أبريل 29, 2024

أول ما سيدهشك عند مشاهدة وثائقي رياضي مصنوع باحترافية عن موضوع ما، هو كم الهراء الذي تقرأه عادة عن ذات الموضوع على منصات التواصل الإجتماعي. ثاني ما سيدهشك هو قدرة الرياضة، وخاصة الرياضات الجماعية، على إنتاج الدراما بكثافة، وكأنها انعكاس لها؛ الدراما تُلهم الرياضة والعكس بالعكس، والفارق الوحيد في الوثائقيات الرياضية أن ما ستشاهده قد حدث بالفعل. (1)

في الأعوام الأخيرة، ومع انتشار شبكات الترفيه على الإنترنت، مثل نتفليكس وأمازون برايم وديزني بلَس وغيرها، انفجرت صناعة الوثائقيات الرياضية لمستويات غير مسبوقة، واكتشفنا أن كثيرا من الناس -على عكس المتوقع- يرغبون في معرفة المزيد عن اللعبة وصناعاتها وقصصها الملهمة، ولذا، نعرض لك في هذا التقرير بعض قصص الرجال البالغين الذين قضوا حياتهم في الركض خلف الجلدة المستديرة.

الثنائي إسكوبار (The Two Escobars)

في اتجاه مخالف تماما عن أغلب وثائقيات اللعبة التي تحكي عن كرة القدم الأوروبية، يأخذنا الأخوان “جيف” و”مايكل زيمباليست”، اللذان سبق لهما تقديم أفلام مثل “Give Us This Day” و”Momentum Generation”، إلى حكايات أميركا الجنوبية الدموية الساحرة، وعلاقة اللعبة المشبوهة بتجارة وصناعة المخدرات في كولومبيا(2).

الفيلم يحكي عن قصتين متقاطعتين متشابكتين، الأولى هي القصة البائسة الحزينة لأندريس إسكوبار سالدارّياغا، مدافع كولومبيا الذي شارك في مونديال 1994 وأحرز هدفا في مرماه بالخطأ، فكان له دور في إقصاء منتخب بلاده من دور المجموعات، ليقتل رميا بالرصاص في أعقاب البطولة، فيما استقر في الوعي الجمعي الكولومبي بكونه انتقاما(3)(4).

القصة الثانية تدور -كما توقعت- عن بابلو إسكوبار، إمبراطور المخدرات الشهير، وسبب تقاطع القصتين هو أن نادي اللاعب أندريس كان هو ذاته نادي الإمبراطور، أتلتكو ناسيونال الذي استخدمه تاجر المخدرات الأشهر في غسيل أمواله، وقاده في الوقت ذاته إلى أعظم فترة في تاريخه الرياضي.

الفيلم صدر في 2010، ويمتد لساعة و44 دقيقة، كما حصل على تقييمات مرتفعة للغاية على مواقع “IMDB” و”Rotten Tomatoes”. يتعرض الفيلم أيضا لحياة جون خايرو فيلاسكيز فاسكيز، رجل إسكوبار الأول، وسيزار غافيريا رئيس البلاد آنذاك، وأمثال لوز ماريا إسكوبار، شقيقة بابلو إسكوبار، واللاعب والمدرب الكولومبي السابق فرانسيسكو ماتورانا(5).

اجعلنا نحلُم (Make Us Dream)

جانب جديد قديم لا يمل منه محبو ليفربول وستيفن جيرارد نجم الفريق، يعرضه المخرج سام بلير الذي سبق له إخراج وثائقي “مارادونا 86″، يتحدث فيه قائد ليفربول التاريخي عن كواليس مسيرته، والعودة التاريخية أمام ميلان في 2005 التي أصبحت عنوانا له لاحقا(6)(7).

جيرارد يتحدث أيضا عما أسماه بـ”الإحساس القمعي بالمسؤولية” تجاه الفريق. كانت العبارة التي استخدمها بالإنجليزية هي “The Oppressive Sense Of Responsibility”، والمقصود بها أنه كان الرجل الوحيد الذي ذكّر الجماهير بعظمة ليفربول البائدة في هذا الفريق، وهو ما أشعره بالتزام شديد ناحيتهم منعه أحيانا من ملاحقة أحلامه الشخصية بالنجاح في مكان آخر(8).

