أبريل 18, 2024

معقل زهور عدي: كلنا شركاء

تبدو خارطة توزع القوى العسكرية والسياسية في سورية وكأنها في انتظار جلاء معركة الرقة لتنكشف عن معطيات تغير الصورة الحالية بطريقة دراماتيكية .

وأول المؤشرات الهامة ذلك النزول الأمريكي الميداني لساحة الصراع , طاويا صفحة السياسة الأمريكية تجاه سورية والتي اتسمت بالانسحاب واعطاء روسيا  تفويضا تاما  لللعب في الملعب السوري.

لقد انتهت تلك المرحلة , وهناك سياسة أمريكية جديدة تجاه سورية , سياسة لاتتسم بالانسحاب وادارة الظهر , وان كانت – ربما – لاترقى للتدخل العسكري المباشر والكثيف . وهذا ما يقوله النزول الميداني الأمريكي لساحة الصراع .

لكن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك اليوم أنها لا تهبط بجنودها فوق أرض خالية , بل فوق ميدان يعج بالقوى الدولية والاقليمية المتنافرة في الأهداف والتي تحاول تغطية تناقضاتها بلافتة مواجهة الارهاب والقضاء على تنظيم الدولة في آخر معاقله الرئيسية .

لكن دعونا من أمر تنظيم الدولة , فالمعركة أصبحت على الأبواب , واحتمالات تمكن تنظيم الدولة من الصمود في الرقة بعد انكساره في الموصل تبدو ضئيلة , فالرقة أصغر من الموصل بكثير , وهي أرض مكشوفة من كل الجهات , وقد تمت محاصرتها باستثناء ممرات ضيقة نحو دير الزور , ومهما حشد التنظيم من قوى عسكرية فلن يستطيع الوقوف بوجه القوى النارية الهائلة التي يؤمنها انخراط أمريكا وروسيا وتركيا معا , وقد أوضحت معركة الموصل أن سياسة التدمير الشامل التي اتبعتها روسيا في حلب قد أصبحت مدرسة معترفا بها في مواجهة تنظيم الدولة , فالمدنيون المحاصرون , والمباني الحكومية والسكنية ,ومحطات الطاقة , والمستشفيات والمدارس , كلها قد تصبح أهدافا للقصف الجوي والصاروخي في سبيل تعبيد الطريق أمام تقدم القوى البرية الزاحفة .

فاذا تركنا معركة الرقة للمراسلين وكاميرات الأقنية الفضائية , والمحللين العسكريين والاستراتيجيين , وفكرنا قليلا فيما بعد تلك المعركة , وكيف ستنعكس نتائجها عسكريا وسياسيا على الساحة السورية , نجد أن تلك المعركة مرشحة لتكون مرحلة مفصلية تعيد توزع أدوار مختلف القوى اللاعبة على الساحة السورية بحيث يغدو مابعد الرقة وكأنه لايمت بصلة لما قبلها .

مانراه اليوم هو محاولة أمريكية – روسية مشتركة لاخراج تركيا من معركة الرقة , أو اعطائها دورا ثانويا يزيد في تقليص نفوذها في سورية , فبين ما يبدو تصميما أمريكيا على خلق كيان كردي في الشمال السوري وبين مايبدو تصميما تركيا على منع وجود مثل ذلك الكيان ثمة منطقة وسطى تصلح لتكون أساسا لدور روسي تتمثل في خفض سقف الهدف التركي الى القبول بكيان كردي مقابل خفض سقف ذلك الكيان نحو حجم أقل , والاعتراف بالمصالح التركية في سورية , و تقديم ضمانات أمريكية في أن لايكون الكيان الكردي  قاعدة لانطلا ق عمليات الانفصاليين الاتراك خاصة حزب العمال الكردي ضد  الدولة التركية .

من سيتولى حكم الرقة بعد تنظيم الدولة ؟

وفقا لمجريات معركة الرقة , فاذا استطاعت الولايات المتحدة وروسيا اقناع تركيا , بدور عسكري ثانوي في المعركة المنتظرة , فذلك يعني خروج قوات درع الفرات من معادلة السيطرة على الرقة أو اعطائها دورا محدودا في تشكيل عسكري مؤقت متعدد الأطراف ( مجلس عسكري مشترك ) سرعان ما سيفضي الى هيمنة طرف على حساب بقية الأطراف .

يمكن أن تعيد روسيا وأمريكا الرقة للنظام السوري , فتضمنان صمت تركيا وموافقتها ولو على مضض , كما أن ذلك سيعطي النظام السوري انتصارا دعائيا آخر يساهم في تحسين وضعه التفاوضي وصورته أمام العالم كضامن لحراسة الرقة من عودة تنظيم الدولة اليها , علما بأن كلا من روسيا وأمريكا على علم تام بأن سيطرة النظام على الرقة ستكون هشة وقابلة للاختراق خاصة من قبل قوات سورية الديمقراطية بوجود الحليف الأمريكي على الأرض .

ابعاد الجيش الحر عن معركة الرقة , أو اعطائه دورا ثانويا سوف يعني مزيدا من الاضعاف للوضع الجيوسياسي للمعارضة أمام النظام

لكن ثمة واقع جديد وهام سيلقي بثقله على جميع الأطراف المتورطة في الصراع في سورية يتمثل في تضاؤل خطر تنظيم الدولة الى الحد الذي يصبح معه الاصرار على وضعه كأولوية في التعامل مع المشهد السوري أمرا غير مبرر على الاطلاق .

فماذا ستكون الأولوية اذن بعد معركة الرقة ؟

أظن أن الأولوية ستكون لحسم المنافسة الجارية ليس في أخذ الأدوار في الصراع داخل سورية ولكن في الصراع على سورية .

وسيمر بعض الوقت قبل أن ينجلي مثل ذلك الصراع عن اخراج بعض اللاعبين مثل ايران المرشحة لاخراجها من سورية , أو عن تقاسم النفوذ والمناطق بين لاعبين آخرين كأن تأخذ أمريكا حصتها من سورية بالتسليم لها بنفوذها في المنطقة المرشحة لتكون أرض الكيان الكردي , مقابل تسليم الولايات المتحدة لروسيا في نفوذها في منطقة الساحل السوري , ويمكن ارضاء تركيا بالتسليم لها بنفوذها في المنطقة التي سيطرت عليها قوات درع الفرات متحالفة مع الجيش التركي وصولا لمنبج أو الباب .

أما الحل السياسي العتيد , فسيكون وظيفته اعطاء صورة سياسية ودستورية تغطي واقع الانقسام والتقسيم , وتفرغ أهداف الثورة السورية , وتعطي الفرصة لانهاء القوى العسكرية التي لاتدخل ضمن اطار الحل السياسي .

لكن …سيفوت اللاعبين الكبار والصغار تقدير مدى تصميم الشعب السوري على انتزاع مصيره بنفسه من بين ايديهم , وقدرة ذلك الشعب وحيويته غير المحدودة , ومثلما تفاجأ الشعب السوري باتساع وقوة الدعم الذي تلقاه النظام السوري من الأطراف الاقليمية والدولية لمنعه من السقوط فسوف يفاجىء ذلك الشعب تلك الأطراف بصلابته وتصميمه وعزيمته التي لاتلين على انتزاع حريته وصنع مصيره بنفسه .

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك