مايو 4, 2024

معاذ عبدالرحمن الدرويش: كلنا شركاء
في عالم السياسة ليس كل من يتحارب أعداء ، و ليس كل من يتصافح أصدقاء ، فقد تكون هناك حروب طاحنة في الساحات، بينما قادتها يجلسون في الخفاء أصدقاء يتسامرون حول الطاولات.
بعدما سقط الإتحاد السوفياتي، وجد الأمريكان و الغرب أنفسهم في مواجهة أنفسهم ، ولكي يتحاشوا من أية مشاكل داخلية،  لا بد من إيجاد عدو خارجي لكي يحافظوا على توازن دولهم و يضمن سلامة مجتمعاتهم من الداخل ،فكانت عملية الحادي عشر من إيلول المصطنعة ، و التي بموجبها تم تصدير العدو الإسلامي بذريعة القاعدة على الواجهة ، كعدو حقيقي يضرب في العمق و يدمر و يقتل و يهدد أحلام الأمريكيين و الغرب. .
عبر التاريخ كثير من الدول و الإمبراطوريات كانت تختلق فيما بينها الحروب في سبيل أن يحافظ الملوك على عروشهم .
كيف سنميز ما بين الحروب الكاذبة و الحروب الحقيقية؟
الحرب الحقيقية هي الحرب التي تضرب على رأس العدو مباشرة، و لا تضرب على أطرافه فقط.
فالحرب التي تضحي بالجنود و بالمقاتلين و بالعتاد فقط ليست بالضرورة أن تكون حقيقية.
فحرب تشرين و التي يتغنى بها نظام الأسد بانتصاره التاريخي على إسرائيل كانت حرباً كاذبة ، فمن خلالها تم تثبيت أركان العرش لحافظ الأسد ، على أنه الرجل القومي الذي مرغ أنف إسرائيل بالتراب ، رغم أن الوقائع على الأرض ليست كذلك،  فاولاً الحرب لم تحرر شيئاً و لم تنتصر، و ثانيا دخل الجيش السوري إلى عمق إسرائيل و بنفس الوقت وصلت طلائع القوات العراقية ، و عندما كادت الحرب أن تخرج عن السيطرة و عن الحدود المرسومة لها، أعلن المجرم الخائن حافظ الأسد عن انسحابه و ايقاف الحرب، و رفض كل العروض العراقية باستمرار الحرب و طلب منهم المغادرة فوراً .ثم أعلن انتصاره بتحرير القنيطرة،  ولا تزال احتفالياته مستمرة إلى يومنا هذا بانتصاره التاريخي كما اعتبره ،على الرغم من عدم حصول أية حرب أو مواجهة بينه و بين الجيش الإسرائيلي من بعدها أبدا.
في سوريا اليوم لا يوجد حرب واحدة ، بل يوجد عشرات الحروب و الحروب والمتداخلة فيما بينها، و معظم هذه الحروب كاذبة ،تخدم حرباً حقيقة واحدة فقط ، و هي الحرب ضد الشعب السوري ، أما باقي الحروب فمعظمها إن لم نقل كلها مشكوك في مصداقيتها سواء بقصد أو بدون قصد .
كما قلنا الحرب الحقيقية هي الحرب التي تضرب على رأس عدوها.
النظام السوري يعرف جيدا من هو عدوه الحقيقي ، فالعدو هو الشعب السوري الثائر، ،و الشعب قبل الثوار لأن الشعب هو الذي يولد الثوار ، و من أجل ذلك ترى كل بنادق و كل صواريخ و كل براميل النظام المجرم تصب على رأس الشعب السوري اولاً، و من ثم تصب على الثوار و المقاتلين فيما بعد.
ينما نجد أن النظام المجرم أبعد ما يضرب داعش بالعمق ، رغم أنه يتغنى صباح مساء بحربه ضد الإرهاب و الإرهابيين ، و الأمر نفسه بالنسبة لشركاء إجرامه الروس.
أما الفصائل المقاتلة على اختلاف راياتها اليوم لا تضرب رأس النظام و المتمثلة في دمشق أولاً  و في الساحل ثانياً ،و هذا ما يدفع للتشكيك في مصداقيتها .
لو رجعنا قليلاً إلى بداية الثورة عندما  كان هناك ثوار حقيقيين جادين في إسقاط نظام الأسد ، كانوا لا يملكون إلا البنادق و بعض الأسلحة الخفيفة ، لكنها كانت مصوبة كلها إلى رأس النظام  و ليس إلى أطرافه..في بداية الثورة ضربوا القصر الجمهوري، في بداية الثورة ضربوا موكب المجرم بشار، في بداية الثورة توقف مطار دمشق الدولي عن العمل عندما أصبح تحت مرمى نيران الثوار..في بداية الثورة كان مطار حماة على مرمى الثوار يومياً، في بداية الثورة كان هناك حراكاً ثورياً بالساحل ، فطريق إسقاط النظام واضحاً و الكل يعرفه .
و بين يوم و ليلة جاء من يريد إقامة الخلافة الإسلامية فانتقلت المعركة من دمشق إلى الرقة ودير الزور، و من ثم إلى حلب و إدلب سواء بقصد أو غير قصد لكن هذه كلها  حروب كاذبة في إسقاط نظام الأسد.
أطلق الدواعش شعار”اتبع سهام الباطل لتعرف أين هو الحق “، في إشارة إلى طيران التحالف الدولي الكبير الذي يضربهم ،الشعار و المثل  صحيح لكن تفسيره خاطئ.. فسهام الباطل المنطلقة من طائرات التحالف و من الروس و من نظام الإجرام الأسدي لم تكن تسقط إلا على رؤوس الشعب السوري، و إذا أصابت و قتلت بعض مقاتلي داعش فهؤلاء أساسا هم وقود حرب و هم لا يقدمون و لا يؤخرون بالقضية شيئاً ، من ناحية ثانية قد يتساءل أحدهم لكن جنود الخلافة  أخذوا محافظتي الرقة و دير الزور – بطولها و عرضها – من نظام الأسد ؟.. و هنا بيت القصيد في موضوعنا ، عندما يخيروك ما بين قطع رأسك و أحد أطرافك بكل تأكيد و من البديهي أن تضحي باحد أطرافك في سبيل أن تحافظ على رأسك و حياتك ، و هذا ما حصل تماما عندما جاءت الأوامر لنظام الأسد بالتخلي عن الرقة و دير الزور ، لكي يستطيعوا أن ينقذوه من السقوط. و التخلي  كان بمعارك كاذبة ،صحيح أن النظام ضحى بمئات المقاتلين من جنوده ، لكنه بالمقابل حافظ على كيانه و رأسه من السقوط .
عندما كان هناك ثوار حقيقين استطاعوا ببنادقهم البسيطة أن يهددوا رأس النظام ..و اليوم الثوار يملكون عتاد الجيوش باستثناء الطائرات ..لكنهم يقاتلون في أطراف الأطراف لنظام الاسد ، أنا لا أشكك بالخيانة المطلقة للجميع ،و حتى نكون منصفين قد تكون معارك حلب و إدلب معارك استجرار و فرض من قبل العدو، لكن على الأقل لا يوجد هناك من يفكر بطريقة عسكرية صحيحة.
ليس مهما أن تقاتل .. الأهم أين و متى و كيف ستقاتل؟.
نحن لسنا بحاجة لجيوش تعج غبار معاركها سواء الحقيقية أو الكاذبة هنا و هناك.
نحن بحاجة لرصاصة مسدس واحدة فقط  تتوجه إلى رأس المجرم بشار لكي ينتهي كل شيء.
اقرأ:
معاذ عبدالرحمن الدرويش: السياسة التركية ما بين الجبن و العقلانية



المصدر: معاذ عبدالرحمن الدرويش: ما بين الحروب الكاذبة و الحروب الحقيقية

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك