مايو 16, 2024

كلنا شركاء: ميديل إيست آي- ترجمة صحيفة التقرير

عندما بدأت الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية قبل ست سنوات بمدينة درعا، جنوب سوريا، وتوقع عدد قليل أن الحملة العنيفة من قبل النظام من شأنها أن تؤدي إلى حرب أهلية وحشية. وحتى توقع عدد أقل أن تستمر تلك الحرب لأكثر من ست سنوات.

وفي حين كانت الحرب غير متوقعة بشكل معين، إلا أنها زادت من التأكيد على نقاط الضعف في البلاد وبدأت التوترات السياسية والتاريخية في تقسيم حياة الأفراد والمجتمعات. ويمكن للمرء تخيل أن بذور التوتر الطائفي في الماضي وأخطاء مدبرين الاستعمار والعقود التي سادها سوء الحكم من قبل النظام والاضطراب السياسي والإقليمي، قد تسببت في إحداث دمار لا يوصف.

ولم يكن يتوقع الجميع أن يبعث الصراع بتموجات تهز المشهد السياسي في كل قارة. وقد كان الدمار مقدس في حجمه، حيث أدى إلى نزوح نصف سكان البلاد البالغ عددهم 32 مليون نسمة، وهناك ستة ملايين كلاجئين. وقد غيرت محنتهم الدول القريبة والبعيدة. وفي الوقت الذي كانت فيه دول مجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن يواجهون التحدي المتمثل في الزيادة السكانية الغير مسبوقة. وقد تراجعت بلدان في أوروبا، ناهيك عن أمريكا، من خلال تصاعد نسبة العداء للمهاجرين، واستغلت الحركات الشعوبية اليمينية معاناة الملايين من أجل أجندتهم السياسية شديدة التعصب.

مستقبل غير مضمون

يبدو أنها ست سنوات واعدة جدا. لقد اتحد الرجال والنساء السوريين كجسد واحد احتجاجا على ظلمهم. ولكنهم لم يدركوا أن الأمل في حياة أفضل سيقابل برعب وبؤس لا يمكن تصوره. وقد قاموا بالهتاف لإسقاط النظام وردد ملايين آخرين. ووصف غضبهم بغضب المحرومين، كما كان غضبهم غضب الرجل المريض، وذلك كرد فعل لعقود من القمع. ولم تتغير الأمور بالطريقة التي كانوا يتوقعونها، كما أصبحت الآمال متعثرة نتيجة عودة القسوة والانتقام من قبل الدولة العميقة. وعلى الرغم من ذلك، فسوريا بها أكثر المناطق عرضة للتوترات المريرة من أي بلد آخر. إن الاضطرابات القوية للصراع قدت أدت إلى سحب كل مشكلة على نار هادئة نحو دوامة العنف.

يذكر أن مستقبل سوريا غير المضمون يعود إلى العديد من الأسباب ولكن ليس أكثر من التحول الهام من الحرب السورية إلى الحرب في سوريا. وبدأت الحرب في أن تصبح أقل صلة بالسوريين وأكثر صلة بالقوى الخارجية التي وجدت فرصة سانحة بالحرب لزيادة قوتها ونفوذها، حتى وإن كان ذلك سيؤدي إلى تكلفة إنسانية ضخمة. وتحدى الصراع القواعد الأساسية للحرب الأهلية كذلك، والتي هي في حد ذاتها دموية ووحشية. وربما قد انحدرت الحرب لتصل إلى مسار الحرب الأهلية النموذجية بالصراع، وذلك عندما كانت المواجهات المطولة لا يمكن تحملها في وقت سابق. وقد يكون هناك إمكانية لحل سريع، خاصة إذا كان الأسد على استعداد لتقاسم السلطة وقيام طرف ثالث بالحفاظ على السلام والأمن. وبدلا من ذلك، قد تضخم الصراع في المقام الأول نتيجة التدخل الأجنبي.

جدير بالذكر أن التدخلات الخارجية ساعدت على تمديد دوامة العنف ومنع الحرب من أن تأخذ مسارها الطبيعي. وأصبحت في طريقا مسدودا. وقد تحولت البلاد إلى قبر كبير، مما زاد الأمور سوءا نتيجة عدم اليقين بشأن الحرب السورية. وبنفس قدر سوء الأمور، كان الجميع داخل خذا القبر قادرين على تخيل سيناريو أسوأ بكثير إذا انتصر طرف واحد بشكل تام. إن الخوف من الشكوك بشأن المستقبل السياسي والتهديد بالانتقام بعد النصر دفع المنافسين للقتال حتى وإن كان النصر غير مضمونا.

وسرعان ما اتضح أن السوريين قد غيروا بلدهم والعالم ولكن ليس بالطريقة التي كانوا يرغبون بها. هل يمكن للأطراف السورية أن تلتحم معا مرة أخرى ومع أولئك النازحين في جميع أنحاء العالم والذين يريدون العودة؟

لا عودة إلى الوراء

إنه من الصعب أن نرى كيف يمكن لسوريا أن تعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب حيث سيطرت الأقلية الدينية على الأغلبية في وسط دمشق. وأصبحت البلاد شبيهة بالسجاد المرقع، حيث انقسمت إلى أربعة مناطق رئيسية وهي، المناطق الغربية والجنوبية من سوريا والتي لا تزال تحت سيطرة النظام، والكثير من المناطق الشرقية تحت سيطرة تنظيم الدولة، والمناطق الشمالية التي تم الاستيلاء عليها من قبل الجماعات الكردية بينما أحكمت المعارضة قبضتها على الجيوب المتواجدة بالنصف الغربي بالبلاد حول حلي وحمص ودمشق ودرعا.

جدير بالذكر أنه حتى وإن تم القضاء على قوات تنظيم الدولة من المشهد، فسيكون من الصعب عدم الاتفاق مع العواقب التي مفادها أنه ليس هناك عودة للوراء بالنسبة لسوريا. وفي الوقت الذي تستمر فيه مؤسسات الدولة في العمل وفرض القانون والنظام بالمناطق التي يسيطرون عليها، تدور بقية البلاد خارج فلك دمشق في اتجاهات مختلفة، واعتماد نظام معارض للحكم الذي أصبح راسخا بشكل متزايد. وقد أنشأت المجتمعات المحلية قانونها ونظامها الخاص، وكذلك قاموا بإنشاء بنية تحتية للصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية والأمن والاقتصاد.

يذكر أنه في معظم مناطق المعارضة، لا يعرف الأطفال الدولة السورية سوى من خلال القنابل البرميلية التي تسقط عليهم من السماء، بينما في المناطق الكردية يتعلم الصغار الكردي فقط ولا يتكلمون العربية، التي هي اللغة الرسمية الوحيدة بالبلاد. وهناك لا يقل عن أربعة مناهج دراسية مختلفة يتم تعليمها للأطفال السوريين، وثلاثة عملات متداولة بكميات كبيرة نسبيا، وهي الليرة السورية والدولار الأمريكي والليرة التركية. وفي يوليو من عام 2016، بدأ تنظيم الدولة في صك عملتهم الخاصة.

وربما تكون اللامركزية لا مفر منها. وربما يمكن لسوريا أن تلتئم معا مرة أخرى. وأيا كانت النتيجة، فسوريا الآن أهم من أن تترك وحدها للسوريين لرسم مستقبلهم. ويعلم الفرنسيون والبريطانيون ذلك أفضل من أي أحد آخر، وذلك منذ أن قاموا بتقسيم المنطقة لتتناسب مع طموحاتهم الاستعمارية قبل 100 عام. والآن، وبعد كل ذلك، يبدو أن مصير سوريا أسيرا لمخطط استعماري من قوة عظمى عالمية أخرى، الأمر الذي يجعل المرء يتمنى العودة إلى مجدها الإمبراطوري السابق.

وبعد التدخل في سبتمبر من عام 2015، والاستفادة من تردد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وضعت روسيا كل ثقلها وراء نظام الأسد. والاستثمار الكثيف لموسكو في سوريا يعني أن بوتين من المستبعد جدا أن يسمح بأية حلول تعمل ضد مصلحتها، حيث أنه سيرغب في رؤية بعض العائدات الكبيرة من وراء دعمهم للديكتاتور في عدم الوقوع من حافة الانهيار. وقد مكن الصراع موسكو من الحصول على موطئ قدم لها في الشرق الأوسط بعد مشاهدة أمريكا تقوم باستدعاء جميع الضربات في المنطقة على مدار عقود. إن نفوذ موسكو من النوع الذي أشار إليه وزير الخارجية البريطاني السابق فيليب هاموند قائلا:

هناك رجلا واحد على هذا الكوكب هو من يمكنه إنهاء الحرب الأهلية في سوريا من خلال مكالمة هاتفية، وهذا الرجل هو بوتين.

