أبريل 25, 2024

محمد الحمامصي: ميدل ايست أونلاين

ألقت الباحثة السورية ميادة كيالي في كتابها “المرأة والآلهة المؤنثة في حضارة وادي الرافدين” الضوء على هذه الفترة التي تميزت فيها المرأة على الأصعدة كافة بميزات عديدة سمحت بالاستنتاج بأنها كانت استمراراً لتاريخ أقدم لم يصلنا عنه الكثير. لكن الصيرورة التي حلت بمكانة المرأة أنبأت بأنها كانت أفضل، وتراجع دورها إلى أن وصلت إلى مراحل متدنية جداً من حيث الحقوق، وبخاصة في التشريعات التي انتقلت نحو التضييق والتشديد عليها، بل وحرمانها في بعض الأحيان من حقوق كاملة كانت تحوزها.

وقدمت كيالي في كتابها الصادر عن دار “مؤمنون بلا حدود” تحليلا للأساطير والألواح الطينية والمنحوتات والرسومات والآثار والنصوص الأدبية، لتخلص إلى أن الانزياحات المتوالية التي طرأت على دور المرأة، وقفت وراءها أسباب عديدة ذات أبعاد تتصل بالهيمنة الذكورية والرغبة في التسلط وانتزاع السلطة، وليس لأسباب ذات صلة بالحالة النفسية أو البيولوجية للمرأة، بدلالة أن التاريخ يحفظ في سجلاته أمثلة عديدة لنساء حكمن وتميزن وعُبدن لقرون بعيدة.

وكيالي باحثة وكاتبة سورية حاصلة على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة دمشق، وعلى شهادة الماجستير في الحضارات القديمة من جامعة فان هولاند قسم الأديان والحضارات، وتحضر حالياً لأطروحة الدكتوراة في الحضارات القديمة في نفس الجامعة بإشراف د. خزعل الماجدي، وتشغل حالياً منصب المدير العام لدار النشر “مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع”، صدر لها عن الساقي كتاب “أحلام مسروقة “عام 2010، و”رسائل وحنين” عام 2013. وفي هذا الحوار معها نتعرف على جوانب مهمة من بحثها “المرأة والآلهة المؤنثة”.

في البداية أكدت كيالي أن الأسباب التي دفعتها لاختيار المرأة محوراً لبحثها والذهاب بعيداً إلى الجذور لكشف ما غمض وما جرى من انقلاب على مكانة المرأة ترجع إلى إيمانها القوي بالمرأة، وبدورها في صناعة الحضارة، “وشعوري بالغبن الذي تعيشه رغم كل الإنجازات التي استطاعت أن تحققها هنا أو هناك، وقالت “غالباً ما أثار حفيظتي وأثار غضبي مقولة أنّ “المرأة خلقت لبيتها ولزوجها” هذا التحتيم يرسم لها، على نحو قسري، دوراً واحداً في الحياة خلقت لأجله، مع أن لديها أدواراً تميّزها وتزيد من مزاياها وتفردها. ولا أكون مغالية إذا قلت إنه يرفعها درجة، لكن أن نحجّم إنجازاتها في التاريخ فقط بالحفاظ على النوع كحاضنة ومربية، فهذا أمرّ مخلّ، وهو ما يحاول كتابي، بالبراهين، توضيحه”.

ورأت أن اختيارها لحضارات وادي الرافدين جاء انطلاقا من أن “حضارات الشرق من أقدم حضارات العالم، وهي غنية جداً وبلا شك تشكل أرضية خصبة لكل باحث في التاريخ القديم، لكن العصر النيوليتي الذي امتد من 8000- 5000 ق. م وتناولته في بحثي كعصر ذهبي للمرأة، كان رافدينياً بامتياز، يدل على ذلك انتظام ثقافاته المتتالية المترابطة، (جرمو والصوان وحسونة وسامراء)، بحيث شكلت هذه الثقافات مع الثقافات التي تلتها والتي سبقت اختراع الكتابة مهد حضارة الرافدين على وجه الخصوص، ومهد حضارات العالم على وجه العموم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد جمعت الحضارة السومرية جملة من أهم ركائز تكوين الحضارة في التاريخ الإنساني، وفي مقدمتها الكتابة التي كانت السبب الأساسي في حفظ وتدوين الذاكرة الإنسانية، وفيها اكتمل الدين بعناصره التي يجملها الباحث النبيه فراس السواح في كتابه “دين الإنسان” بثلاثة رئيسية هي: المعتقد والطقس والأسطورة، وثانوية تشمل الأخلاق والتشريع، ويضيف عليها الباحث د. خزعل الماجدي في كتابه (علم الأديان)، في المكونات الأساسية الأخرويات، وفي الثانوية يضيف السير المقدسة، والجماعة، والباطنية”.

وردا على تساؤل حول مدى تشابهت الديانات في حضارات وادي الرافدين مع الديانات السماوية في تكريس تبعية المرأة وترسيخ المجتمعات الذكورية، قالت “الحقيقة هي العكس، فالنظام الأبوي هو الذي ترك بصمته على المؤسسات الدينية، بحيث عكست هذه المؤسسات ذكورية التأويل وذكورية السلطة، ففي البحث ألقي الضوء مثلاً على التغييرات التي أصابت أولى أساطير العالم من الأساطير السومرية، وكيف تغيرت مكانة الإلهة الأنثى فيها تزامناً مع تغير دور المرأة بحكم التغييرات الاقتصادية الكبرى التي أدت إلى تشكل النظام الذكوري واستلام الرجل للسلطة سواء في الأسرة أو في المجتمع أو في المؤسسة الدينية”.

