أبريل 18, 2024


محمد منصور: الغراب
لن تقودني الرغبة في تجريب أفق الاختلاف وتعدد الآراء في الإعلام، أن أفكر يوماً – ولو مجرد تفكير – بأن أقدم سيرتي الذاتية إلى قناة (المنار) أو (الميادين)أو (روسيا اليوم) أو (إن. بي. إن) أو إلى جريدة (الأخبار) أو (السفير) علني أفوز بفرصة العمل في مؤسسات إعلامية، تعادي ثورة الشعب السوري التي أنتمي إليها، وتناصر الديكتاتور المجرم الذي لم يترك وسيلة قتل وتدمير إلا واستخدمها من أجل بقائه في السلطة.
ولست استثناء في ذلك… فمعظم من ينتمون إلى ثورة شعبهم قلباً وقالباً، يفضلون البقاء عاطلين عن العمل، يكتبون مقالاً هنا أو هناك…  على تجريب حظهم في مؤسسات إعلامية تكذب وتزوّر، وتستل خناجرها اليومية للنيل من ثورة السوريين الذين أرادوا أن يتحرروا من حكم وريث في نظام جمهوري، أتى أباه إلى الحكم على ظهر دبابة، وقضى خمس ولايات رئاسية دون أي منافس ولو صوري على مقعد الرئاسة.
لكن الوضع بالنسبة للأقليات… ليس هو ذاته. وأنا أعني بالأقليات – تحديداً- أولئلك الذين يُظهرون غير ما يبطنون، وأولئك الذين يغلفون مخاوفهم من أن تحكم الأكثرية السنية، بالحديث عن داعش وجرائمها، وكأن السنة لم ينلهم حصة الأسد من أذى وإجرام داعش… وأولئك الذين يزاودون عليك بالثورة إلى درجة يبدون هم أصحابها وأنت بحاجهم لوجودهم معك كي تنال الشرعية منهم، فإذا خلوا إلى شياطينهم ومن يطمئنون لهم، قالوا كلاماً آخر عن تفضيلهم نار النظام ولا جنة هؤلاء “السلفين المتخلفين الدواعش” الذين ثاروا كي يقضوا على سورية العلمانية التعددية… ودعوا إلى بشار بالنصر على أعدائه!.
بمثل هذا المنطق رأينا الأقلياتي زاهي وهبي، مذيع قناة (الميادين) لا يخجل من أن يستمر في كتابة زاوية أسبوعية في جريدة (الحياة) السعودية، التي لاتمثل خطه السياسي لا في المطلق ولا في التفاصيل،والتي يشتم الحزب الذي يجله زاهي البلد الذي يمولها ليل نهار.. ورأينا الأقلياتي (ثائر ديب) يعمل في مجلة (الدوحة) في قطر… لفترة في الزمن كان يشتم فيها العربان الذي لا يجيدون التفاوض مثل حائكي السجاد الإيراني… وبمثل هذا المنطق رأينا العديد من الإعلاميين، الذين قدموا أنفسهم باعتبارهم “علمانيين” منشقين عن طوائفهم، يحصدون مواقع وامتيازات في الإعلام الذي ينقل صوت الثورة، أو يعادي المشروع الإيراني، لا ينالها أبناء الثورة أنفسهم ممن استشهد أهلهم وقصفت بيوتهم، ودمرت مدنهم!.
بالتأكيد استشهاد أهلك أو تدمير بيتك او حرق قريتك أو مدينتك لا يجعل منك إعلامياً جيداً… فالأساس هو المهنية وليس الثمن الذي دفعته من أجل الثورة، والذي دفع مثله أو أكبر منه مئات الآلاف من السوريين غيرك… لكن هذه الحجج والذرائع المهنية التي تساق، تختلف حين تتحدث عن قصور مهني مريع في أداء إعلاميين آخرين ينتمون لطوائف معادية للثورة.. عندها يدعونك لغض الطرف عن المعيار المهني، ويقولون لك: “هذا شيعي أو علوي من المهم استقطابه معنا…” أو “هذا درزي له كلمة في طائفته” أو “هل تريد أن يقولوا انه لا يوّظف غير السنة” وعندما تذكره بأن الأساس هو المعيار المهني، يذكرك بضرورة التنوع الطائفي واحتواء الجميع!
أعرف صديقاً لي كان يتحدث عن سورية الواحدة والمتعددة، ما سألته يوماً عن اسم ضيف لبرنامج، أو كاتب لزاوية، أو معلق على حدث، أو مرشح لعمل إعلامي، إلا طرح لي اسم شخص من أبناء طائفته حصراً… وأعرف مذيعة أقلياتية، تقدم برنامج حوارات تبدو فيه أشبه بمذيعة توفيق عكاشة أمام العديد من الضيوف… مجرد مستمعة لا أكثر. تطرح السؤال ولا تتابع ضيفها إن كان أجاب عليه أم لم يجب… وقد تندر رئيس التحرير في تلك المحطة على قدرتها الفائقة على قتل حيوية أهم شخصية يمكن أن تحاورها… واتفق معظم من في تلك القناة على رداءة حضورها الباهت، لكن ذلك لم يمنعها أن تستمر وتبقى… فأين المعيار المهني، الذي يحدثونك عنه حين يتعلق الأمر بشبان دارسي إعلام يبحثون عن فرص وليسوا من الأقليات؟!.