وفي حين أن مشاركة روسيا يمكن أن تتضمن إبراز نفوذها واستعادة مكانتها كقوة عظمى عالمية، إلا أن مصالح تركيا كانت أكثر إلحاحا. ليس فقط فيما يتعلق بأكبر عدد من اللاجئين السوريين لديها، وهم ثلاثة ملايين لاجئ، ولكنها كذلك في عمليات عسكرية ضد قوات تنظيم الدولة وعودها السابق المتمثل في الانفصاليين الأكراد. وتسببت الأزمات السورية في مخاوف عميقة لأنقرة حيث أنها تشاهد مساحات واسعة من الأراضي السورية يجري اجتياحها من قبل مجموعات يقال عنهم إرهابيين.

وعلى عكس تركيا، فمصلحة إيران من دعم عميلها الأسد تبدو أقل من الشواغل الأمنية الحالية وأكثر من الحفاظ على النفوذ الإيراني دون عائق مع طهران، وذلك من خلال بغداد وعلى طول دمشق وصولا إلى بيروت. وبدون مساعدة إيران، قد ينهار نظام الأسد في جميع الأحوال. وهذا هو السبب وراء إرسال طهران لكبار الشخصيات العسكرية والضغط على حزب الله اللبناني من أجل إرسال مقاتلين لمساعدة النظام السوري. وفي حين أن كلا البلدين تحكمها جماعات شيعية، إلى أن الروابط الدينية بين العلويين الشيعة والشيعة الإيرانيين قد تكون عاملا ثانويا في الهدف الأساسي للملالي في ظهران والذين يرون أنفسهم بشكل كبير محاطين بدول سنية معادية وموالية للغرب ويشعرون بأنهم يريدون جميع الحلفاء الذين يمكن العثور عليهم، كالعلويين في سوريا والحوثيين في اليمن، وذلك لضمان حماية مصالحهم الإقليمية.

جدير بالذكر أن مصير سوريا يقع في يد روسيا وتركيا وإيران كونهم قادرين على العمل من أجل التوصل إلى اتفاق. ومع تليين موقف تركيا والدولة الغربية بشأن الإطاحة بالأسد، يبدو أن أي قرار سيشمل الإبقاء على الأسد، على الأقل على المدى القصير، وذلك باعتباره الرئيس الفخري للبلاد. إن قدرتهم على اجتياز مصالحهم المختلفة سيتحدد كيفية تخطي العقبات السورية.

وبالنظر إلى ما هو أبعد من متاهة المصالح المتضاربة المعقدة، سيكون من الصعب تخيل سيناريو حيث تصاب فيه سوريا بالتمزق إلى درجة وجود مناطق للحكم الذاتي داخل دولة جديدة، على الأقل من دولة كردستان بأسرها. إن التقارب بين روسيا وتركيا يعد مؤشرا جيد على أن هذا سيكون السيناريو المحتمل، والأكثر من ذلك هو أن إيران ستقاوم إعطاء أية أمل لسكانها الأكراد في دولة كردية جديدة.

وربما تكون هذه واحدة من أهم نقاط الاتفاق بين الدول الثلاث الكبرى خاصة وأن العلاقات بين أنقرة وموسكو تبدو أنها تنتقل إلى مرحلة أقوى. لقد تم اختبارها في ظروف قاسية، حيث صمدت تلك العلاقات بعد إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا وكذلك اغتيال السفير الروسي في أنقرة. وإن لم يحدث أي شيء آخر، فهذا يعكس نظر كلا البلدين لبعضهما البعض على أن تأمين مصالحهم الرئيسية لا يقدر بثمن. وتم افتراض أن أنقرة تأمل في استيعاب روسيا لقلق تركيا الكبير ومنع تشكيل دولة كردستان الانفصالية بأي شكل.

جدير بالذكر أنه وسط الشكوك الدائرة حول مستقبل سوريا، يبدو أن الشيء الوحيد المؤكد هو أن مستقبلها يعتمد على قدرة المجتمع الدولية على الإمساك بالأفراد الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ووضعهم تحت المساءلة. إن محاولة درز البلاد معا مرة أخرى، دون التطرق إلى الظلم شديد القسوة خلال الست سنوات الماضية لن يكون كافيا لشفاء البلاد استعداد لمستقبل واعد.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع