مايو 16, 2024

معاذ عبدالرحمن الدرويش: كلنا شركاء
في بداية تسلمه للسلطة، طلب بشار الأسد من إياد غزال شخصاً يزكيه  لمنصب كبير في الدولة، و كان إياد غزال يشغل منصب مدير السكك الحديدية في سوريا و مدير القصر الجمهوري  بحلب في تلك الفترة، و يعتبر إياد غزال من الشخصيات المقربة جداً من بشار الأسد، طرح إياد غزال اسم أحدهم و كان يقدم له  – بشكل روتيني – على أنه رجل نشيط و جيد و نظيف، و عند كلمة نظيف استشاط  بشار الأسد غضباً على نحو غير متوقع أبداً، و ضرب يده على الطاولة و قال لإياد غزال: (شو عم تقلي نظيف و ما نظيف ،لا يوجد في هذا البلد نظيف إلا نحن بيت الأسد) و أنهى اللقاء عند تلك النقطة.
في قصة أخرى، كان هناك مسؤولاً كبيراً في حزب البعث، وتم إعفاؤه من منصبه، ففكر أن يعود إلى العمل السياسي من خلال ترشحه  كعضو في مجلس الشعب، بعد عدة أيام من ترشحه طلبت منه إحدى الجهات الأمنية سحب ترشحه باعتبار أن قائمة المرشحين عن الحزب تم إقفالها، و هو ليس من ضمنها، فغضب و قال لهم أعتبر نفسي مستقيلاً من صفوف الحزب منذ هذه  اللحظة و سأبقى مرشحاً مستقلاً.
و عند المساء جاءه عنصر مخابرات،  قال له: ( بيسلم عليك المعلم و هذه الأمانة لك من عنده)و كان مجلد ضخم يحوي أوراق كثيرة.
حمل المجلد إلى داخل البيت و بدأ يقلب بأوراقه، و إذ بالمجلد يحوي كل ملفات الفساد التي قام بها أثناء عمله عندما كان مسؤولاً بالحزب ،تقارير خطيرة عن كل  شاردة و كل واردة قام بها، سواء بعلم أحد أو بدون علم أحد، من رشوة و من سرقة و من احتيال و من استثناءات و من تجاوزات و من و من…
و في الصباح ذهب بكامل هدوئه،  و سحب ترشحه لعضوية مجلس الشعب، و على مبدأ المثل:(لا من شاف و لا من دري).
إذا أردت أن تعتلي أول درجات سلم المسؤولية في نظام الأسد، عليك أن تقدم براهين الولاء و الطاعة  لبيت الأسد، و هذا الأمر مرتبط بتقارير الأفرع الأمنية جميعها عن سلوكك و عن علاقاتك مع النظام.
بعد أن تعلق في أول السلك، إياك أن تكون نظيفاً، إياك أن تكون شريفاً، إياك أن تكون وطنياً مخلصاً، فأي من هذه الأمور كافية لأن تحرق كل أحلامك.
من أولى علامات الولاء لبيت الأسد أن تثبت لهم مدى تدهور وضعك الأخلاقي ، فهذا الأمر يجعل كشافات المخابرات السورية تلقي الضوء على وجهك الكريم، فليس من صفات المسؤول في نظام الأسد الصدق أو الأمانة أو الوفاء، و إنما عكس ذلك تماماً، و إذا كنت مسلماً تقع على عاتقك مهمة أخرى و أصعب ، فعليك أن تثبت لهم على عدم ارتباطك بالدين و لو بأي شكل من الأشكال، و من هنا تبدأ رحلة اختبارك و التعرف على مدى أهليتك لذلك، و تبدأ طقوس الطاعة و الإخلاص من خلال علاقاتك مع المسؤولين الآخرين و خاصة الأكبر منك، و يجب عليك أن تذهب معهم إلى سهراتهم و و تشاركهم جلسات سمرهم  لكي تثبت –  من خلالها – ولاءك لبيت الأسد.
فشرب الخمر يقربك من قلوبهم، و علاقاتك مع العاهرات الساقطات ترفع من مكانتك عندهم، و لكي تشاركهم القرار ما عليك إلا أن تقاسمهم صندوق رشوتك و سرقاتك.
كان نظام الأسد يعتمد على نظام الفوضى، باستثناء نظام الرشوة فقد كان منظماً و متسلسلاً بشكل هرمي، و هو النظام الوحيد المعتمد و الساري المفعول في كافة أجهزة الدولة، فالموظف الصغير يسرق على قدر حجمه، و عليه أن يقتطع جزءاً مما يحصل عليه للمسؤول الأكبر منه، و هكذا حتى تصل الرشوة الكبرى للوزير، طبعاً المبالغ الداخلة للمسؤولين الكبار من هذا الباب لا تعدل شيئاً بالنسبة لهم مقابل ما يدخل إلى جيوبهم من مدخلات و مخرجات البلد، و التي يتقاسمونها حسب مكانتهم و قربهم من أل الأسد، لكن القضية هنا قضية مبدأ و سلوك.
فنظام الرشوة هو بمثابة صك الغفران لكل مسؤول مخلص في نظام بيت الأسد.
و في قصة طريفة عن الرشوة، تم محاكمة شرطي لتورطه في رشوة قيمتها 2500 ليرة سورية،و حكم عليه بالسجن  و من ثم الطرد من الوظيفة، و طلب  وزير الداخلية رشوة بقيمة 250 ألف ليرة مقابل أن يبقى الشرطي في وظيفته و لا يطرد منها.
لكن السؤال لماذا يعتمد نظام الأسد على الفساد في نظام حكمه؟ و لا يعتمد على الإصلاح؟، أليس نظام الإصلاح أكثر ديمومة من نظام  الفساد؟.
الجواب بكل بساطة  صلاح البلد يعني زوال بيت الأسد، الذين تسلموا زمام السلطة في سوريا على حين غفوة من الشعب السوري،من أجل ذلك كان لا بد من تكريس مبدأ الفساد لكي يضمنوا استمرارية حكمهم إلى ما لا نهاية، فكل مسؤول يجب أن يكون متهم و مدان، لكي يضمنوا ولاءه المطلق لهم، حتى إذا ما عصى يكون مصيره مصير ذلك المسؤول البعثي الذي أراد أن يخرج عن إراداة آل الأسد.
فكما قال بشار لا أحد نظيف إلا بيت الأسد، و بالتالي فإن كل سوري  يراد الخلاص منه،يكون ملف إعدامه أو تحييده جاهزاً في أي وقت يشاؤون، و هذا ما حصل مع رئيس الحكومة محمود الزعبي الذي أعفي من منصبه بحجة الفساد و من ثم قتل.
باختصار إذا أردت أن تصبح مسؤولاً يجب عليك أن تسبح في بحر فسادهم و أنت عاري تماماً، و بالتالي فأنت أمام خيارين  فإما أن تبقى محافظاً على حياتك من خلال تمسكك بسفينتهم،  أو يكون مصيرك الغرق و الهلاك،و  إذا ما حاولت العودة إلى رشدك، سيلقوك على الشاطئ  أمام الناس و أنت بكامل عريك.
و من هنا نجد تفسيراً لندرة المسؤولين الذين انشقوا عن نظام الأسد، فهم  معدودين على رؤوس الأصابع، لأن الإنشقاق من نظام الأسد ثمنه باهظ جداً، فلو استطعت ان تفر بجلدك، لكن كم من فضيحة  – حتى على الصعيد الشخصي –  سوف يهددونك بنشرها أمام الناس.
اقرأ:
معاذ عبدالرحمن الدرويش: المؤسسات المدنية في المناطق المحررة



المصدر: معاذ عبدالرحمن الدرويش: كيف تصبح مسؤولاً في نظام بشار الاسد؟

انشر الموضوع