مايو 4, 2024

نيويورك تايمز: ترجمة صحيفة التقرير
سراييفو وحلب، المدينتان اللتان كانتا يومًا ما جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، المدينتان اللتان ضمتا بين سكانهما مسلمين ومسيحيين ويهود، المدينتان صاحبتا الثقافة الثرية واللتان حوصرتا وقسمتا لنصفين واجتاحهما العنف، المدينتان اللتان وقع أطفالهما ضحايا، واللتان تبعدان ٢٠ عامًا عن بعضهما البعض.
يا له من فرق ذلك الذي أحدثه عقدان من الزمان! لقد تصدرت سراييفو عناوين الصحف خلال حصارها الذي دام ٤٤ شهرًا، وقد قامت طائرات حلف الناتو بعمل دوريات في السماء لمنع – على الأقل – قصف السكان جوًا، وتم نشر قوات حفظ السلام الدولية في جهد إغاثي فاشل، وقد وافق الرئيس بيل كلينتون بعد تردده لوقت طويل على قيام الناتو بغارات جوية، التي أدت إلى كسر حصار الصرب وأحدثت سلامًا غير كامل في البوسنة، وقد نجح التدخل الأمريكي الذي تأخر كثيرًا.
لم تكن قضية حلب بهذا الإلحاح، لقد تم قصفها: ما الجديد أيضًا؟ كم مرة تفوه أوباما بكلمة “حلب” (أو حتى كلمة “سراييفو” الأقل رعبًا)؟ في أي حفلات عشاء في لندن أو باريس أو برلين أو واشنطن تمت مناقشتها؟ وأي صحفيون غربيون يستطيعون التواجد هناك لكي ينقلوا وقائع غضبهم تجاه تقطيع أوصال المدينة؟ ومَن يتذكر كيف كان يجري الحديث عن حلب قبل ست سنوات في أوروبا على أنها مراكش الجديدة، مكان يمكنك شراء منزل أجازات فيه؟
حلب وحيدة، وحيدة تحت قنابل الطائات الروسية والسورية، وحدها في مواجهة النزوات العنيفة لفلاديمير بوتين وبشار الأسد.
حسنًا، أن أعلم – عندما نشرت صورة طفل كعمران دقنيش وهو مُغطى بالدماء بعدما تم انتشاله من تحت أنقاض حلب – ربما انتشرت الصورة على نطاق واسع لوقت طويل بشكل كاف لكي تجعل الناس يرثون كارثة سوريا، يرثون ثم ينسون، هناك دونالد ترامب لنفكر بشأنه. انسوا أكثر من ٤٠٠ ألف قتيل، وأكثر من 4.8 مليون لاجئ وتدمير مدينة كحلب التي كانت تعبر عن حضارة آلاف السنين.
دقنيش، الذي قتل شقيقه علي، هو ألان كردي هذا العام، الطفل الذي جرفته الأمواج إلى الشاطئ التركي، والذي أثار موجة غضبت سرعان ما انتهت في سبتمبر الماضي.
والآن، كما في السابق، أصبحت حلب مقسمة إلى نصفين، جزء شرقي محاصر تسيطر عليه المعارضة وجزء غربي أكبر تسيطر عليه قوات النظام، وقد انهار اتفاق “وقف الأعمال العدائية” في فبراير الماضي كما هو متوقع؛ لقد جرت روسيا، التي بدأت تحركاتها في سوريا العام الماضي، الولايات المتحدة إلى عمل دبلوماسي بشع.
فقد فقدت القوة الأمريكية مصداقيتها خلال العقدين الماضيين، ومن أوكرانيا إلى سوريا كانت روسيا تتمتع بحصانة في كل مرة، وقد انتهى الأمل، أو ربما السذاجة، بشأن العالم المثالي الذي أدى إلى موافقة جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في عام ٢٠٠٥ على المسؤولية عن توفير الحماية، وهو التزام لمنع التطهير العرقي وجرائم الحرب والإبادة الجماعية، ويبدو هذا الاتفاق الطريف كجهد ضائع في عالم من الماضي، فقد أعاق تنظيم الدولة والجهاديون الصحفيين الغربيين، وقد تقلص مدى الاهتمام في حين تتسارع الاتصالات.
هذه هي بعض التغيرات على الطريق من سراييفو إلى حلب، فقد أنتجت عالمًا أكثر خطورة وتشاؤمًا.
لقد قال أوباما إن التدخل في ليبيا كان أسوأ أخطائه، وقال إنه “فخور جدًا بهذه اللحظة” في عام ٢٠١٣، عندنا قرر مقاومة “الضغوط الفورية” وألا يتمسك بالقوة العسكرية ضد استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا.
لا، لقد كانت سوريا هي أسوأ أخطاء أوباما، الكارثة التي لا يمكن أن تكون مصدرًا لأي فخر؛ وفي داخل هذا الخطأ الكلي الفادح أسوأ خطأ هو “الخط الأحمر” المتمايل الذي أضعف كلمة أمريكا، وشجع بوتين ومنح القوة للأسد.
وكما قال أوباما في ٣١ أغسطس عام ٢٠١٣، خلال إعلانه عن قراره بتأجيل العمل العسكري لطلب الموافقة على استخدام القوة من الكونجرس: “ما هو الغرض من النظام العالمي” إذا كان من الممكن تجاهل حظر الأسلحة الكيماوية؟، وقال أيضًا: “ما هي الرسالة التي سنبعث بها إذا كان ديكتاتور يستطيع إطلاق الغاز على مئات الأطفال حتى الموت أمام أعيننا ولا يدفع الثمن؟”.
الإجابة واضحة الآن: الديكتاتور الأسد سوف يذبح عددًا أكبر من الأطفال، والنظام العالمي الذي يدعم السلام سوف يصبح أضعف.
وفي الحقيقة، لم يقل أوباما في روز جاردن قبل ثلاث سنوات إنه قد رفض القوة؛ لقد حثَّ الكونجرس على دعمه في هذا، ومع الوقت جعلته هذه الأحداث “فخور جدًا في هذه اللحظة”.
ليست هناك نتيجة في سوريا أسوأ من النتيجة الحالية، لقد كان من الأولى قتال الأسد وطائرات التي تقصف المدنيين قبل محاربة تنظيم الدولة، وقد كانت عواقب سياسة الخروج سريعًا من سوريا بالنسبة للحلفاء الأوروبيين وخيمة.
يجب أن نفهم أن أولئك الناس اليائسون يزينون شوارع المدينة بالزهور لينصروا الحياة على الموت؛ بائع الزهور قد قُتل، وألم ابنه الرهيب هو ألم المدينة كلها.
حلب، رمز الفشل، رمز اللامبالاة، رمز الانسحاب الأمريكي، كان يجب أن تترك لتنزف وحدها.
اقرأ:
نيويورك تايمز: داريا.. النجاة بشروط النظام أو الموت بدون شروط



المصدر: نيويورك تايمز: انسحاب أمريكا ومعاناة حلب

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك