مايو 14, 2024

محمد أحمد الزعبي: كلنا شركاء
قصة الدكتور سليم بريك:
ينتمي الطبيب المرحوم سليم بريك موضوع هذه الفقرة ،  إلى عائلة عربية مسيحية تعيش في مدينة درعا / المحطة  . درس الطب في جامعة  دمشق ، وعندما تخرج منها كطبيب رفض عرض أخيه الأكبر فؤاد  أن يلتحق  به في كندا ، التي هاجر  هو إليها  بعد أن خرج من سجن ” الرفاق ” الذين كان يعمل معهم كواحد من ضباط انقلاب الثامن من آذار عام ١٩٦٣ .  لقد كان سبب رفض سليم عرض أخيه فؤاد  هو  أنه يريد أن  يبقى في سوريا ليخدم وطنه كطبيب. 
وبينما كان يمارس مهنته في أحد مستشفيات دمشق ( لاأذكر اي مستشفى ) ، جاءته ذات يوم  طفلة مدماة الوجه والرأس والجسد ، لكي يقوم بمعالجتها بما هو طبيب  ، ومن المعروف في مثل هذه الحالة ، أن يسأل الطبيب مريضه / مريضته عنسبب الإصابة ، وفعلاً سألها  خلال معالجته لجراحها عن سبب ماحل  بها ، فأجابته لقد ضربني ” سيدي ” الذي أعمل عنده كخادمة  ، وهنا سألها : ومن هو سيدك ؟ فأجابت : إنه الملازم  أول في سرايا الدفاع فلان الفلاني وهو من أحضرني بسيارته إلى هنا ، وهو ينتظرني الآن في الخارج لكي يعيدني إلى البيت معه وهنا قام الدكتور سليم بواجبه المهني ، فأخبر الجهة القضائية المختصة ، التي أرسلت إلى المستشفى ثلة من الشرطة لإلقاء القبض على الضابط وجلبه للتحقيق  ، وعندما وصل رجال الشرطة وطلبوا  منه مرافقتهم  ، سألهم ومن الذي أخبر القاضي  بالأمر ، فأجابوا  طبيب اسمه سليم بريك ، وهنا هاج  وماج سيادة الملازم أول  واندفع إلى غرف المعالجة  يبحث عن  هذا السليم بريك الذي تجرأعلى إخبار الشرطة  عن قضية تتعلق بواحد من عناصر ” القائد “  ، ولكن ممرضات المستشفى استطعن إخفاء سليم الذي تذكر الآن  عرض أخيه فؤاد فندم على عدم سماعه نصيحته  ، فحزم  أغراضه وركب الطائرة في اليوم التالي متوجهاً إلى الحدود الكندية الأمريكية ليلتقي أخاه فؤاد هناك ، وتبدأ في حياته مرحلة جديدة  ، بعيداً عن بصاطير عسكر ” الرفاق “  . 
لقد زرته  من جهتي ذات يوم في بيته في مدينة ( لاأتذكر الإسم ) الأمريكية ، وقد روى لي بنفسه الحادث الذي ذكرته أعلاه . 

  ، حكاية إحمد المصطفى العبد المجيد ( أحمد الزعبي )

 أرغب بالاشارة بداية إلى أنني قد غادرت سفينة البعث على مرحلتين ، الأولى كعضو في القيادة القومية وأمين عام مساعد للحزب  بتاريخ ٢٦.٣.١٩٦٧ ، والثانية  كوزير للإعلام مباشرة بعد  حرب حزيران عام ١٩٦٧ . وما أريد أن أقوله هنا  وبالعلاقة مع عنوان هذه المقالة ، هو أنني كنت في بيتي. عندما جاءني خبر وفاة  المرحوم أحمد الزعبي  ( تحت التعذيب  ) وفي مخابرات القوى الجوية التابعة لحافظ الأسد . حين سافرت مباشرة إلى قريتي وقرية المرحوم أحمد الزعبي  ( المسيفرة ) وكنت شاهد عيان لهذا الموضوع  . 
إن توقفي عند هذه الحادثة التي قارب عمرها على النصف قرن ، إنما  يعود لتقديري أن كثيراً من المواطنين  السوريين  ، ومن ضمنهم الكثير من أعضاء حزب البعث  نفسه يجهلون تفاصيلها   وذلك  بسبب التعتيم الإعلامي  الكامل عليه ، كونه  يعود إلى فترة  ماقبل انقلاب حافظ الأسد على حركة ٢٣ شباط ١٩٦٦   ،  ولأن مسألة الموت تحت التعذيب كان حتى ذلك التاريخ من الكبائر  السياسية  في سوريا التي يقتضي طمسها والسكوت عليها  . إن قصة المرحوم أحمد المصطفى  هي    ( إذا لم تخني الذاكرة ) كما يلي  : 
أحمد  مواطن عربي سوري من قرية المسيفرة  كان عضو اً في الحزب الشيوعي السوري ( قبل التشرذم )  ، كان يتقدم  باستمرار للحصول على وظيفة يعتاش منها  ، غير أن ( الشعبة السياسية ) كانت له بالمرصاد ، وكانت ترفض  الموافقة على توظيفه بحجة شيوعيته ، وعندما  أصبحت  وزيرا للإعلام في حكومة يوسف زعين عام ١٩٦٦  قمت فورا بتوظيفه في مؤسسة سانا التي كان يرأسها يومئذ المرحوم حسين العودات  . وفيما  علمته لاحقا أن هناك قريبان  له من قرية المسيفرة  كانا يؤديان ” خدمة العلم ” في مدينة دمشق  فكانا يزورانه في بعض المناسبات ، وبلدات في عطلة نهاية الأسبوع  ، فاعتبرت مخابرات القوى الجوية ( محمد الخولي ) أن الأمر يتعلق بخلية شيوعية داخل الجيش  ، فاعتقلت الثلاثة  ، وقامت بواجبات  استضافتهم المعروفة والتي وصلت هذه المرة حد موت المرحوم أحمد المصطفى ( تحت التعذيب !!)  . لقد تم تسليم الجثة إلى الشرطة العسكرية بدرعا ، وكانت موضوعة داخل ( تابوت ) كتب عليه ” الشهيد أحمد الزعبي ”  والادعاء بأنه قد  استشهد في فلسطين ، بينما كان يقوم بواجبه الوطني هناك . اتصلت الشرطة العسكرية بوالد ” الشهيد !!” وطلبت منه أن يحضر إلى درعا لاستلام الجثة . عندما علمت من جهتي بالخبر سارعت بالذهاب إلى قريتي المسيفرة ، ( تبعد ٢٠ كم فقط عن مدينة درعا )  لآجد الأهالي قد تجمعوا بالمئات في باحة دار  ( ابو أحمد ) ،  وهم  يتشوطون غضبا ، ويرفضون حفر القبر قبل أن يشاهدوا الضحية ويعرفوا السبب الحقيقي للوفاة  . أقنعت من جهتي  العم  ” أبو أحمد ” بضرورة أن نذهب إلى درعا  ونستلم الجثة .  وبالفعل ذهبت وإياه  بسيارة خاصة إلى درعا  ، واستلمنا  التابوت  من الشرطة . العسكرية وقد كتب  عليه ( باللمسخرة )   ” الشهيد أحمد الزعبي ” وسلمونا مع التابوت  تقريراً طبيا  موقعاً من الدكتور عبد الرزاق الشيشكلي يثبت أن أحمد  قد استشهد في فلسطين ( باللمسخرة مرة أخرى ) ، لقد كانت الكذبة مفضوحة بالنسبة لي كوني أعرف أن الدكتور عبد الرزاق الشيشكلي لم يكن يومها في سوريا آصلاً ، وجاءت معنا سيارة شرطة عسكرية إلى القرية  لمنع أهل الضحية  أو أهالي القرية من فتح التابوت ومشاهدة آثار التعذيب  . واقع الحال لم يحل وجود بضعة أفراد من الشرطة العسكرية من اندفاع أهل القرية إلى التابوت وكسره ليروا بداخله جسداً غابت معالمه تحت وطأة التعذيب  ، فأغلقوا التابوت  بسرعة من هول مارأوا ،  ( كنت أقف مع المئات خار مضافة أبي أحمد حيث التابوت  ) وقام بعدها أهل القرية بحفر القبر  ، وسارت  خلف التابوت جنازة مهيبة المسموع فيها هو ” لاإلاه إلا الله ” أما المخفي ( غير المسموع )  فهو  بالتأكيد أعظم  . 
