مايو 17, 2024

كلنا شركاء: شادي لويس- المدن
تصدرت إيرادات فيلم “مرحباً في بيت عائلة هارتمان” للمخرج سيمون فيرهوفن، والتي تجاوزت العشرين مليون يوريو مطلع الأسبوع الماضي، قائمة الإيرادات في دور العرض الألمانية لهذا العام. ينطلق الفيلم، الذي يقدم المعالجة السينمائية الكوميدية الأولى لمسألة اللجوء في ألمانيا، من المقابلة بين الحي الميسور الذي تسكن فيه عائلة هارتمان، في مدينة ميونخ، وأحد مراكز إيواء اللاجئين الموقتة في المدينة.

يلتقى العالمان، عندما تقرر ناظرة المدرسة المتقاعدة، أنجليكا، استضافة أحد اللاجئين في بيتها، لتتشكل حبكة الفيلم من سلسلة من التنميطات الجاهزة، وإسقاطات مباشرة سهلة التوقع، نجحت في تقديم أرضية مريحة للضحك. فالأم، أنجليكا والتي تعوض شعورها بالوحدة بالأدمان على الكحول، والأب ريتشارد، الذي يرفض الاعتراف بتقدمه في السن معتمداً على عمليات التجميل المتتالية، مع وحدة الابنه، صوفي، وحياتها العاطفية الفاشلة ومشكلات أخيها، فيليب، المدمن على ساعات العمل الطويلة، يقدمون تنميطات تقليدية عن هواجس المجتمع الألماني وأزماته. فيما يقدم “ديالو”، صورة منمطة عن اللاجىء النموذجي، الهارب من حركة “بوكو حرام”، والمنفتح والمتفائل والمفعم بالحيوية. يركز الفيلم على أزمات عائلة هارتمان، والتي تبدأ عُقدها في الحل مع وصول الضيف الجديد. يقوم ديالو بإخفاء زجاجات الشراب من أنجليكا، ويواجه ريتشارد بالحقيقة: “أنت رجل مسن”، بينما ينجح في تقديم صوفي إلى طارق، الذي سرعان ما تقع في غرامه. تتخلل رسالة الفيلم، والتي تقدم حلاً لأزمات المجتمع الألماني، عبر مقابلته مع جانبه الإنساني واستعداده للعطاء، الخلافات مع الجار البولندي، في اسقاط مباشر آخر على العلاقات المتوترة بين كل من ألمانيا ودول شرق ووسط أوروبا بخصوص مسألة اللاجئين. ويظهر الإنقسام السياسي بين اليمين واليسار الألماني في مشهد الصدام بين متظاهري حركة “باديغا” اليمينية والمتظاهرين اليساريين خارج منزل “هارتمان”، وينتهي اكتشاف ديالو بأن شريكه السابق في سكن اللاجئين، منتمٍ إلى “داعش”، لتقديم نموذج اللاجئ الشرير في مقابل نموذجه الطيب.

وفيما يكشف استقبال النقاد الفاتر للفيلم عن نجاحه المتواضع في توظيف الكوميديا، لتناول لمسألة الأكثر سخونة في المجتمع الألماني بشكل أكثر خشونة وصدامية، فإن الفيلم بالإضافة إلى ذلك، يتورط في تأكيد عدد من التصورات الإشكالية. فوحدة العائلة التي يدخل عليها ديالو، كضيف مؤقت، تؤكد تصوراً عن المجتمع المضيف للاجىء والمهاجر، بوصفه عائلة تربطها أواصر الدم والبيولوجيا. يظل أفراد بيت هارتمان، عائلة واحدة، لا تغيّر من تلك الحقيقة خلافاتهم وأزماتهم وعيوبهم. أما في ما يخص اللاجئ، والذي وإن حصل على حق الإقامة مثل ديالو في نهاية الفيلم المفعمة بالتفاؤل، فإنه يظل ضيفاً، أو صديقاً مقرباً، ويبقى انتسابه للعائلة مع حميميته، خارجياً وغير طبيعي. يقدم الفيلم صورة شديدة المثالية للاجىء “الجيد”، المفعم بالنشاط والأمل، والقادر على حل كل أزمات مجتمعه المضيف والتأقلم معها، والمتجاوز لماضيه المأسوي وتجربة اللجوء المريرة ببساطة شديدة. يضع ذلك التصور سلسلة من الاشتراطات شبه المستحيلة اللازمة لمنح اللاجئ صك القبول، بوصفه ضيفاً نموذجياً ونافعاً. لكن ذلك اللاجئ المثالي، والموكل له بشكل ما، إصلاح كل ما في مجتمعه المضيف من عيوب، لا يبدو أن من الممكن أن يكون له دور في المساهمة في تشكيل قيم ذلك المجتمع. ففي مشهد درامي، يقول طارق، حبيب صوفي الجديد، ونموذج المهاجر المندمج: “علينا أن ندافع عن قيمنا (الألمانية)”. ومع ان القيم التي يعنيها طارق هي التسامح والقبول، كما يوحي السياق، إلا أن تلك القيم تبدو تجسيداً لكل قيم المجتمع المضيف، والتي تبدو جيدة بالضرورة إن كان يجب الدفاع عنها، وثابتة أيضا، ويجب حمايتها من التغير. في النهاية، تأتي المفارقة الفجة بين ديالو، ولاجئ داعش، لتؤكد ثنائية قطبية غير قابلة للتفاوض، بلا مساحات رمادية تسمح بالتنوع والإختلاف، فاللاجئون ليسوا بشرا مثل الألمان، هم إما ملائكة أو شياطين.  
يبدو الأمر المثير للدهشة والجدير بالملاحظة أيضا، أن الفيلم يتشارك تلك التيمات الإشكالية مع الفيلم النروجي الكوميدي، “مرحبا بك في النروج”، والذي تدور حبكته حول استغلال “بريموس”، مالك الفندق العنصري وضيق الأفق، للاجئين، لإنقاذ فندقه المتعثر من أزمته المالية، بتحويله مركزاً لاستضافتهم في مقابل دعم مالي من الحكومة. وبالرغم من أن الفيلم النروجي يبدو أكثر نقدية في تعامله مع مسألة اللاجئين، بوصفها موضوعاً للمنفعة المادية وحسابات الربح والخسارة الرأسمالية والسياسية، لا كموضوع للتعاطف الإنساني وقيم التسامح كمقابله الألماني، إلا أنه ما زال يؤطر علاقة المجتمع المضيف كعائلة تربطها علاقات البيولوجيا.
تظهر زوجه بريموس المكتئبة وابنته المراهقة المأزومة، كإسقاط آخر على أزمات المجتمع المضيف، والتي تُحلّ إلا بوصول اللاجئين أيضاً. يقدم “مرحبا بك في النروج” نموذجاً للاجئ المثالي كذلك، أفريقي أيضاً بالصدفة. يتقن “عبيدي” خمس لغات، ولا يكتفى بمساعدة بريموس، بشكل تطوعي، في إعادة تجهيز الفندق غير الصالح للسكن وإداراته بشكل يومي، لكنه يعاونه أيضا على فهم السياسية الدولية والفرق بين السنّة والشيعة، والتعامل مع النزلاء الآخرين، بل وحتى في إتمام التعاملات الرسمية مع الإدارات الحكومية النروجية، وتغييره لشخص أفضل، أكثر إنسانية وتفهماً لمشاكل أسرته.  
بينما يوظف اللاجئ في الفيلمين، كأداة لحبك سردية عن المجتمع الأوروبي، وتشريح مشاكله وكشفها، في هوس بالإنكفاء على الأزمات الداخلية للمجتمع المضيف، يظل اللجوء موضوعاً شديدة الهامشية، لا يتم التعامل معه سوى من زاوية رسم صورة اللاجىء الخارق والمثالي، وتحديد مواصفاته التعجيزية، لتبقى الرسالة، مع حسن نوايا صناع الفيلمين: مرحبا فقط  باللاجىء “السوبرمان”.

(*) يمثل ديالو (الممثل البلجيكي إيريك كابونغو) اللاجئين، تستضيفه عائلة ألمانية ميسورة في ميونخ بعدما زارت الوالدة أنجليكا (سينتيا برغر) مخيماً للاجئين. والعائلة مؤلفة، إضافة إلى المدرسة المتقاعدة أنجليكا، من الأب ريتشارد الذي يواجه أزمة منتصف العمر، والابنة صوفيا (الممثلة النمساوية – التونسية الياس مبارك) التي فشلت في قصة حب حياتها، والابن فيليب المهووس بالعمل، والحفيد باستي غير الناجح مدرسياً.

اقرا:
زوجة شاب كندي: (لا تضعوا ورداً على قبره بل مالاً نوزعه على اللاجئين).. وهذه قصته مع السوريين



المصدر: (مرحباً في بيت هارتمان).. إن كنتم لاجئين مثاليين

انشر الموضوع