وعلقت كيالي على ملاحظة أنّ “الانقلاب الذكوري” الذي أطاح بالألوهة المؤنثة حدث بالتزامن مع نشوء المؤسسة الدينية، وهل الدين وحده ومؤسسته وراء ما جرى للمرأة؟ ألم تكن هناك أسباب أخرى تخص المرأة ساهمت في ذلك؟ قائلة إن “المؤسسة الدينية كانت قبل الانقلاب الذكوري وكانت تحت قيادة المرأة، الكاهنة العظمى كانت ممثلة الإلهة إنانا على الأرض، والمتحكمة بمصير الملك والبلاد، وكان المعبد يخضع لسيطرتها، وثروات المعبد أيضاً، واستمرت كذلك إلى أن بدأ تشكل المدن وصعد الرجل المحارب، وتراكمت الثروات، ونشأت الملكية الفردية، وتم تشريع أحادية الزواج للمرأة وشُرّعت قوانين الزنا لضمان طهورية النسب الذي انتقل للأب، وانتقلت معه الثروات من يد المرأة إلى يد الرجل، ورويداً رويداً، وعبر العصور، تم إقصاء المرأة عن المؤسسة الدينية، وتحولت إلى دنس، وتالياً إلى تابع للرجل بشكل كامل.

إن الديانات السماوية، وأعود إلى سؤالك الذي سبق، لأقول بأنها ليست مسؤولة عن وضع المرأة لكنّ نشوءها في مجتمع ذكوري أدى إلى تأويل يتناسب مع تلك الأرضية المفاهيمية، تماماً كما حدث مع تاريخ المرأة، فكما تقول الباحثة الأميركية غيردا ليرنر التي كانت وراء تخصيص قسم لتاريخ النساء في جامعات أميركا، بأنه ليست المشكلة في نقص المراجع والمصادر للبحث في تاريخ النساء، لكن المشكلة في إعادة التأويل والاشتغال على تلك المصادر، لذا كان من الأهمية بمكان البحث عن الأبواب التي أغلقت في التاريخ، ولم يتم التطرق إليها، لأنّ هناك من أفتى فيها واعتبر أنّ ما حصل كان حتمياً ومرسوماً بالقوانين الطبيعية، وإرادة الله”.

ورأت كيالي أن “المد الأصولي هو صورة نموذجية عن النظام الذكوري القديم الذي نشأ في تاريخ قديم، ونجحت المجتمعات المتحضرة في التغلب عليه، وإن بدرجات متفاوتة، سيُحدث بلا شك تدهور كبير على ما قطعته المرأة في مجتمعات العالم الثالث من أشواط لتلحق بنظيراتها من المجتمعات المتقدمة، رغم منجزاتها الخجلى على هذا الصعيد، فإنّ صعود مثل هذا المد الأصولي سيزيد الأمر تعقيداً وسيعيد المرأة للوراء قروناً”.

وأشارت كيالي إلى أن صور الحضور الأنثوي القوي في الجماعات والتنظيمات المتطرفة والارهابية وما عرف عن الكتائب النسائية وجهاد النكاح وغيره لا يخرج

عن نظرة دونية للمرأة تكرست منذ قرون وعادت لتطفو اليوم على السطح، لتكمل الصورة التي تحاول تلك الجماعات والتنظيمات رسمها على أنها إعادة تطبيق للشريعة، وهذا الحشد من النساء اللواتي ذهبن للجهاد هنَّ صورة لما وصلت إليه مجتمعاتنا من الجهل والفقر ونقص الوعي، من جهة، واليأس الذي كان حصيلة انكسار الثورات وتدهور الأوضاع، مما لم يترك خياراً في بعض الأحيان لأولئك المسحوقين تحت رحى الأنظمة إلا الإنضواء تحت طاحونة التنظيمات، أو الهرب إلى مجهول غير مضمون، من جهة أخرى.

ولفتت أن التناقض الذي عليه المثقفون رجالا أو نساء فيما يتعلق بأوضاع المرأة سببه التكريس التاريخي لأدوار محددة للمرأة والرجل في الحياة، تم تأييدها بتأويل للنصوص الدينية مما أكسبها قدسية لا يمكن الاقتراب منها أو نقضها، اليوم الرجل المثقف والمتعلم والحامل للشهادات العليا لا يزال يضمر في داخله نظرة دونية لعقل المرأة، ويعتبر أن أعظم ما يمكنها أن تفعله في الحياة هو أن تكون أماً لأولاده وخادمة لمتطلباته، وفي الوقت نفسه إن احتاج إلى عملها نراه لا يمانع، مع احتفاظه بهيبته وسلطته العليا، والمرأة للأسف تتعلم وتحمل الشهادات العليا ونراها تدافع عن ذكورية المجتمع، وتدافع عن تبعيتها، وكثيراً ما تقايض الحرية والمساواة في الحقوق بمكتسبات التبعية على الصعيد المادي خاصة، وعلينا أن لا نتفاجأ بالكثيرات ممن عملن ونجحن، يأخذن القرار بالتخلي عن العمل وعن الاستقلالية المالية لإرضاء المجتمع وإرضاء السماء.

وأكدت كيالي أنها سوف تواصل بحثها، وقالت “أواصل الآن البحث بحكم إتمامي لدراسة الدكتوراه في مجال الحضارات القديمة، مما سيفسح لي المجال أن أتابع بحثي والذي سيكون في نفس السياق، ولا أنوي التوقف عند حدود الدكتوراه، فالتاريخ يحفل بالكنوز التي فتحت شهيتي لإماطة اللثام عنها، وربما أساهم في إغناء الدراسات والأبحاث في هذا الحقل الذي سيعطي دفعاً للمنظمات الحقوقية في مسيرتها نحو إعادة المكانة والأهمية لدور المرأة في الماضي والحاضر ولاحقاً في المستقبل”.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك