مايو 12, 2024

نيويورك تايمز: ترجمة محمود محمد العبي- السوري الجديد
يقول خبراء في الحروب الأهلية أن هناك عدة أسباب تقود إلى أن سوريا هي “حقاً مسألة عسيرة جداً”، تتعارض مع مقارنات تاريخية.
هناك حقيقة أساسية بشأن الحرب الأهلية في سوريا لا تبدو بأنها ستتغير مطلقاً: إنها تحبط أي محاولة للنهاية.
على الرغم من العديد من الهجمات ومؤتمرات السلام والتدخلات الخارجية، بما في ذلك التوغل التركي هذا الأسبوع في بلدة حدودية في سوريا، المخرز الوحيد الذي يبدو يسير من أي وقت مضى هو الذي يقيس معاناة السوريين – تلك المعاناة التي فقط تزداد سوءاً.
تكشف البحوث الأكاديمية في الحروب الأهلية السبب. يستمر متوسط هكذا صراع حوالي عقد من الزمن، وهو ضعف وقت الحرب في سوريا حتى الآن. ولكن هناك مجموعة عوامل يمكن أن تجعلهم أطول زمنياً، وأكثر عنفاً، ومن الصعب إيقافهم. وتقريباً جميع هذه العوامل موجودة في سوريا. ومن هنا، ينبع الكثير منهم من التدخلات الخارجية التي كانت تهدف إلى وضع حد للحرب، ولكن بدلاً من ذلك تقع في طريق مسدود، حيث أن العنف ذاتي التعزيز والسبل الطبيعية للسلام مغلقة. بالمجمل، تسير حقيقة أن المعركة الأساسية متعددة بدلاً من تكون بين طرفين أيضاً ضد القرار.
عندما سئلت فيما إذا كان للصراعات الأخرى عبر التاريخ لها ديناميات مماثلة، ردت باربرا والتر واو – وهي أستاذة في جامعة سان دييغو وخبيرة بارزة في الحروب الأهلية، متوقفة مؤقتاً – الأمر إلى عدد قليل من الاحتمالات، ثم أقلعت عما قالت. لا وجود لديناميات مماثلة. قالت: “هذه حقاً مسألة عسيرة للغاية”.

 الصراع بعيد عن الاستنزاف

تنتهي معظم الحروب الأهلية عندما ينهزم طرف واحد. إما عندما ينهزم عسكرياً، أو عندما يفرغ من أسلحته أو عندما يخسر الدعم الشعبي، ومن ثم يتوجب عليه الكف عن القتال. حيث تنتهي ربع الحروب الأهلية في نهاية الأمر عبر اتفاق سلام، وغالباً بسبب استنفاد طرفي النزاع.
قد يكون ذلك حدث في سوريا: جميع المقاتلون الأساسيون – الحكومة والمتمردون الذين بدأوا القتال في عام 2011 – ضعفاء للغاية، ولا يمكنهم الاستمرار في القتال لفترة طويلة. لكنهم ليسوا لوحدهم. حيث يدعم كل طرف قوى أجنبية – الولايات المتحدة وروسيا وإيران والسعودية والآن تركيا. وبعبارة أخرى، بشكل طبيعي تغيب القوى التي من شأنها أن تعوق الجمود في النزاع، مما يسمح باستمرار الصراع وقتاً أطول بكثير من الصراعات التقليدية.
يتم تزويد القوات الحكومية وقوات الثوار بالسلاح من الخارج، وهو ما يعني أن أسلحتهم لن تنفد أبداً. ويستجلب كلاهما أيضاً دعم سياسي من حكومات أجنبية التي لا تستشعر بتكاليف الحرب بشكل مباشر، على عكس السكان المحليين الذين ربما يدفعون نحو للسلام لإنهاء آلامهم. هذه التكاليف المادية والبشرية سهلة التحمل بالنسبة للقوى الأجنبية البعيدة الأكثر ثراء.
وفقاً لجيمس فيرون، الأستاذ بجامعة ستانفورد الذي يدرس في مجال الحروب الأهلية: هذا هو السبب، حيث وجدت دراسات متعددة أنه “لو كان لديك تدخل خارجي على الطرفين، فالمدة من شأنها أن تكون أكبر”.
تشترك في المعارك البرية أيضاً الميليشيات الكردية، التي تتلقى بعض الدعم الأجنبي، والدولة الإسلامية، التي لا تتلقى أي دعم. ولكن تركز القوات الموالية للحكومة والمعارضة على بعضها البعض، مما يجعلهم ورعاتهم الديناميكية المركزية للحرب.

2-ليس باستطاعة أي طرف أن يخسر، وليس باستطاعة أي طرف أن ينتصر
لا يزيل الرعاة الخارجيون فقط آليات السلام. ولكنهم يدخلون أيضاً آليات التعزيز الذاتي لطريق مسدود من أي وقت مضى.
كلما يخسر طرف الأرض، يزيد داعميه الأجانب مشاركتهم، بإرسال الإمدادات أو الدعم الجوي لمنع هزيمة لاعبهم المفضل. ثم يبدأ ذلك الطرف بالانتصار، الأمر الذي يحرض الداعمون للطرف الآخر أيضاً بزيادة دعمهم. كل تصعيد أقوى قليلاً من سابقه، بالإسراع في القتل دون تغيير التوازن الأساسي للحرب.
كانت هذه القصة سورية تقريباً منذ البداية. في أواخر عام 2012، عندما عانى الجيش السوري الهزائم، تدخلت إيران لصالحه. وفي أوائل عام 2013، انتعشت القوات الحكومية، بالنتيجة أغرقت دول الخليج الغنية الثوار بالدعم. وبعد عدة جولات، انضمت الولايات المتحدة وروسيا إلى النزاع.
هذه القوى الخارجية قوية بما فيه الكفاية تقريباً لمطابقة أي تصعيد. حيث لا يمكن لأي طرف أن يفرض انتصاراً كاسحاً؛ لأن الطرف الآخر يمكنه دائماً الرد، وبالتالي تستمر الجولة. وحتى يمكن للتقلبات الطبيعية في خطوط المعركة أن تفضي إلى جولة أخرى.
خلال العام الماضي، على سبيل المثال، دعمت الولايات المتحدة الأكراد السوريين ضد الدولة الإسلامية. وعندما أصبح الأكراد أقوياء، الأمر الذي أقلق تركيا، التي تقاتل التمرد الكردي الخاص بها. هذا الأسبوع، تدخلت تركيا للسيطرة على بلدة جرابلس السورية، بدعم من الولايات المتحدة، لمنع الأكراد من السيطرة عليها. (تؤيد الولايات المتحدة هذا الجهد، أيضاً، في حالة لم تكن التحالفات معقدة بما فيه الكفاية.)
وقال البروفيسور والتر “نميل إلى التفكير أن هذا سيء. حسناً، لا، يمكن أن يحصل أسوأ منه بكثير”.

3. بنية الحرب تشجع الفظائع
شهدت سوريا حالات قتل جماعية وعشوائية متكررة للمدنيين من جميع الأطراف. ليس الدافع وراء هذا فقط الخبث، ولكن هناك شيئاً أكثر قوة: البواعث البنيوية.
في معظم الحروب الأهلية، تعتمد القوات المقاتلة على الدعم الشعبي لتحقيق النجاح. حيث تمنح هذه “التضاريس البشرية” – كما يسميها خبراء مكافحة التمرد – جميع الأطراف باعثاً لحماية المدنيين والحد من الأعمال الوحشية، وتكون حاسمةً في العادة.
تشجع الحروب مثل حرب سوريا – التي تعتمد فيها الحكومة والمعارضة بشكل كبير على الدعم الأجنبي – على السلوك المعاكس الدقيق، وذلك وفقاً لبحث أجراه كل من ريد وود ويعقوب كاثمان وستيفن جينت: وهم علماء سياسيين في جامعة ولاية أريزونا وجامعة ولاية نيويورك في بوفالو وجامعة ولاية كارولينا الشمالية.
لأن المقاتلون في سوريا يعتمدون على رعاة أجانب، عوضاً عن السكان المحليين، هؤلاء الرعاة الذين لديهم باعث ضئيل لحماية المدنيين. في الواقع، تحول هذه الدينامية السكان المحليين إلى تهديد محتمل بدلاً من أن يكونوا ملاذاً ومصدراً ضرورياً.
حيث وجد الباحثون: أن البواعث تدفعهم إلى “استخدام العنف والإرهاب الجماعي لتشكيل سلوكيات السكان”. وقد لا تمثل الصور التي نراها لأمهات القتلى والأطفال متفرجين لا حول لهم ولا قوة وإنما أهداف متعمدة، لم يتم قتلهم بشكل جنوني أو وحشي وإنما ببرود بحساب عقلاني.
تجلب الهجمات العشوائية الحادة على المدنيين قليلاً المخاطر على المدى القريب وفوائد جمة: تعطيل سيطرة العدو أو الدعم المحلي وتهدئة التهديدات المحتملة ونهب الموارد وغيرها. حيث شنت القوات الموالية للحكومة حتى الآن معظم هجماتها ضد المدنيين، ولكن شن مقاتلو المعارضة أيضاً بعض الهجمات. 

4. الخوف من الهزيمة يرسخ وضعاً راهناً رهيباً
لا يستطيع أحد أن يجزم كيف ستبدو سوريا ما بعد الحرب أو كيفية الوصول إلى ما بعد الحرب، ولكن يمكن لأي شخص أن يتخيل وضعاً أسوأ. وهذا ما يخلق وضع التحيز، الذي يكون المقاتلون فيه أكثر قلقاً بشأن الحفاظ على ما لديهم، وعدم المخاطرة لتحقيق أهداف أوسع.
كما قال البروفيسور فيرون من جامعة ستانفورد: “أنه يكون مهم أكثر إيقاف الطرف الآخر عن الانتصار”.
تفهم كل قوة أجنبية بأنه لا يمكنها الانتصار، ولكن تخشى بشدة من انتصار الطرف الآخر. على سبيل المثال، ترى المملكة العربية السعودية وإيران سوريا كساحة معركة في صراعهما على السلطة في المنطقة، ويعتقدون أن الخسارة يمكن أن تشكل خطراً على أنظمتهم.
ما يفاقم هذا الوضع هو ديناميات صنع القرار في تحالفات فضفاضة. ويتكون كل طرف من عدة جهات بأجندات وأولويات مختلفة إلى حد كبير. في كثير من الأحيان، كل ما يمكن أن يتفقوا عليه هو أنهم يرغبون في تجنب الهزيمة. إنها استراتيجية بالقاسم المشترك الأدنى.
على سبيل المثال، هناك سبب للاعتقاد بأن روسيا تود من الرئيس بشار الأسد التنحي، أو على الأقل تقديم بعض التنازلات من أجل السلام. ولكن لا يمكن لروسيا إجباره على فعل ذلك، ولا يمكنها ببساطة التخلي عن سوريا من دون التخلي عن مصالحها هناك. قد يرغب السيد الأسد في الوقت نفسه في تدخل روسي أبعد؛ ذلك التدخل الذي يفضي لانتصاره- الانتصار الذي موسكو غير مستعدة لتقديمه.
النتيجة: يبقى السيد الأسد في مكانه، وتتدخل روسيا فقط بما يكفي لإبقائه هناك في الوقت الراهن.

5. يتم تشكيل الأطراف السورية بهدف القتال، وليس لتحقيق النصر
الحكومة السورية والمسلحين الذين يقاتلونها ضعفاء داخلياً في طرق تؤدي بهم إلى تفضيل طريق مسدود (الجمود)، مهما كان رهيب.
ينتمي كبار القادة في سوريا إلى الأقلية الدينية العلوية، الأقلية التي تشكل نسبة صغيرة من سكان البلاد ولكنها تشكل نسبة غير متناسبة في قوات الأمن. بعد سنوات من الحرب على طول الخطوط الديموغرافية، يخشى العلويون أنهم قد يواجهون إبادة جماعية فيما إذا لم يحقق السيد الأسد نصراً كاملاً.
ولكن يبدو أن هذا الانتصار غير مرجح، لأن وضع الأقلية العلوية يعطيهم دعم قليل جداً لاستعادة النظام عبر أي شيء إلا العنف. لذلك يرى القادة في سوريا بأن الجمود هو أفضل وسيلة للحفاظ على سلامة الطائفة العلوية اليوم، حتى لو كان ذلك يزيد من المخاطر بالنسبة لمستقبلهم على المدى الطويل.
المعارضة السورية ضعيفة بطريقة مختلفة. حيث تكون متبعثرة بين العديد من المجموعات، وهو عامل آخر يميل إلى إطالة أمد الحروب الأهلية، ويجعلهم أقل عرضة للأن يتوقفوا بطريقة سلمية.
ونجد أن كل دراسة  للأمم المتحدة رامية لإحلال السلام منذ عام 1945، نجحت في حل ثلثي الحروب الأهلية ذات طرفي النزاع، ولكن نجحت فقط في حل ربع تلك الحروب متعددة الأطراف. المعركة في سوريا مضلع معقد، مع مجموعة من الجماعات السورية الثائرة التي تشمل المعتدلين والإسلاميين: الفصائل التابعة لتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية، والقوات السورية والغرباء مثل حزب الله اللبناني الشيعي، والمقاتلون الأجانب الذين ينضمون للقتال باسم الجهاد.
لدى كل من هذه الفصائل أهدافها الخاصة، التي تضيق شروط أي اتفاق سلام محتمل. لكل منهما أيضاً باعثاً للتنافس مع مجموعات أخرى من أجل الموارد خلال الحرب، ولتقديم تنازلات بعد ذلك.
هذا هو السبب الذي يجعل المعارضة متعددة الأطراف تميل إلى الفشل. حتى لو أطاحوا بالحكومة، فإنه غالباً ما ينتهي بهم المطاف في حرب ثانية فيما بينها. 

6. مخاطر النصر
وقعت سوريا بين قوتين من القوى العسكرية الرائدة في العالم: روسيا والولايات المتحدة، ويمكن أن تُحل تلك الورطة فقط بغزو واسع النطاق.
في أفضل الأحوال، فإن هذا يتطلب شيئاً أقرب إلى الاحتلال الأمريكي الطويل الأمد للعراق أو لأفغانستان. في أسوأ الأحوال، قد يشعل غزو منطقة حرب – حيث الكثير من الخصوم الأجانب ناشطين – حرباً إقليمية كبرى.
وهناك طريقة أخرى يمكن أن تنهي هذه الحروب، وهي بأن يغير حليف أجنبي واحد سياسته الخارجية، ويقرر الانسحاب. وهذا يسمح للطرف الآخر بالانتصار بسرعة.
ولكن في سوريا، لأن كل طرف تدعمه قوى أجنبية متعددة، حيث من شأن كل حليف أن يضطر إلى التخلي عن دعمه في نفس الوقت.

7. عقبة في طريق السلام: لا قوات لحفظ السلام
غالباً ما تنجح اتفاقات السلام أو تفشل في مسألة من الذي سيسيطر على قوات الجيش والأمن. في سوريا، قد تكون هذه المسألة دون إجابة.
إنها ليست مسألة جشع، ولكنها مسألة ثقة. بعد حرب وحشية كما في حرب سوريا، قُتِلَ فيها أكثر من 400000 شخصاً حتى الآن، يخشى المقاتلون بأنه سيتم ذبحهم. ولكن سيخلق أي اتفاق – من شأنه أن يعطي الأطراف قوة عسكرية متساوية – خطر العودة إلى الحرب. وكذلك يسمح للثوار بالحفاظ على أسلحتهم واستقلاليتهم- وهو درساً تعلمه العالم في ليبيا.
وفي الوقت نفسه، يتوجب أن يكون هناك نوع من القوة المسلحة لاستعادة الأمن والتخلص من أمراء الحرب أو الميليشيات.
في كثير من الأحيان، كان الحل من خلال بلاد أو منظمة خارجية؛ مثل الأمم المتحدة، عبر إرسال قوات حفظ سلام. حيث تراقب هذه القوات الجميع أثناء المرحلة الانتقالية في البلاد إلى السلام، وتوفير الأمن الأساسي بالطريقة التي لن تحفيز أي طرف على إعادة التسلح.
ولكن أي بلد ستطوع مواطنيها لاحتلال غير محدد لسوريا، لا سيما بعد تاريخ تجربة أمريكا في العراق؟ ,أي قوة أجنبية ستجعل نفسها هدفاً للإرهابيين الجهاديين، ومن المرجح أن تواجه تمرد طويل الأمد الذي يمكن أن يكلفها مئات أو آلاف الأرواح.

8. الانجراف إلى كارثة
مصنفاً الطرق التي لا يمكن أن تنتهي الحرب فيها في سوريا، قال أستاذ فيرون أنه في أفضل الأحوال، من شأن طرف ما أن يحصد ببطء انتصاراً بعيداً، وهذا من شأنه فقط أن يخفض من مستوى الحرب ويحولها إلى “تمرد على مستوى أقل إلى حد ما، وإلى هجمات إرهابية، وهكذا”.
الحالة الأسوأ أسوأ بكثير.
ووفقاً لورقة في عام 2015 للبروفيسور والتر وكينيث بولاك، خبير في شؤون الشرق الأوسط، “غالباً ما يأتي النصر العسكري التام في الحرب الأهلية على حساب مستويات عنف مروعة (حتى الإبادة الجماعية) ضد المهزوم، بما في ذلك السكان المدنيين”. ويمكن أن يؤدي هذا لصراعات جديدة على مستوى الشرق الأوسط، ووجدوا: “تحاول المجموعات المنتصرة في بعض الأحيان في أي حرب أهلية توظيف قوتها الجديدة ضد الدول المجاورة، مما يؤدي إلى حروب بين الدول”.
هذا ليس الانجراف الذي يريده أي شخص، ولكن هذا هو الاتجاه الذي يجر العديد من المشاركين المحليين والأجانب في سوريا البلاد إليه. 
اقرا:
     نيويورك تايمز: انسحاب أمريكا ومعاناة حلب



المصدر: نيويورك تايمز: المفارقة السورية.. الأسباب التي تسير بسوريا من سيء إلى أسوأ

انشر الموضوع