المفاجئ في هذا الوثائقي هو تطرق جيرارد لعلاقته بالمدرب رافا بينيتيز، والتي يصفها -على عكس المتوقع- بـ”الباردة”، كذلك يصف كيف بدأ يشعر بالارتياح بعد الصعود الصاروخي لمايكل أوين في مطلع الألفية، وكأن جزءا من “الإحساس القمعي بالمسؤولية” قد انزاح من على كتفيه وأصبح يتشاركه مع نجم حقيقي من الأفضل في العالم في مركزه، ثم خيبة الأمل الساحقة عندما رحل أوين إلى ريال مدريد في 2004، قبل أن يعود الأمل مع لقب 2005 لدوري الأبطال.

الفيلم صدر في 2018، ويتشارك بطولته مع جيرارد كل من مايكل أوين وبوب بيزلي وكيني دالغليش وستيف بروس وجايمي كاراغر(9). الفيلم حصل على تقييم 7,9 على موقع IMDB، ويتضمن رائعة فريق “The Strands”، أغنية الجائزة أو “The Prize”.

كل شيء أو لا شيء! (All Or Nothing! – Tottenham Hotspurs)

نعم، نعلم أن الجزء الأول من الفيلم الخاص بمانشستر سيتي لم يكن مثيرا لسبب بسيط، هو أن قصة اكتساح البريميرليغ في موسم 2017-2018 افتقرت لدراما الصراع، الفوز باللقب بفارق 19 نقطة بعد تحقيق عدة أرقام قياسية هو إنجاز عظيم، ولكنه -مع الأسف- يفتقر للإثارة المطلوبة في الدراما.

العكس بالضبط صحيح فيما يتعلق بالنسخة الثانية من السلسلة عن توتنهام هوتسبيرز، والتي تعرضت لآخر أيام بوتشيتينو ولحظة وصول مورينيو. الكاميرات تعشق البرتغالي وهو يعشقها، وسواء كنت من محبيه أم لا فلا يمكنك أن تنكر أنه كان أهم منتج للدراما في كرة القدم خلال العقدين الأخيرين(10).

مباراة حياتهم (The Game Of Their Lives)

وثائقي عن آخر شيء تتوقع أن له علاقة بكرة القدم: منتخب كوريا الشمالية لكرة القدم.

أحاطته الخرافات من كل جانب عبر التاريخ، ولكنها لم تكن خرافات في الحقيقة، في مونديال 2010 مثلا، أذاعت وكالة الأخبار الكورية الشمالية خبر انتصار منتخبها على البرازيل في دور المجموعات بنتيجة 1-0. بالطبع، لم يكن هذا ما حدث(11).

بعدها بأربع سنوات كانت الأخبار الكورية الشمالية تعلن اكتساح منتخب بلادها دور المجموعات في مونديال البرازيل بنتائج 7-0 على الولايات المتحدة الأميركية، و4-0 على اليابان، و2-0 على الصين، وظهر فيديو يحتفل فيه المنتخب بانتصاراته الساحقة في البرازيل، بينما يحييهم كيم-يونج من المدرجات وسط المشجعين الأوفياء. المشكلة الوحيدة كانت أن كوريا الشمالية لم تتأهل لهذا المونديال(12).

هذا كله هو ما يجعل وثائقي “مباراة حياتهم” أو “The Game Of Their Lives” مميزا فعلا، لأنه على عكس كل الروايات السابقة، يحكي عن قصة حقيقية لمنتخب كوريا الشمالية في كأس العالم، في مونديال 1966 تحديدا الذي فازت به إنجلترا، عندما تأهل الكوريون الشماليون، وفاجؤوا إيطاليا بهزيمتها 1-0 في دور المجموعات، وكادوا يكررون انتصارهم على البرتغال لو لم يكن لأوزيبيو رأي آخر. قصة ملحمية خاصة لو أضفت لها الأبعاد السياسية المتأصلة في كل ما يتعلق بالرياضة في كوريا الشمالية(2)(13).