تسهم الطموحات السياسية أحياناً، أو الرغبة في التعبير عن وطنيتك في احتواء الجميع وتكذيب اتهامات الآخرين لك بالطائفية، في دفع بعض أصحاب المشاريع الإعلامية لاستقطاب الأقليات بغض النظر عن كفاءتهم، وكثيرون منهم قبضوا رواتب لأشهر وهم بلا عمل، أو قبضوها على أعمال كانت كارثية ومؤذية في صورتها النهائية… ويأمل هؤلاء بأن يقدر لهم أبناء الأقليات في لحظة وفاء، أنهم احتضنوهم وأمنوّا لهم عملاً حين أرادوا أن ينتسبوا للثورة… لكن سرعان ما تكشف الأحداث وهم “الوفاء” الموعود ذاك… ويلعن الأقلياتون في جلساتهم الخاصة الزمن الذي جعلهم يتنازلون ويقبلون بالعمل عند هذا وذاك… وكأنهم رفضوا عروض (السي إن إن) أو (سكاي نيوز إنكليزية) من أجل العمل في مؤسسة تنقل صوت الثورة… لكنهم في الواقع هم لا يقارنون وضعهم هنا بعروض أفضل… بل بما كان متاحاً لهم من ضرب بسيف المخابرات والطائفة في ظل النظام، ومن حصد امتيازات مع الظهور بشرف المعارضة… وهم يتذكرون صورة زملاءهم المضطهدين طائفياً الذين كانوا يقدمون لهم مساعدات هي أشبه بكف أذى المخابرات في أحسن الأحوال… ويتحسرون على فقدانهم هذا كله!
الأقلياتون الذين يعملون في إعلام هو ضد رغباتهم وأحلامهم في شأن عام يمسهم، هم أناس منافقون، ولا يرتجى من المنافق في أي موقف أو قضية خيراً أو مبدأ. أتذكر موقف الفنان المصري الراحل محمود مرسي. كان يعمل في الخمسينيات مذيعاً في إذاعة (بي بي سي) في لندن، وحين اشتركت بريطانيا في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 قدم استقالته قائلاً أنه ليس من أخلاقه أن يعمل في بلد يشن عدواناً على بلده.. كثير من الأقلياتيين يعملون في إعلام ممول من قطر ومن السعودية، رغم أنهم يعتبرونهما يشنان عدواناً ضد “سورية الأسد”  فلا ثورة شعبية ولا من يحزنون. وكذا حال العديد من الممثلين الأقلياتيين كأسعد فضة وعباس النوري وزهير رمضان وغسان مسعود وقصي الخولي وفايز قزق، لم يخرج أحد منهم ليقول بأنه لا يعمل مع أي جهة مرتبطة بقطر أو السعودية لأنهما تشاركان في “دعم الإرهابيين” ضد بلده كما يزعم!
لن يحصد إعلام الثورة… أو الإعلام السوري المستقل الذي يناصر الثورة، من استقطاب الأقليات على أساس التنوع الطائفي، أو المباهاة بالتنوع الطائفي سوى الأوهام.. وسيخسر الكثير من الإيمان الذي يحتاجه العمل الإعلامي بكل مهنية وإخلاص من أجل قضية سورية، ومن أجل قضية تطور الإعلام نفسه. وكل الحجج والذرائع التي تسوق خلاف ذلك هي ضحك على الذقون… وتجربة الإعلام المموّل سعودياً مع الأقليات تجربة مريرة وأنتجت فضائح كارثية بالمعنى المهني والأخلاقي.
الأقلياتون المنافقون وحدهم المدللون طبعاً. هناك أبناء أقليات صادقون وشرفاء ومؤمنون بالثورة نكن لهم كل احترام… وصدقهم وحماسهم للعمل الإعلامي وتفانيهم في خدمة عملهم، يشهد لهم بهذا الإيمان. وهؤلاء للأسف ليس لهم اميتازات، لأنهم لم يقدموا أنفسهم من باب الانتماء الطائفي، بل من باب الأداء المهني والبحث عن منبر ينقل صوتهم الحقيقي.. وحدهم أصحاب الصوت المزيف  يعرفون كيف يبتزون، وكيف يسوقون، وكيف يصنعون في أي مكان حلفاً أقلياتياً يُظهر غير ما يُبطن، ويُوهم رب العمل بعظمة إنجازاتهم ووطنيتهم، يضمون إليه من يضمنون ولاءه من المحسوبين على السنة… الذين يتوسمون فيه “الجحشنة الوطنية” وعمى البصر والبصيرة!




الخبر كاملا هنا: محمد منصور: أقليات مدللة إعلامياً.. الانتماء الطائفي يعلو على المهنية

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك