مايو 18, 2024

ناشيونال انتريست: ترجمة صحيفة التقرير
بوريس جونسون، صحفي بريطاني، ينتمي إلى حزب المحافظين البريطاني، وقد تولى منصب وزير خارجية بريطانيا في 13 من شهر يوليو عام 2016، عُرف عنه مبادئه المعادية للإسلام، فهل هو مجرد مهرج لا يفقه شيء أم أنه حقًا سياسي مخضرم ومدبّر ذكي للعلاقات السياسية الخارجية؟ وهل يحمل الصفات نفسها التي اشتهرت وانفردت بها السياسات الدبلوماسية البريطانية لقرون طويلة؟ ومن الواضح – بالطبع – أنه اهتم مؤخرًا بتصرفاته وما ينطقه منذ أن تولى أعلى المناصب الدبلوماسية ليكون ممثلاً عن ملكة إنجلترا في الخارج، فكنت أرى أن مشاهدة مناقشاته البرلمانية المذاعة على الهواء مباشرة فيما يخص القضية السورية، هو أمر شيق للغاية.
ولكن في عالم الدبلوماسية، عادةً ما تجد الكلمات الصامتة أشد وقعًا وأهميةً مما ينطقه لسان الدبلوماسيين، ولكن مع الأسف الشديد لم يتحدث جونسون كثيرًا؛ فالعالم في حاجة ماسة إلى سماع تصاريح واضحة وصريحة لتوضيح الموقف الدولي وخطط القوى العظمى لمواجهة كل من روسيا وسوريا.
بدأت المناقشة بحوار دار بين نواب حزب العمال المنتخبين من قبل الشعب الإنجليزي لتمثيلهم، حول مدى تدخل بريطانيا في سوريا، وحول فرض مناطق حظر جوي خاصةً بمدينة حلب وعلى سوريا كلها عامةً، ومن أهم الاقتراحات التي عكف النواب على تقديمها لحل الأزمة السورية؛ اقتراح أليسون ماكجوفرن، والتي بكت بكثرة عندما تذكرت حادثة مقتل زميلها أندرو ميتشل وقارنت أوجه الشبه بين روسيا والنازيين: “أعتقد أننا لا يجب أن نهمل فكرة استخدام قدراتنا العسكرية بكميات محدودة مدروسة، مع فرض مناطق لا يسمح فيها باستخدام القنابل لحماية الشعب السوري من الأعمال الوحشية التي يتعرض لها”، بينما طالبت ليز كيندال الحكومة البريطانية بإعادة التفكير في فكرة فرض مناطق حظر للطيران الجوي.
هذا وقد توافقت آراء بوريس مع أغلبهم؛ حيث أعرب عن شعوره بالفزع من الأعمال الوحشية التي ترتكبها روسيا في حق السوريين، وهي أعمال منافية لحقوق الإنسان لابد وأن تتدخل بريطانيا لوقفها، وأضاف موضحًا بكل صراحة ودون الدخول في أي تفاصيل، أن فرض منطقة حظر جوي لابد – إن تمت – أن يكون هناك تأهب دولي واستعداد تام للدخول في حرب مع روسيا، وهو ما لن تقبل به أي من الدول الغربية.
وتدور المفاوضات الدولية في الخطاب الغربي حاليًا حول مدى حاجتها للتدخل في سوريا لحماية المواطنين أم لا، ولكن يكمن السؤال الأهم في إن كنا قادرين بالفعل على تحقيق ذلك أم لا، وفي إدراك ما سيعود على الغرب من مصالح جرّاء هذه الخطوة؟
لنفترض مثلاً أن اتجهت بريطانيا وأمريكا إلى تطبيق قرار فرض منطقة حظر جوي؛ فسنحتاج وفقًا لأي حرب كانت أن ندمر القوات السورية للانتصار في الحرب، وبالطبع لا تتماشى قدرات وإمكانيات القوات السورية مع القوى الجوية الغربية المهيبة، لذلك ستلجأ سوريا دون أدنى شك إلى تمرير دفاعاتها الجوية لتقودها القوات الروسية أو الأسلحة الدفاعية الجوية الروسية، وحتى إن حدث ذلك فمن الممكن أيضًا أن ينكر الروسيين إسقاطهم للطائرات الغربية ويدّعوا أن مثل هذه الأفعال تمت من قبل الثوار وحلفائهم، فيغيم السحاب على المشهد أكثر وأكثر ليصبح أكثر غموضًا وتعقيدًا مثلما حدث في أوكرانيا من قبل؛ حيث أنكرت روسيا دورها في أي أعمال من هذا الجانب ملقية اللوم على إحدى الطائرات المدنية، لتظهر روسيا في دور المتفرج وليس المُهاجم.
ما هو الموقف الغربي مما يحدث في سوريا؟ فلو قرر الغرب مواجهة سوريا فسوف يتحول اختيار المواجهة لتكون ثنائية، فبمشاركة الغرب في حربها ضد بشار الأسد لابد أن يعلموا جيدًا أن الحرب ستكون مع روسيا نفسها، وبالتالي لن ترد روسيا بدفاعاتها فقط، إنما ستنضم قوى إيران الجوية لتشاركها أو ستتحول مُجريات الحرب للأسوأ إذا ما قوبلت الحرب بالمواجهه الجوية الروسية، فهل الغرب مستعد لخوض مثل هذه المخاطر من أجل سوريا فقط؟ فالخطة الثانية لإنهاء المعاناة السورية تتطلب تقديم العديد من التنازلات المخزية، وبالتالى تنتصر روسيا وإيران وتتفاخرا بالمجد، ولكن لن تتوقف مجريات الصراع السوري على طرف واحد فقط، إنما تترتب العوامل على إدراك الجانب الآخر وقدرته على حل المشاكل والتعامل معها، ولا يوجد أي دليل على اهتمام أي من القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية، بالإضافة إلى الغرب، لتصعيد الأمور مع روسيا.
من الصعب أن يرفض أحد مساعدة سوريا بصراحة مبالغ فيها علنيًا أمام العالم كلِه؛ بسبب اهتمام مجتمعاتنا الحديثة بالقيم وحقوق الإنسان وبمعايير السلوك الدولية منذ عام 1991، ولكن لابد وأن يأتي شخص ما ويجرؤ على الاعتراف بها أمام العالم دون خوف.
السبب سهل وبسيط؛ فالتاريخ يعيد نفسه بعودة القوى العظمى، بينما لا يمثل أي من المآسي الموجودة حاليًا في الشرق الأوسط مثل المأساة السورية وأزمة اللاجئين، ليخاطر الغرب بخطوة مواجهة روسيا كقوى نووية عظمى.
تقسم العلاقات الدولية المبنية على ثقافات محددة إلى مناطق محددة؛ فهناك مناطق ذات أهمية عسكرية واقتصادية لكل من بريطانيا وأمريكا مثل شمال الأطلنطى والمحيط الهادئ الأسيوي، مع العلم أن الشرق الأوسط كان جزء من هذه المناطق التابعة لهم، إلا أن حالته الاقتصادية المزرية وموقعه الجغرافي المتأجج بالإضافة إلى إحباطات فشل الربيع العربي، كلها عوامل قللت من أهميته الاقتصادية والعسكرية بالنسبة لهم، مع العلم أن أهمية الشرق الأوسط تتضاءل مع ازدهار ثورة الطاقة الغربية، وهي واقع يعبّر عن تناقض الغرب المستمر، بينما سيظل الخليج العربي ذا أهمية كبيرة بالنسبة لهم للإبقاء على طرق التجارة مفتوحة، ولكن عدا ذلك فقد أصبح الشرق الأوسط غير مرغوب به، ومن الحكمة ألا يتدخل الغرب في صراعاته الثقافية، وبالطبع لا نحتاج أن نوضح أن المخاطرة بالتدخل في الأزمة السورية تشكل تصعيدًا غير متناسق أو مرتبط عن طريق روسيا وإيران وحلفائهم في أماكن أخرى عبر العالم، تهم الغرب ومصالحهم الأهم.
وكما أشار كل من باري بويسن وجوم ميرشيمر، اقتصرت السياسات الغربية الخارجية منذ بداية هذا القرن على دفع روسيا بقوة لأحضان الصين، فعلى الرغم من عدم توافق القوتين كحلفاء؛ إلا أنهما يمتلكان القدرة على الاندماج بطريقة أو بأخرى، متشاركين في مقاصدهما وأهدافهما تجاه القوى الغربية، وكما نرى العديد من الدول التي بدأت الانحياز إلى كل مَن يعادي الغرب مثل تركيا والفلبين.
أما فيما يتعلق بجانب المشاعر، فمن المحزن أن تشاهد تدهور السياسات الخارجية البريطانية إلى مرحلة بكاء أعضاء البرلمان أمام العالم بعدما كانت سياسات بريطانيا فخورة معتزة بكبريائها، وبالطبع لم يستطع جونسون، وزير خارجية بريطانيا، التعبير عن مثل هذه النقاط وعرضها للمناقشة علنيًا، ولكن يأمل الناس أن يستوعبها جيدًا وألا ينخرط في مشاعره فقط.
اقرا:
ناشيونال إنترست: هل بدأت عقد أوباما بالحلحلة نحو اتخاذ قرار بضرب بشار الأسد عسكرياً؟



المصدر: ناشيونال إنترست: كيف ترى إنجلترا الوضع في سوريا؟ وما هو موقفها منه؟

انشر الموضوع