الزُّرق: تاريخ آخر لفرنسا (Les Bleus: Une Autre Histoire De France)

لا نعرف منتخبا آخر أحاطه كم الجدل والفوضى التي أحاطت المنتخب الفرنسي في الأعوام الأخيرة، من وقائع التمرد، إلى الخلافات مع المدربين والإداريين، مرورا بضغط الأحزاب السياسية -وفي مقدمتها اليمين- لأجل استبعاد لاعبين بعينهم، ونهايةً بالجدل الدائم حول أصول لاعبي المنتخب و”التوازن المطلوب” بين الأعراق الممثلة لفرنسا(2).

فيلم “الزُّرق: تاريخ آخر لفرنسا” هو عمل آخر رائع من تعاون الثلاثي “ديفيد دييتز” مُخرِجا، وكل من “باسكال بلانشار” و”سونيا دوغيه” بوصفهما مُخرِجَين وكُتّابا، يعرضون فيه تاريخ المنتخب الفرنسي خلال عقدين من الزمن بين 1996 و2016، باعتباره مرآة للمجتمع الفرنسي، بانتصاراته وانكساراته، وعناصره وعنصريته.

هناك سبب آخر جعل الفيلم ذائع الصيت(14)، وهو أنه صدر قبل تحقيق الديوك كأس العالم الثاني في تاريخهم بعامين فقط، في 2016، واعتقد الكثيرون أن عامين من التأخير كانت ستجعله أروع من تقييم 7,4 الذي حصل عليه على موقع IMDB.

خُذنا إلى الوطن (Take Us Home)

وثائقي آخر رائع من أمازون برايم يُعرض في 8 حلقات عن مسيرة ليدز يونايتد الملحمية للعودة إلى البريميرليغ، والأثر الضخم الذي أحدثه مارسيلو بييلسا في المدينة، وكيف اتحد معها ومع ثقافتها وشخصية مشجعيها، في تَفانٍ وإخلاص نادرين في اللعبة الحديثة(10).

الوثائقي صدر في 2020، ويقوم بالأداء الصوتي فيه الممثل الأميركي الأسترالي الأصل المولود في نيوزيلندا، راسل كرو، والذي كان محبا ومشجعا لليدز يونايتد منذ طفولته، بسبب الجيل التاريخي الذي شهده النادي في نهاية التسعينيات وبداية الألفية، والذي وصل إلى نصف نهائي دوري الأبطال، وكان يضم مجموعة من أفضل لاعبي أستراليا في تاريخها، مثل هاري كيويل ومارك فيدوكا وديفيد أوليري(15).

بعد 15 عاما من الغياب عن الأضواء، يحكي الفيلم كيف اتحد الجميع تحت إدارة الإيطالي رادريزاني لإعادة ليدز للبريميرليغ، وكيف تم ذلك بطريقة بييلسا الخاصة جدا(16).

سير أليكس فيرغسون: لا تتهاون أبدا (Sir Alex Ferguson: Never Give In)

السؤال المنطقي هنا قد يكون: ما الذي يمكن أن يُقال في مسيرة فيرغسون بعد كل ما قيل؟ وهذا هو بالضبط سبب تميز هذا الوثائقي، أنه يكشف معلومات غير متداولة ولم تنشر من قبل عن مسيرة الرجل الإسكتلندي الذي انحدر من الطبقة العاملة ليصبح أكثر المدربين تتويجا في تاريخ اللعبة(10).

هذا الفيلم من إخراج ابنه “جيسون فيرغسون”، الذي يشرح مسيرة والده من شاب متمرد قاد إضراب عمال الميناء في 1961، ثم أحرز هاتريك في مرمى رينجرز عندما كان يلعب لـ”سان جونستون”، ثم انضم إلى رينجرز بوصفه لاعبا، ثم قاد سانت ميرين وأبردين إلى المجد المحلي حاصلا على كأس أبطال الكؤوس الأوروبية مع الأخير، وصولا إلى صناعة التاريخ مع مانشستر يونايتد(17).

الفيلم مصنوع على الطراز الهوليودي، حيث تبدأ أحداثه من نزيف المخ الفتاك الذي تعرض له الرجل في 2018، ثم تستعرض مسيرة الرجل في لقطات تستعيد الماضي “Flashbacks”، وهو ما يظهر جليا على أحاديث فيرغسون أثناء الفيلم، حيث تخرج كلماته ثقيلة ومتباطئة وناعمة، ولكنك تشعر أن عقله لا يزال بالحدة ذاتها رغم كل شيء.

الفيلم صدر في 2021 عن أمازون برايم، مع ظهور خاص لكل من إيريك كانتونا وريان غيغز وغوردون ستراشان وأفراد عائلة فيرغسون، مثل ابنه جيسون وزوجته كاثي(18)، وحصل على تقييم 8,2 على موقع IMDB.

أخطر عداوات كرة القدم (Football Most Dangerous Rivalries)

كعادة “Vice”، يتعرض هذا الوثائقي للصراعات الثقافية الخفية المستترة خلف الكواليس، وتحديدا العداوة التاريخية الكروية والدينية بين سيلتيك ورينجرز في إسكتلندا(10).

الفيلم يتحدث عن عالم العنف بين مشجعي الفريقين، والإهانات العنصرية المتبادلة تاريخيا، وأثر ذلك على الحياة الاجتماعية في غلاسغو، في مشاهد تبدو منقطعة الصلة بكرة القدم، تستخدم الناديين كواجهة للعصبيات القبلية والدينية.

مدة الفيلم 45 دقيقة، وهو متاح للمشاهدة المجانية على قناة “Vice” على يوتيوب.

______________________________________________________

المصادر:

  1. لماذا تملك الوثائقيات القدرة على تغيير العالم؟ – One
  2. أفضل وثائقيات كرة القدم على الإطلاق – 90 Mins
  3. القصة خلف مقتل أندريس اسكوبار عقب نهائيات مونديال 1994 – Oh My Goal
  4. موت مفاجىء؛ كيف أعدم أندريس اسكوبار من منظمات تجارة المخدرات بعد هدف عكسي قضى على حظوظ كولومبيا في مونديال 1994 – The Sun
  5. وثائقي “الثنائي اسكوبار” “The Two Escobars” – IMDB
  6. كرة القدم على التلفاز؛ أفلام كرة القدم الوثائقية التي يجب أن تشاهدها – BT
  7. المخرج سام بلير – IMDB
  8. إجعلنا نحلم؛ المعاناة خلف إثارة ستيفن جيرارد – The Guardian
  9. وثائقي “إجعلنا نحلم” “Make Us Dream” – IMDB
  10. 14 من أفضل الأفلام الوثائقية عن كرة القدم يمكنك أن تشاهدها الآن – Goal
  11. بث من التلفزيون الكوري يظهر فوز المنتخب الوطني لكرة القدم على البرازيل بنتيجة 1-0 في مونديال 2010 – Youtube
  12. فيديو يظهر فوز منتخب كوريا الشمالية على خصومه في دور المجموعات من مونديال 2014 – BR
  13. وثائقي “مباراة حياتهم” “The Game Of Their Liver” – IMDB
  14. وثائقي “الزُرق؛ تاريخ آخر لفرنسا” “Les Bleus: Une Autre Histoire De France” – IMDB
  15. حب راسل كرو الأبدي لليدز يونايتد؛ كيف وقع بطل فيلم المصارع في غرام البيض العظماء – Leeds Live
  16. وثائقي “خذنا إلى الوطن” “Take Us Home” – IMDB
  17. مراجعة وثائقي “سير أليكس فيرغسون؛ لا تتهاون أبدا” “Sir Alex Ferguson: Never Give In” – The Guardian
  18.  وثائقي “سير أليكس فيرغسون؛ لا تتهاون أبدا” “Sir Alex Ferguson: Never Give In” – IMDB

اقرأ ايضاً: أفضل اشتراكات القنوات العربية (عالية الجودة)

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك