار مقاتليه على الانضمام إلى تحالف أحرار الشام على الرغم من اتجاهاته المتطرفة.

فتغير ديناميكية الحرب الحالية في سوريا يتحدى ثورة سوريا المحاصرة، ليحاصروا ما بين همجية كل من بشار الأسد والجماعات الإرهابية. ومع اقتصار الحياة في سوريا على جبهة النصرة وأحرار الشام، ومع سقوط الأخيرة، فيبدو أن الغنائم ستتجه إلى جماعة حياة تحرير الشام في النهاية.

ولابد أن يُشار إلى أن سيطرة المتطرفين على الثورة، هي ما أراده بشار الأسد تمامًا منذ البداية. فقد حاول لسنين عديدة وصم كل من عارضه بالإرهاب، مؤكدًا على تأثرهم بتنظيم القاعدة وداعش. فقد كان يبحث بشار الأسد عن أي قشة يتعلق بها ليسيء للثوار المعارضين له أمام الغرب.

وهو ما وصل إليه بعد وقت طويل وسجن وقتل كل من عارض النظام منذ عام 2011. فنجح بشار الأسد في إبعاد العنصر المدني من المعادلة ليقتصر على محاربة التطرف والإرهاب أمام أعين المجتمع الدولي، فيبدو في شكل المدافع عن حقوق السلام الرافض للتطرف من أمثال داعش وتنظيم القاعدة.

وهو أمر لوحظ منه تغيير بعض وجهات النظر الدولية تجاه القضية السورية، حيث أعرب بوريس جونسون، رئيس خارجية بريطانية، عن رغبته برحيل بشار الأسد بعد وقفته وموقفه الثابت لفترة طويلة. إلا أنه عبر عن انفتاح عقلهم وتقبلهم عن كيفبة حدوث ذلك ووقته. وهو ما يعد تغييرًا مهولًا في سياسات بريطانيا تجاه الصراع السوري منذ أن بدأ، فمن وجهة نظرهم لابد وأن يكونوا واقعيين فيما يخص التغيرات التي حدثت في المنطقة.

ولا يجب أن ننسى تعليقات ترامب المتعددة ومخاوفه فيما يخص تنامي العناصر الإرهابية في سوريا. ولكن ومع انتصارات بشار الأسد الأخيرة، هل ينجح في تحقيق هدفه من إعادة سيطرة الحكومة على سوريا كلها؟

يبدو أنها خطة طموحة وخطرة في معقل قوة داعش على الرغم من التقارير المعلنة عن إنحدار مستوى قوة داعش المنافي للواقع؛ فالجماعة تقع تحت ضغوطات رهيبة في العراق، بأكبر معاقلها بالموصل، ومن المحتمل أن تنجح القوات العراقية في السيطرة على الأرض ولذلك، قد تعود داعش بكامل قوتها إلى سوريا.

من السهل أن نحكم على تحرك الصراعات الدائرة بسوريا مثل الهواء الموجود داخل البالون؛ اضغط على جزء واحد وحرك ما تبقى إلى مكان آخر. وعلى الرغم من نجاح روسيا والقوات السورية في استعادة مدينة “تدمر” بنجاح العام الماضي، عادت إليها داعش بمجرد اتجاههم للاهتمام باستعادة حلب.

تقترح هذه الدروس الصعبة لكل المخططين العسكريين في دمشق تأثير المتراكم لكل من داعش وحياة تحرير الشام قد تستمر توابعها لأعوام عديدة. وسقوط حلب قد يشكل نقطة تحول في الصراع السوري، تجاه معارضة أكثر تسلحًا ووحشية.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك