مايو 19, 2024


کتب مجيد مرادي للدبلوماسية الإيرانية: هناك جبهة جديدة يتم تشكيلها من من تركيا وإيران وروسيا ومن غير المستغرب أن تشهد سماء حلب عودة طائرات السوخوي لا يخشى ملاحوها من هجوم المقاتلات التركية.

د. مجيد مرادي-الدبلوماسية الايرانية:سناء حواط-السوري الجديد
* مجيد مرادي – دكتور في العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف – بيروت
لم يتصور الناس في بعض مناطق بيروت الشيعية وفي دمشق والذين اندفعوا إلى الشوارع مبتهجين بالتزامن مع إعلان الإنقلاب العسكري في الجمعة الماضية في تركيا ان يخسر الإنقلابيون أتباع غولن ولم يكونوا مدركين تأثير هذه الخسارة على المنطقة وخصوصاً في سورية ولا عارفين بالأوراق التي أعادتها لصالح حكومة بشار الأسد وحزب الله.
والآن وبعد مرور أسبوع على الإنقلاب الفاشل غيّر عساكر غولن معاهدات المنطقة بشكل جدي حيث حوّلوا بوصلة أنقرا إلى الشرق باتجاه إيران وروسيا وباتجاه عدم الثقة بالمعسكر الغربي والعربي.
أظهرت الدبلوماسية الإيرانية كفاءة ودقة منذ اللحظات الأولى للإنقلاب واستطاعت بموقفها المبدئي من حيازة ثقة الجيران الأتراك الذين كانوا على تضاد مع المشروع الإيراني للمنطقة.
بالطبع ومن نافل القول أنه لم تبق المشكلات الداخلية في تركيا بعد الإنقلاب -والتي لاتزال تشكل خطر على الإستقرار الداخلي والتي تشير إليها الأوضاع غير الطبيعية في البلاد- لرئيس الجمهورية مكاناً لمتابعة سياسته المعروفة في سورية والقائمة على إنهاء الأسد ودعم المعارضة.
من هذه الناحية يرى النظام السوري وحلفاؤه في الفرصة الحالية الوقت الأنسب للتقدم في جبهة حلب وتدمير الإرهابيين أو إبعادهم من هذه المنطقة الإستراتيجية، حيث يضيف هذه النجاحات السريعة في حلب على النجاح الذي تحقق في حرب الأيام الثلاثة والثلاثون في عام 2006 والتي يُحتفل بها في أواخر تموز.
ولكن ما هو تأثير فشل الإنقلاب على تقدم الجيش السوري وحلفائه في حلب؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من القول أنه ومنذ شهور يرتبط استرجاع حلب من قبل الجيش السوري وقوى حزب الله وإيران والطائرات المقاتلة الروسية بالإرادة السياسية أكثر مما هو موضوع عسكري مرتبط بمعادلات القوى الميدانية. لذلك وباعتبار الأهمية الرمزية لحلب ولكونها أهم مدينة ومنطقة سورية بل أيضاً العاصمة الإقتصادية لهذا البلد، فإن أي تغيير سيكون له أثر مباشر على كامل الأرض السورية. بهذا المعنى، في زمان ما قبل الإنقلاب كانت خسارة حلب بالنسبة لرجب طيب أردوغان تعد هزيمة كبيرة وتعمل على تقوية بشار الأسد في مقابل معارضه المدعومين من قبل تركيا.
لابد من تذكر أن في السنتين الأوائل من الإضرابات في سورية والتي بقيت فيها حلب بعيدة عن موجات الإضراب لم يشعر النظام السورية بالخطر الكبير وكان على الدوام يأخذ من الهدوء في حلب مثالاً على استقرار الأوضاع. أما بعد سقوط حلب بيد المعارضة أصبحت دمشق أيضاً مهددة بالسقوط.
هذه المكانة الرمزية المتميزة لمدينة حلب هي التي جعلت تركيا توظف كل إمكانياتها لمنع سقوطها في أيدي النظام السوري وكانوا موفقين في ذلك حيث وفيما كانت قوات الجيش وحلفائه يعملون على استرجاع هذه المنطقة الإستراتيجية منذ شهرين نجحت فجأة  ضعوطات رجب طيب أردوغان على أمريكا التي وضعت خطوطاً حمراء أمام الروس وأعلن توقف التقدم في منطقة حلب.
بالنتیجة أدى قبول الروس بالخطوط الحمراء الأمريكية إلى زيادة خسائر إيران وحزب الله والجيش السوري وبالطبع سبب هذا الأمر هو انقطاع الروابط بين مراكز الأبحاث العسكرية وتلك السياسية والاستراتيجية، وبرأيي أن إيران وحزب الله يدفعون ثمن التفائل المفرط بروسيا وثمن عدم الفهم الدقيق للدبلوماسية العسكرية الروسية في سورية. كان التصور الغالب في إيران وحزب الله أن بوتين دخل المعركة السورية بدون التفات لرغبة أمريكا وفقط بطلب من إيران في حين أن أمريكا قد أعطت الضوء الأخضر للروس منذ زمن للتدخل العسكري في سورية، وهذا القبول الأمريكي يظهر جلياً بمراقبة مواقع القوات الروسية بعد قصفها لمواقع قوات معارضي الأسد لأول مرة بالطائرات الروسية.
أما عندما يكون يلعب ذاك القصف دوراً في مساعدة الجيش أو المستشارين الإيرانيين وحزب الله لاستعادة السيطرة في أكثر المناطق حيوية يجول الدور التركي من حدوث هذا الأمر.
أظهر الروس أيضاً مواقف متناقضة حيث لا يوجد لديهم سبب للتقاعس لاسترداد الأرض غير الضوء الأحمر للأمريكيين الذين يخشون من تغيير الأوضاع لصالح النظام، وغير حسابات المتحالفين في المنطقة مثل تركية والسعودية. لذا في نفس الوقت الذي يتقاعس فيه الروس في الجبهة الحيوية في حلب تحت الضغط الأمريكي ويعلنون سحب مقاتليهم وطائرات السوخوي خاصتهم من مطار حميميم في اللاذقية إلى روسيا، يشاركون بعد فترة قصيرة في عمليات استرجاع مدينة تدمر من قبضة داعش ويعملون على الدفع بحلفاء بشار الأسد إلى جبهة إدلب، في الوقت الذي يؤكد الحلفاء فيه ولاسيما حزب الله على أولوية جبهة حلب. بالطبع يتطلع حزب الله للإنتصار في جبهة حلب لأهميتها العسكرية والنفسية ويعتبر الإنتصار فيها مساوياً لاستعادة مزارع شبعا من قبضة إسرائيل ولكن هناك حسابات أخرى تمنع من تحقق هذا الحلم.
اليوم أدى التحول الذي جرى في تركيا في الأسبوع الماضي – التحول في مرحلة ما بعد الإنقلاب الفاشل – إلى إعادة الأوراق وتغيير الترتيبات. ففي نفس وقت التي تحكم فيه قبضة كماشة الجيش السوري وحلفاؤه على شرق حلب وتعمل على محاصرة كامل الإرهابيين في تلك المنطقة وقطع طرق الإمداد إليهم، تتشكل جبهة جديدة مؤلفة من تركيا وإيران وروسيا ولذلك من غير المستبعد أن تشهد سماء حلب طائرات سوخوي روسية لا يخشى قادتها من هجوم المقاتلات التركية. الآن هو الوقت المناسب لتغيير تشكيل القوى في سورية والمنطقة.   



المصدر: مترجم: حلب ورجب طيب اردوغان في طريق العودة

انشر الموضوع