في اليوم التالي للدفن ، شاهدت في جريدة الحزب الشيوعي نعياً لأحمد الزعبي وتنديداً بالطريقة التي قتل فيها  ، ولكن الجريدة الشيوعية قد تجاهلت  أن  النقيب مصطفى السمانة مات بدوره بنفس اليوم وبنفس الطريقة  ولكن بتهممة أخرى هي الانتماء إلى بعث العراق .  ، سافرت فورا  إلى دمشق وذهبت إلى بيت الأستاذ  خالد بكداش  ( أبو عمار ) وقلت له  : يبدو أنكم ياأبا عمار ضد تعذيب الشيوعيين فقط ، ولستم  ضد التعذيب من حيث المبدأ ، فسألني كيف ؟ فقلت له : أنت تعلم  أن النقيب مصطفى السماني قد مات تحت التعذيب أيضاً وبنفس اليوم الذي مات في أحمد   ولكن جريد تكم ( طريق الشعب ) لم  تنع  وتذكر إلا أحمد الزعبي باعتباره شيوعياً  وتجاهلت الآخر ! . فقال لي ” الحق معك ” وسوف نقوم  بتلافي هذه الخطيئة ، وفعلا قامت الجريدة في اليوم التالي بنعي النقيب مصطفى السمانة . 
ذهبت  بعدها مباشرة إلى أحد الأصدقاء ( إليا شديد )  الذي كان يشغل مديرا لإحدى الشركات الصغيرة التي  قمنا بتأميمها (!) فآخبرته بقصة أحمد الزعبي ، وقلت له : يجب أن  تطرحوا  هذه القضية ( الموت تحت التعذيب )  في منظماتكم الحزبية  ، وكان جوابه لي ، أن أخرج باكيت سجائر  ” بول مول ” من درج مكتبه الفخم  ، وقال لي : رفيق محمد أنتم من أوصلنا إلى هذا  ( وأشار بيده إلى باكيت البول مول )  وبات من الصعب علينا التخلي عنه ، ولذلك فلن أطرح الموضوع في فرقتي الحزبية  (!!).  أدركت  حينها أن سرطان  ” الإنتهازية ” قد بدأيتفشى في جسم الحزب  . 
بعد بضعة أ سابيع زارني رجل دين في بيتي  ، وطلب مني المساعدة في معرفة مصير ألشخصين  الآخرين اللذين اعتقلا  مع  ابن عمهما آحمد . اتصلت بمصطفى رستم  ( كان عضواً  في القيادة القطرية والمسؤول عن التنظيم الحزبي العسكري فيها ) ورغبت إليه أن يستفسر عن مصير هذين الشابين ، فطلب مهلة يومين ، أعلمني بعد مرورهما أن الشابين مازالا  على قيد الحياة وهما  في  أحد السجون  ، فآخبرت الشيخ بهذا الخبر  الذي وصلني من مصطفى رستم  . 
المصدر: محمد أحمد الزعبي: ذكريات شاهد عيان

انشر الموضوع