مايو 16, 2024


نجم الدين سمان: جيرون
فلما كان جحا السوريّ وحماره في تغريبتهما الكبرى، شاهدا جَمعًا من السوريين في ساحةٍ، و رجلًا بربطةِ عُنُقٍ ائتلافيّةٍ، يقفُ على كَتِفِ مُهجَّرٍ سوريٍّ، ويخطبُ فيهم عن الثورة والاستبداد والحريّة.
استمع الحمار لِرُبعِ الخطاب، ثمّ بدأ يهرِشُ بحافرِهِ رقبَتَهُ؛ فسأله جحا:
– ما لك تهرُشُ هكذا؛ هل أنت جَربان.. لا سَمَحَ الله ؟!
فأجابه الحمار: أتحسَّسُ من الخطاباتِ جميعها،  وتثور فيَّ رغبةٌ جامحةٌ لِرَفسِ كلِّ مَن يخطبُ على مِنبرٍ، و خاصة.. مشايخَ الملوكِ والرؤساء، والأمناءَ العامِّين لأحزابهم.. أجمعين.
ضحك جحا وهو يُشيرُ إلى صاحبِ الربطة الائتلافيَّة على عنقه:
– وهل ستذهب الآنَ؛ لِتَرفِسَه؟!
نهق الحمار: – هذا أقلُّ قدرًا من أن يُرفَسَ.
فسألهُ جحا: ألأنَّهُ من المعارضة؟!
ردَّ الحمار: لا سيماءَ لَهُ، حتى لو كانَ من المُوالاة.
ثمّ استدارَ نحو آلةِ صِرَافَةٍ قرب الساحة، وقال لجحا:
– اسحَب كميةً من المال. سأُرِيكَ كيف يتِمُّ شراءُ الأرواح والأجساد، شِرَاءُ الخُطباء والقادة،  شراء مُعَارِضِيهِم، وحتى الثورات.. بالمال.
سأل جحا: – بالمالِ.. وحدَهُ ؟!
نهق الحمار: –  وبِأوهامِ السُلطَةِ والنفوذ؛ فإذا تعذَّرَ.. فبالخَمرِ والحَشيشِ والنساء.
سَحَبَ جحا كميةً من المال؛ فقال حماره:
– دُسَّها.. تحتَ بَردَعَتِي.
ثم بدأ ينهقُ مُصفِّقًا بِحَافِرَيهِ، مُخترِقًا الحَشدَ، حتى صار قِبَالةَ الخطيبِ الائتلافيّ؛ فأخَذَ يَشِبُّ على قائمتيه الخلفيتين، مُصفّقًا بحافريه الأماميّين، حتى أثلَجَ صدرَ الخطيبِ؛ فابتسمَ له بينَ كُلِّ جُملتينِ ثوريتين. فلمَّا انتهى من خُطبته؛ نزلَ عن ظهرِ مُرِيدِهِ، فتقدَّمَ الحمار نحوه؛ فصافحه بحرارةٍ، وأخذ يُثنِي على فصاحته وبيانِهِ و قوَّة شخصيته، حتى كادَ أن يذوبَ الخطيبُ في ثيابه، ثم أخذه جانبًا، فهمسَ في أُذنِهِ، يرجوه، وهو يتوسَّلُ بنهيقٍ ميلودراميٍّ، أن يَحُكَّ لَهُ ظهرَهُ؛ فَدَسَّ الخطيبُ يدَهُ  تحت بَردَعَةِ الحمار؛ فاصطدمت بكتلةٍ من الورق، ثم تحسَّسها بأصابعه؛ فاكتشف بأنها نقودٌ، فتلفّتَ مِن حولِهِ مِرَارًا حتى اطمأنّ، فَسَحَبَ كُتلَةَ النقودِ و دَسَّها في جيبه، و هو يربِتُ على عُنُقِ الحِمَار، و الحمار يتلوّى وينهقُ؛ والحشود من حولهما تُصَفِّقُ، حتى جاءت الشرطة؛ فنبّهت الجميعَ إلى أن وقتَ الاعتصامِ قد انتهى.
قال جحا السوري: فلما كان خِطَابُهُ الثاني، راح المؤتلِفُ بربطته الائتلافية يُشيدُ بأميركا، قلعةً للحريَّة في العالم، فاستبدَلتُ لهُ الدولار باليورو؛ فأخذ يشيدُ بأوروبا، قلعةً لحقوق الإنسان في الكون، وهكذا.. بحسب الجُنيهاتِ والدراهمِ والريالات والليراتِ الانكليزيّة والرشاديّة والمجيديّات والبراغِيثِ النحاسيّة؛ كلٌّ بِحَسبِ مَوقِعِهِ في حكومته أو في معارضاتها؛ وفي حزبه أو تيّارِهِ أو حركتِهِ أو هيئته أو ائتلافه.
نَهَقَ الحمار: فهل عَرَفتُم الحِكمةَ من المَثَل الشعبيّ: حكّ لي.. لأحكّ لك.
قال جحا السوريّ: وبالحَكِّ أيضًا.. ينتقل الجَرَبُ إلى الثورات.



الخبر كاملا هنا: نجم الدين سمان: جحا السوري وحماره وقراقوش

انشر الموضوع